20-07-2016 09:39 PM
سرايا - سرايا- بأي حق وتحت اي اسم واي عقيدة او اي اسلام يذبح هذا الطفل الفلسطيني؟ فاذا كان هؤلاء يمثلون المعارضة “المعتدلة” المدعومة عربيا وامريكيا فكيف حال المعارضة المتطرفة؟ وهل يعرف هؤلاء المجرمون تاريخ نور الدين زنكي في التسامح والمعاملة الانسانية للأسرى؟
تداول ملايين من رواد وسائل التواصل الاجتماعي شريط فيديو يقدم فيه مجموعة من المسلحين على اعدام طفل في الثالثة عشرة من عمره “ذبحا” بسكين صغير، وهو يبكي طالبا الرحمة، وسط تشفي المسلحين وتعهدهم بذبح كل من هو مثله، في منطقة حندرات الواقعة تحت سيطرة النظام السوري.
توقع الكثيرون، ونحن منهم في صحيفة راي اليوم”، ان يكون هذا “الفيديو” مفبركا، والهدف من فبركته هو تشويه صورة المعارضة الاسلامية “المعتدلة” المدعومة امريكيا وعربيا، ولهذا لم نتناول التعليق عليه في حينه، ومعنا العذر، لان سورية تعيش حالة حرب، وهناك مئات الفصائل واعمال القتل للمدنيين وغيرهم، باتت مشهدا يوميا فيها، وفي ظل الحرب النفسية والدعائية المشتعلة، ظهرت، وستظهر، العديد من الروايات والفيديوهات المزورة والمفبركة من انتاح معظم الاطراف، ان لم يكن كلها.
حركة نور الدين زنكي الاسلامية المعتدلة المدعومة من الولايات المتحدة، وتتركز في منطقة حلب، اعترفت بأن منفذي هذه الجريمة يتبعون لها، واستنكرت عملية الذبح هذه وادانتها، وقالت انها عمل فردي، وستقدم جميع المتورطين الى المحاكمة.
الغالبية الساحقة من اعمال القتل كانت من فعل النظام، حسب انصار المعارضة وفصائلها، ووسائل الاعلام والفضائيات الداعمة لها، وهذا ينطوي على الكثير من الصحة، واي شخص يتحدث ولو بصورة موضوعية عن جرائم، واعمال قتل ترتكبها فصائل المعارضة المسلحة على غرار تلك المذكورة آنفا يواجه بحملات تخوين ومعاداة الثورة وتأييد نظام الطاغية، ومجازره، فهذه المعارضة في نظر هؤلاء واعلامهم منزهة من اي شائبة اجرامية، وفوق كل الشبهات.
منظمة العفو الدولية اصدرت تقريرا قبل اشهر، اتهمت فيه خمسة من فصائل المعارضة السورية الاسلامية بارتكاب انتهاكات لحقوق الانسان، ترتقي الى “جرائم حرب”، وسمت حركة نور الدين زنكي و”جبهة النصرة” بأنها من بينها.
السيد رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الانسان، اكد حدوث هذه الجريمة، وقال في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية “انها احدى اسوأ عمليات الاعدام التي شاهدها منذ بدء الثورة السورية قبل خمس سنوات”.
اعدام طفل بهذه الطريقة الدموية البشعة صادمة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، وخطورتها ان من اقدم على ارتكابها فصيل ينتمي الى معارضة توصف بأنها معتدلة، وتحظى بدعم الولايات المتحدة، زعيمة العالم الحر، ورعايتها.
اعدامات “الدولة الاسلامية” تتواضع امام هذه الجريمة، فحتى هذه اللحظة لم تقدم على اعدام اطفال، وهذا لا يعني انها حمل وديع، فاعداماتها ذبحا لمعارضيها، وجنود النظام الرهائن، والطيار الاردني معاذ الكساسبة، تدخل كتب الارقام القياسية في البشاعة والوحشية، ولكن هناك فارقا اساسيا، ان هذه “الدولة” لا تُدعم من قبل قوى العالم الحر التي تتدخل عسكريا في سورية، وتشكل وتسلح وتدرب فصائل مسلحة، هي وانصارها العرب، باسم الديمقراطية، واحترام حقوق الانسان، والعدالة الاجتماعية.
نور الدين زنكي، الذي تحمل الحركة التي ارتكب عناصرها هذا الاعدام البشع، ينتمي الى اسرة الناصر صلاح الدين الذي حرر القدس، وهزم الصليبيين، ودخل كتب التاريخ بشقيها المدني والعسكري، كقائد تعامل بكل انسانية مع اسرى الحرب، واكرم وفادتهم، وحفظ ارواحهم وكرامتهم، وخرجوا من اسرهم يلهجون بمدحه وانسانيته ورقي اخلاقه، ولا نعتقد ان عناصر هذه الحركة الذين نفذوا اعدامهم البشع في طفل قاصر يعرفون من هو صلاح الدين، ومن هو نور الدين زنكي، وكل ما يعرفونه هو القتل والذبح والانتقام الدموي الهمجي.
لا يهمنا ان يكون هذا الطفل سوريا او فلسطينيا، او عراقيا، فهو بالنسبة الينا طفل تعرض للذبح بطريقة وحشية، بتهمة القتال مع الطرف الآخر المعادي، وحتى لو كان الحال كذلك، فهل هذا الطفل القاصر على درجة من الوعي بحيث يكون مسؤولا عن افعاله.
ندرك جيدا ان هناك معارضات سورية تعارض هذه الوحشية وتدينها، ولكنها قليلة للأسف، وصوتها غير مسموع في ظل هذا الكم الهائل من اولئك الذين يتقدمون الصفوف ويسيطرون على الساحة، ويحظون برعاية قوى عربية وغربية، تستغل الشعارات الديمقراطية وحماية حقوق الانسان لارتكاب جرائم دموية، وتدمير بلد وتفتيت امه، لاهداف سياسية وانطلاقا من نزعات انتقامية واحقاد شخصية ايضا.
كل السوريين اخوتنا واهلنا.. وهم ضحايا بالنسبة الينا، وكل شبر ارض في سورية هو قطعة منا ومن وطننا، ونعتبر “الفتنة” الطائفية التي تمزق اوطاننا، هي احد ادوات الاستعمار الذي يريد افنائنا.
ندرك جيدا ان الجرح سيلتئم في يوم قريب، وستتم المصالحة الوطنية، فمن كان يصدق ان اللبنانيين سيتجاوزن اورام حرب اهلية استمرت 15 عاما من القتل والدمار، ويجلسون على مائدة الحوار، وتسقط كل التقسيمات للوطن، وللعاصمة بيروت، ومن كان يصدق ان المانيا وفرنسا اللتين حاربتا بعضهما البعض في حربين عالميتين، سيؤسسان الاتحاد الاوروبي ويندمجان فيه كقوتين عظميين.
رحم الله هذا الطفل البريء، الذي لم تحرك طفولته وتوسلاته اي مشاعر انسانية لدى القتلة مصاصي الدماء، الذين اعدموه بتلذذ مرددين كلمة “الله اكبر”.
ليست هذه هي اخلاق الاسلام السمحاء، ولا تعاليم وارث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وتوصياته للمؤمنين من ابناء امته في السمو والاخلاق الحميدة، ومعاملة الاسرى، بل والحيوانات ايضا.
هؤلاء لا علاقة لهم بالانسانية ولا بالعقيدة الاسلامية، وهم ليسوا منا ولسنا منهم، هؤلاء وحوش قتلة، بلا قلب، ولا ضمير، ولا انسانية.
“راي اليوم”