25-07-2016 04:34 PM
بقلم : بلال حسن التل
تابعت باهتمام انحياز أنصار ومعجبي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى إجراءاته الفاتكة بمعارضيه، ودعم هؤلاء المعجبين اللامحدود وجلهم من الإخوان المسلمين ومن محاسيبهم لأردوغان حيث نظموا المسيرات في أكثر من بلد, مثلما أطلقوا كل مكناتهم الإعلامية خاصة على صفحات التواصل الاجتماعي لمناصرة ودعم هجمة أردوغان على ما أسماه بالدولة الموازية, بعد أن مل الناس خلال السنوات القليلة الماضية من هجومه على الدولة العميقة علماً بأن أردوغان هو أحد إفرازات الدولة الموازية التي يهاجمها اليوم, فرجب طيب أردوغان كان لعقود طويلة حليفاً استراتيجياً لحركة الخدمة بزعامة الأستاذ فتح الله كولن, بعد أن كان من تلاميذها, ولطالما قبل يدي كولن, وطلب بركته ونصحه وإرشاده, ومازال ملايين الأتراك يتذكرون, كيف وقف أردوغان قبل سنوات قليلة, تقل عن عدد أصابع اليد الواحدة في واحد من أهم ملاعب تركيا الرياضية, مناشداً كولن وأمام عشرات الآف ومن ورائهم الملايين عبر الشاشات الفضائيات وأثير الإذاعة, العودة إلى وطنه الذي اشتاق إليه وإلى منحه بركاته, قبل أن يتحول هذا القديس الذي كان أردوغان يطلب بركته إلى شيطان رجيم يطلب أردوغان رأسه, ويدعو الناس إلى رجمه, ويصفه بالحشاش وبالنبي الكذاب, وبزعيم الدولة العميقة والكيان الموازي, الذي صار أردوغان يعلق عليه كل ما تمر به تركيا من عثرات وأزمات خلال السنوات الأخيرة, وهذه واحدة من صور التعبير عن القلق والخوف التي يعاني منها الحاكم المستبد في مواجهة مؤسسات المجتمع المدني وقدرتها على إحداث التغيير ومواجهة الاستبداد, وأردوغان خير من يعرف هذه القدرة لأنه من نتاجها, مثلما كانت هي من أدوات ظهوره وتحقيق نجاحاته المتوالية التي صار يخاف من أن تستخدم ضده, كما استخدمها هو للوصول إلى السلطة والحكم, قبل أن ينقلب عليها في سلسلة انقلاباته على حلفائه بل ومعلميه, ابتداء من نجم الدين أربكان وصولاً إلى فتح الله كولن مروراً بعبدالله غول, وأحمد داود أوغلو, وما بين هذا وذاك انقلابه على تعهداته وتحالفاته الدولية والإقليمية وأخرها تعهداته للغزيين بفك الحصار عنهم, وهي التعهدات التي انقلب عليها, وعاد لتطبيع علاقاته مع إسرائيل بالتزامن مع اعتذاره لروسيا وفتحه لقناة سرية مع بشار الأسد, ولذلك فإن انقلاب أردوغان على مؤسسات المجتمع المدني يأتي في سياق طبيعي لشخصيته المتقلبة, وهي انقلابات ليست غريبة على المدرسة الفكرية والسياسية التي ينتمي إليها فهي مدرسة ذات تاريخ طويل في الانقلاب على تحالفاتها وتعهداتها مع قدرة غريبة على تبرير ذلك كله. إن كل من تابع صعود نجم أردوغان يعرف أنه استخدم المؤسسات التي صارت في نظره من مكونات الدولة الموازية لتحقيق طموحاته السياسية, وهو بهذا يسير على نهج المدرسة الفكرية التي تربى في أحضانها, أعني بها مدرسة الإخوان المسلمين التي لا يجادل اثنان في أن حضورها في الكثير من المجتمعات الإسلامية كان بفضل تغلغلها في مؤسسات المجتمع المدني, واستغلال هذه المؤسسات لتحقيق أهدافها, وأهمها الوصول إلى مرحلة «التمكين» التي هي الهدف النهائي لما صار يعرف بحركات الإسلام السياسي, وفي طليعتها الإخوان المسلمون.
كما أن كل من يقرأ تاريخ الإخوان المسلمين لا يحتاج إلى طويل عناء, ليكتشف أن الإمام حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين, وأول مرشد عام لها, كان من أوائل من سعوا إلى إقامة الدولة الموازية في منطقتنا على الأقل , وذلك عندما باشر بتكوين المؤسسات الاقتصادية, وكذلك تأسيس الصحف والمجلات والمجموعات الكشفية ومن ثم النظام الخاص, الذي شكل القوى العسكرية للإخوان المسلمين, بالإضافة إلى المدراس والمعاهد, وحاول اختراق الأحزاب بزرع أعضاء فيها ينقلون إليه أخبارها, وهذه كلها من مقومات إقامة الدولة الحقيقية التي طالما تطلع الإخوان المسلمين للوصول إليها, وإلا ما حاجة مؤسسة مجتمع مدني, أو حركة دعوية إلى تأسيس نواة جيش وجهاز مخابرات, مثلما فعل ويفعل الإخوان المسلمون حيثما أتيح لهم ذلك. إن كل من قرأ كتاب الإخوان المسلمين والمجتمع المصري لمحمد شوقي زكي ودقق فيما بين السطور سيكتشف حجم الكيان الموازي الذي بناه الإخوان المسلمون في مصر, وعندي أن الأستاذ فتح الله كولن في بنائه لحركته التي يسميها أردوغان اليوم بالدولة الموازية كان يستلهم أسلوب حسن البنا في بناء الدولة الموازية, وهو أسلوب صار نهجاً ملهماً لتنظيمات الإخوان المسلمين في المجتمعات والمناطق والدول التي صار لهم فيها وجود, سعوا إلى تعظيمه وتحويله إلى دولة موازية, وهو بالضبط ما جرى في الأردن الذي أجزم أن الإخوان المسلمين تمكنوا في مرحلة من مراحل علاقتهم بالدولة الأردنية من استثمار هذه العلاقة لبناء دولتهم الموازية للدولة الأردنية الحقيقية, وهذا ما سنسعى لبيانه في مقال قادم.
Bilal.tall@yahoo.com