07-08-2016 05:02 PM
سرايا - سرايا - في خطاب متلفز، حذر عبد الفتاح السيسي؛ الجنرال الذي تحول إلى رئيس، حذر المصريين من أنهم يعيشون راهناً في بلد محطم محاط بأعداء لن يتركوهم وشأنهم أبداً.
وفي الخطاب الذي ألقاه في شهر أيار (مايو) الماضي، طالب من مواطنيه أن ينظروا إلى بلدهم، وقال: "إحنا مش في دولة حقيقية، دي شبه دولة"، على حد وصفه. وأضاف أن مصر بحاجة إلى قانون ونظام ومؤسسات قوية إذا شاءت أن تقلب وجهة مسارها الانحداري وأن تصبح "دولة تحترم نفسها والعالم يحترمها"، على حد قوله.
وبينما يعد تقييم السيسي نادراً في صراحته، فإنه يلقى مشاركة واسعة من جانب المصريين. وبعد خمسة أعوام من الفوضى السياسية والاقتصادية، ثمة شعور بالتشاؤم والقتامة يجثم على البلد. وتعد مصر زعيمة للعالم العربي، سياسياً وثقافياً، وموطناً لربع المواطنين العرب، لكنها أصبحت منطوية على نفسها وتنظر إلى الداخل، إضافة إلى أنها مهمشة سياسياً بطريقة غير معهودة منذ أجيال.
يقول السفير المصري السابق لدى الولايات المتحدة، نبيل فهمي، في إشارة إلى رئيسين بارزين سابقين هما جمال عبد الناصر، أيقونة الوحدة العربية، وأنور السادات الذي صنع السلام مع إسرائيل: "في الماضي، كان ناصر يقرر الحرب أو السلام، وكذلك كان السادات يقرر السلام أو الحرب. وكان العرب يهرولون وراءنا عندما نقرر فعل شيء ما".
وإنما ليس بعد الآن، كما قال السيد فهمي، الذي كان وزيراً للخارجية بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بأول رئيس مصري منتخب، محمد مرسي، من الإخوان المسلمين في العام 2013: "إن مصر منشغلة تماماً بوضعنا المحلي".
ومع الأزمات الإقليمية المستعرة في العراق وسورية واليمن، والمعركة المستمرة ضد "داعش"، ينظر إلى مصر على أن لديها دوراً منتجاً ضئيلاً وحسب لتضطلع به. وقد اندفعت كل من العربية السعودية وإيران؛ المتنافستين الإقليميتين الطائفيتين، لملء الفراغ الذي تركته مصر، داخلتين منافسة خطيرة من أجل الاستئثار بالهيمنة الإقليمية. وبالنسبة لمصر، يشكل ذلك انقلاباً حاداً، حيث لا تتوفر فرص مباشرة لاستعادة وضع البلد السابق.
منذ أن صنعت السلام مع إسرائيل في العام 1979، تعمل مصر كنقطة ارتكاز للنفوذ الأميركي في العالم العربي. وما يزال الجيشان الأميركي والمصري يتعاونان عن كثب منذ عقود. وقد ذهبت مصر إلى الحرب ضد صدام حسين إلى جانب القوات الأميركية في العام 1991. ولطالما اضطلعت القاهرة بدور الوسيط المهم بين إسرائيل والفلسطينيين (وبين الفصائل الفلسطينية أيضاً)، على الرغم من أنها بدأت في التخلي عن ذلك الدور بدعمها إسرائيل ضد حماس في العام 2014.
لكن انسحاب مصر من القضايا الإقليمية قلل من قيمتها بالنسبة الولايات المتحدة التي قدمت لها أكثر من 76 مليار دولار على شكل مساعدات أجنبية منذ العام 1948.
يقول اسكندر العمراني، مدير مشروع شمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية: "ينظر إلى مصر في واشنطن بشكل رئيسي على أنها مشكلة وليس مصدراً للحلول". ويضيف: "لولا العلاقة العسكرية وتفضيل البنتاغون للحصول على مزايا مثل المرور السريع عبر قناة السويس، من الواضح أن ثمة عناصر داخل إدارة أوباما لا تهتم كثيراً بالسيسي ونظامه ونموذجه المحلي في ممارسة القمع وانتهاكات حقوق الإنسان".
لطالما كان نفوذ مصر نتاج قوتها العسكرية والثقافية على حد سواء. كانت منارة للوحدة العربية بعد أفول موجة الاستعمار الأوروبية في القرن العشرين؛ حيث ساعدت في بناء جاراتها من الدول العربية، وفي تأسيس جامعة الدول العربية، وبذلت جهداً رائداً في التعاون الإقليمي الذي يندر أن تجده اليوم فعلياً. وأصبح كتابها وفنانوها وصانعو الأفلام فيها أيقونات في المنطقة. كما بت قضاتها ورجال الدين فيها في مسائل مهمة في الشريعة الإسلامية.
