بقلم : أ. محمَّد الدَّلالعَه

إنَّ أشدَّ عداوة للإنسان الزَّمن و الطَّبيعة؛ فقد أعتقد الإنسان قبل الإسلام أنَّ سبب هلاكه الزَّمن، فقال الله تعالى على لسانهم:
{ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ }*2؛ حيث اعتقدوا أنَّ الزَّمن ـ الدَّهر ـ هو سبب هلاكم يولدون أطفالًًا فيصيِّرهم الزَّمن شُبَّانًا فيحيلهم الزَّمن إلى الكِبَر ثمَّ يميتهم و هكذا.

وصف الله تعالى الزَّمن بتغيُّر حاله، فقال:
{ ... وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ... }*3،قال ابن جوزي في تفسير هذه الآية:
(( و اعلم أنَّ الزَّمان لا يثبت على حال ))؛ فتاارة فقر و تارة غنى و تارة عز و تارة ذل و تارة فرح و تارة حزن ...إلخ، و هذا أبو البقاء الرُّندي يقول:
لكُلِّ شيءٍ إذا ما تمَّ نقصـــــــــانُ ... فلا يٌغرَّ بطيبِ العيشِ إنسانُ
هي الأمورُ كما شاهدتُها دُوَلٌ*4 ... من سرَّهُ زمنٌ ساءتْهُ أزمــانُ
و هذه الدَّارُ لا تبقِ على أحــــــدٍ ... و لا يَدومُ على حالٍ لها شانُ*5

و في مقالة للدُّكتور عبد الرَّحمن الهواوي، يقول فيها ـ ضاربًا لنا الأمثال على علاقة الزَّمن في الإنسان ـ:
قال المتنبِّي في قصيدة يمدح فيها الحُسين بن اسحاق التَّنوخي:
تغيَّرَ حالي و الليالي بحالتِها ... و شِبْتُ و ما شابَ الزَّمانُ الغُرانِقُ*6
يقول العكبري في شرح هذا البيت:
(( يقول الليالي: تمرُّ و تجيء و هي على حالها، و بمرّها تغيَّر حالي و شيَّبتني، و تلك الليالي لم تشب

و ضرب لنا الدُّكتور الهواوي مثالًا آخر في اعتقاد البعض للزَّمن، يقول المتنبِّي في قصيدة يمدح بها القاضي أحمد بن عبد الله الأنطاكي:
جَمَحَ*7 الزَّمانُ فما لذيذٌ خالصُ ... ممَّا يَشوبُ*8 و سرورٌ كاملُ
يقول العكبري في تفسير هذا البيت:
يقول جمح الزَّمان؛ أي قهر و غلب فما تخلص اللذَّة من أذًى يشوبها به الدَّهر، فلا سرور كامل للإنسان.

و أريد أن أتطرَّق إلى قضيَّة الزَّمن النَّفسي للإنسان؛ فتمر علينا ساعات كأنَّها دقائق و تمرُّ علينا دقائق كأنَّها ساعات، يقول أحد الشُّعراء:
أعوامُ وَصْلٍ كان يُنسى طُولهــــــــا ... ذكرى النَّوى*9 فكأنَّا أيَّـــــــــــــام
ثمَّ انبرت*10 أيَّام هجرٍ أردفت*11 ... جوي*12أسى*13 فكأنَّها أعوام
ثمَّ انقضت تلك السُّنون*14 و أهلها ... فكأنَّا و كأنَّهم أحلـــــــــــــــــــــــام

يقول علماء الشَّريعة:
(( حينما يموت الإنسان في لحظة خروج الرُّوح ـ مرحلة الغرغرة ـ من الجسد يسترجع الإنسان شريط حياته من لحظة ولادته حتَّى وفاته )) فزمن الاسترجاع زمن نسبي لا يُمكن قياسه و الله أعلم.

أمَّا إعتقاد علماء الغرب نحو الزَّمن، فهم على اتجاهين:
ـ نيوتن، يقول: (( إنَّ الوقت ثابتٌ لا يتغيَّر ))
_ أمَّا آينشتاين، فيقول: (( الوقت لي ثابت كما تقدَّم معنا )).

________________________________
*1 هذه المقالة كتبت بقلمي: العبد الفقير إلى الله ـ جلَّ شأنه ـ مُحَمَّد الدَّلالعَه
* 2 الآية 24 من سورة الجاثية
*3 الآية 140 من سورة آل عمران
*4 دُوَل: متقلِّبة
*5 هذه القصيدة قالها أبو البقاء الرُّنْدِي في سقوط مدن الكبرى: [ قُرْطبة، بلنسيَّة، أشبيلية، و مرسيه ]
*6 الغُرانِق: الشَّاب النَّاعم، و جمعه غَرانق بفتح الغين، و أصله من الغَرانيق: نبات ليِّن يكون في أصل العوسج، الواحد غَرنوق و غَرانق
شبَّه الشَّاعر الشَّاب النَّاعم به؛ لنضارته و طراءته
*7 جَمَحَ: يقول العكبري: الجماح الإسراع، و منه قوله تعالى:
{ لولوا إليه و هم يجمحون }؛ أي يسرعون، و الجموح من الرَّجال: الَّذي يركب هواه فلا يمكن ردَّه، و جمح الفرس: إذا غلب فارسه
*8 يشوب: يختلط
*9 النَّوى: البُعد و الفِراق
*10 انبرت: مضت و ولَّت
*11 أردفت: تتابعت، تتاليت
*12 جَوِي: من الجوى و المقصود بها حرقة الشَّوق
*13 أسى: حزن
*14 السُّنون: جمع سنة، جمع مذكر سالم من ألفاظ العقود الَّتي لا مفرد لها من جنسها.