25-07-2016 09:37 AM
بقلم : رندا تيسير حتامله
في كل صباح أتجه لعملي ، لا جديد يستوقفني في شوارع عمان إلا عبارة الأردن ينتخب ، كثيراً ما يزوغُ بصري وأقرأها الأردن ينتحب ، كنت أعتقدُ أن ثمة مشكلةً في عيوني تُسقِطُ النقطة عن حرف الخاء فأقرأه حاء إلا أنني أحدقُ في ذهابي وإيابي يوميا أرى النقطة ويترجمها عقلي بأن الأردن ينتحب فأيقنت بأن المشكلة ليست في بصري وإنما في ذاكرتي فانتحاب الوطن هو الحاضر فيها ....
وكيف تصح عبارة الوطن ينتخب ؟ في ظل حالة الاستعصاء السياسي التي يشهدها الأردن منذ عام 1993 حتى اليوم ، كيف للوطن أن ينتخب من يصادق على تشريعات بيع مخصصاته وتحويله إلى عزبة خاصة لجنسيات أجنبية تديرها وتنتفع منها !
كيف للوطن أن يقع في الجحر الذي لُدِغَ منه مرارا وتكراراً
والوطن لا يملك ذاكرةً هشّة أو معطوبة بل في أرشيف الذاكرة الوطنية تاريخٌ يدون حرفاً حرفاً ولا يرحم أحداً ، تاريخٌ لم تكتبه أناملهم بل كتب نفسَهُ بنفسه ونقشَ حروفه على ذاكرة الأحرار اللذين أدركوا وظيفتهم تجاه الانسانية وتجاه الوطن .
كيف للشعب أن يعاود التجربة وماهي دوافعه لينتخب مجلس برلماني لن يفرز لنا أي إيجابية تذكر منذ عام 1993حيث أخرج لنا آنذاك اتفاقية العار والتطبيع مع العدو الصهيوني "وادي عربة" ، وفي دورة 2003 بيعت مقدرات الوطن وثرواته ، وفي دورة 2007 شرعنة نهجي الفساد والخصخصة ، وفي دورة 2010 أُغلقت ملفات الفاسدين وشرعنة من جديد بيع مقدرات الوطن ، وفي دروة 2012 أُقرت تعديلات دستورية لصالح حكم الفرد المطلق و قانون ازدواجية الجنسية و قانون الاستثمار سيء السمعة الذي يعطي للمشروع الصهيوني شرعية التوسع ....
في الأول من أيلول سينزل الشعب
الذي يعاني فقراً مطقعاً وبطالة مقنعة وغير مقنعة وتراجع في كافة المجالات يكدح من أجل قسط جامعي لأبنائه يعجز عن تأمين أبسط حاجاته الإنسانية هو ذاته الشعب الذي يلعن الحكومة كل يوم ويلعن الفساد ويتوق للحرية ولأي تجربة ديمقراطية خارج حدوده بل ويتخذ على عاتقه تحليل مجريات التجربة ويبدي رأيه معللاً للسبب ومبرراً للنتيجة ، وأقرب مثال التجربة التركية التي يتخذ منها قدوةً وقضيةً تشغل الحيز الأكبر من وسائل تواصله الاجتماعي ، يطالع أبرز المقالات المحللة لها ويتابع أخبارها وتطوراتها ويتخذُ موقفا موافقاً أو رافضاً ساجداً ل رجب طيب أوردوغان أو لاعِناً له ، وكأن جنسيته تركية لا أردنية
شعبٌ فيه من الثقافة ما تجعله قادراً على تحليل الأحداث السياسية خارج حدود وطنه ما الذي يدفعه لتجاهل ما أفرزته مجالسه البرلمانية من قرارات جردت الوطن من مقدراته وجعلته ينتحب!
في ظلِ قانون انتخابات مشوه الملامح سيلعب المال السياسي فيه دور البطولة المطلق وستكون العشائرية هي المظلة والشعار الحاضن تحت مبدأ أُنصر ابن عشيرتك حتى لو كان ظالما لوطنه ...وما يثير الغرابة في هذه الدورة أن أبرز الأحزاب التي اتخذت من المقاطعة خندقا لها طيلة الأعوام الماضية نجدها هذه المرة تقتحم المشاركة في الترشح -رغم تداعيات قانون الانتخاب الجديد- دون تعليل مقنع لتغيير موقفها مبررةً بأن المشاركة ستكون نقطة عبور من المضيق للمحيط ، رغم أن مطالبها طيلة الأعوام الماضية وتواجدها في الشارع الحراكي كان أبرز دعواته مقاطعة الانتخابات إلى أن تنفذ الحكومة أبسط المطالب التي طالب بها الحراك لصالح الوطن والشعب وأن المشاركة بالانتخابات ماهي إلا انهزام وانبطاح لا يلبي إلا أطماعاً فردية لن تزيد الصالحَ العام إلا خَبالاً...
اليوم لا نملك إلا أن نقول لا ولو أن هذه الكلمة ستفرضُ علينا أعباءً اجتماعية في ظل مبدأ العشائرية الذي يحولُ دون مصلحة الوطن ويخدِمُ فئةً قليلة من الأفراد المتنفذين والمستفيدين في خدمة مصالحهم الضيقة .
لتكن لا فعلاً نمارسه في وجه مجلس برلماني فقد ماء وجهه .
لا نهجُ الأحرار لأن يكونوا من فئة الشعب الذي ينتخب متجاهلاً وطنه الذي ينتحب .