يقول عمرو موسى، وزير الخارجية المصري الأسبق والأمين العام السابق للجامعة العربية إنه يشك في أن تكون هناك "أي مغامرات خارجية" في ضوء "المشاكل الرئيسية التي نواجهها".
وأضاف أن ذلك يجب أن يتغير، "فدور مصر هو واجب وهو ضرورة من أجل بناء توازن مع إيران وتركيا". لكن الطريقة الوحيدة للقيام بذلك تكمن في "إصلاح مصر نفسها وفي إعادة بناء قوتها الناعمة".
وقبل إعادة البناء، يجب على مصر معالجة قائمة طويلة من المشاكل. فهناك حرب مع التابع المحلي لـ"داعش"، الإسلامية في شبه جزيرة سيناء. ويواجه الاقتصاد أزمة بعد أخرى متأثراً بانهيار السياحة المصرية.
وتراجع عدد السياح الواصلين بواقع 59.9 في المائة، مقارنة مع حزيران (يونيو) الماضي، طبقاً لأرقام حكومية. ووفق اتحاد السياحة، فقد أغلقت أكثر من نصف الفنادق في شرم الشيخ؛ المنتجع الذي كان مفضلاً في السابق لدى مشغلي المجموعات السياحية وصانعي السلام على حد سواء.
ظلت مصر عائمة، في جزء منه بفضل الدعم المالي الذي تلقته من دول الخليج، مثل العربية السعودية، والتي أعطت مصر أكثر من 25 مليار دولار، على الرغم هذا الشريان للحياة أصبح مهدداً الآن بسبب هبوط أسعار النفط. كما أن تحالفها مع الولايات المتحدة يشهد توتراً بسبب الخلافات حول انتهاكات حقوق الإنسان في ظل حكم السيد السيسي والإطاحة بالسيد مرسي.
يقول السيد فهمي، السفير السابق، إنه يعتبر أن تهدئة المخاوف الغربية التي نجمت عن الإطاحة بالسيد مرسي وتصويرها على أنها "دفاع عن الثورة"، كانت من نجاحات السياسة الخارجية للبلد. وفي الأثناء، تعد علاقات مصر مع إسرائيل أيضاً جيدة. لكنها فعلت النزر اليسير في الاستجابة للقائمة الطويلة من الأزمات الإقليمية.
وقال السيد العمراني: "عند أعلى مستويات القيادة، لا تتوافر مصر على ترف التركيز على المسائل الإقليمية". وأضاف أن كبار المسؤولين يركزون أكثر في الوقت الحالي على التهديدات الآنية، مثل انعدام القانون في الجارة ليبيا وإنشاء سد النهضة على نهر النيل في أثيوبيا.
بالتأمل في الماضي، قال السيد العمراني، "ربما تكون مصر قد لعبت دوراً أكبر مضخماً في الأعوام الماضية، نظراً لأن روابطها الوثيقة مع الولايات المتحدة عززت دورها إلى ما فوق ومنها الحقيقي".
بينما تصبح توقعات واشنطن إزاء دور مصر في الأزمات الإقليمية أكثر انخفاضاً باطراد، فإنها تعتقد مع ذلك بأن القاهرة يمكن أن تكون مؤثرة في الجارة ليبيا؛ حيث تريد إدارة السيسي ظهور دولة مستقرة وغير إسلامية من المشهد السياسي الفوضوي والمتشظي. كما أنها تقدر دور مصر في السماح للسفن والطائرات الأميركية بالمرور بسرعة عبر قناة السويس وفي المجال الجوي المصري.
وقال السيد موسى إنه يعتقد بأن مستقبل مصر قد يكمن في قيام علاقة أوثق من السابق مع العربية السعودية التي أصبحت، على الرغم من ضغوط الموازنة لديها، الممول المالي للبلد بعد أن قررت أن "مصر يجب إنقاذها"، كما قال السيد موسى.
ووفق السيد موسى، فإنه "بوجود فراغ في القيادة في منطقة تعمها الفوضى، فإن مصر والعربية السعودية قد تكونان قادرتين على منع بلد غير عربي، مثل إيران أو تركيا أو إسرائيل، من تحديد مسارات الإقليم.
وأضاف: "لا أعتقد أنه بعد -لا أريد أن أقول انسحاب مصر- لكن دور مصر لم يكن موروثاً. ليس هناك أي بلد واحد نهض ليقول ’أستطيع أن أقود هذه المنطقة‘". (ليام ستاك - (النيويورك تايمز) 2/8/2016