04-09-2016 04:54 PM
بقلم : فؤاد البطاينه
تحت وابل عدمية الجدوى ، وانعكاساتها السلبية على الاستقرار العالمي بتداعياته السياسية والاقتصادية والأمنية على الجميع ، انتهى العالم من التكتلات الأيدولوجية . وأخذ يشهد تشكيلات ومجموعات جغرافية واقتصادية بعيدا عن الاستقطاب السياسي .. ويصر الكثيرون من سياسيينا وناشطينا من اليسار واليمين على استمرار تجاهل حقيقة واستحقاقات أن هذه التكتلات كما في سابقتها الأيودلوجيه لا تقوم على مبدأ ( التكية ) ، وبأنها لا تبحث عن مصالح الغير بل عن مصالحها على حساب هذا الغير . مما يعني أنها تكتلات ليست دائمة الشكل أو ثابتة ولسنا شركاء فيها . فسياسات دولها تحددها أهدافها التي تقوم على حاجاتها الوطنية المتطورة أو أطماعها . ومن هو خارجها ليس شريكا فيها ،بل وقودا أو عميلا ما لم يحاكيها بمثلها
أتكلم هنا عن تداعياتِ وذيولِ تكولس اليسار العربي الجديد حول أصحاب التكتلات الأيدولوجية المندثرة ، والذي أصبح مع غيره يضرب في جسد الامة ومصالحها ، بعد أن غير أصحاب الأيدولوجية نهجهم الذي عهدناه يُسَوق كنهج علمي يقوم على فكرة الصراع الطبقي على خلفية السلوك الرأسمالي الظالم اقتصاديا وسياسيا . وما يهمنا ، أن هذا قاد الى عملية استقطاب سياسي دولي انتجت مفاهيم سياسية جديده أصبح ضررها حكرا علينا
إن الاستقطاب السياسي الجوهر وأيدولوجي التسويق ، وما رافقه من صراع المعسكرين الرأسمالي والشيوعي الذي ساد عقودا وانتهى مع نهاية القرن الماضي ، قد أوجد ورسخ مفهوما جديدا لليسار واليمين مختلفا عن مفهومه التاريخي الذي وُلِد في اوروبا ، ومعاكسا له في الأسس التي قام عليها . . وأصبح اليسار مرتبطا بالقبضة الحديدية للدولة التي تصهر الفرد بها وتقيد حركته وحريته وطموحاته الشخصية ، وبمواجهة اللبرالية ومختلف مكونات الديمقراطية على قاعدة مناصرة وريث المعسكر المنقرض ومعاداة المعسكر الغربي . وقد دخل اليسار الى بلادنا شعوبا وأنظمة على خلفيتي غياب الديمقراطية والمشروع الصهيوني
فعلى الصعيد الشعبي فإن الدين عندما دخل كعنصر متناقض مع المبادئ الشيوعية ، وحاربه الاتحاد السوفييتي مع مظاهره ، فإنما خلق أعداء كثرا للنهج في البلاد العربية والاسلاميه ، وأنصارا جلهم من الأقليات الدينية او العرقية في بلادنا أيضا ، وذلك نتيجة غياب الديمقراطية عنها ،الذي أسهم في عزلة هذه الأقليات وانتقاص حقوقها وتصعيب اندماجها في الدولة ، فاختارت هذه الشرائح التوجه للدكتاتورية الماسحة لأسباب التمييز والتمييُز التي تعيشها ، مفضلة قاعدة الظلم في السوية عدل في الرعية ، وتشكلت نواة يساريينا الشعبية
أما على صعيد الأنظمة ، فقد كان تحالف الصهيونية الاستعمارية مع الامبريالية الأمريكية وغزو فلسطين حافزا لظهور اليسار العربي في بعض الأنظمة العربية باسم الاشتراكية العربية ، وجعلت من نفسها صديقة أو حليفة للدول الاشتراكية . واستقطبت هذه الأنظمه الاحزاب القومية على الساحة العربية ، وكذلك الأحزاب الشيوعية التي انتمت في عملها السياسي الى المعسكر السوفييتي وربطت موقفها من الأنظمة العربية بالموقف السوفييتي .
الفكرة هنا أن اليسارييِن العرب ، مستقلين وحزبيين ما زالوا رغم مرور قرابة ثلاثة عقود على إعلان فشل وسقوط وتفكك االمنظومة الشيوعية متمسكين بما سقط من االمبادئء ، ومتمسكين بنفس الوقت بدول وأنظمة أصحابها رغم تركهم لتلك المبادئ وتركيزهم على مصاالح بلدانهم على حساب الطعن بتلك المبادئ نفسها . بل دخلت روسيا في سباق مع الولايات المتحدة على استخدام المبادئ الرأسمالية والتطرف في طعن كل الأخلاقيات الفكرية والايدولوجية والانسانية والسياسية على مذبح مصالحها .
ووصل الأمر في الطعن بتلك المبادئ والأخلاقيات اليسارية الى إعلان الرئيس الروسي أمام جهازه وشعبه وعلى الهواء بأنه استثمر التدخل الروسي في سوريه لإجراء التجارب على فاعلية ألأسلحة الروسية . ولم يعن التصريح الروسي العلني بتلك الفعلة االإجرامية بحق الانسان العربي والقيم الانسانية ، شيئا يستحق توقف اليساريين العرب عنده او مراجعة قناعاتهم ومواقفهم . وهم يعلمون بأن الإعلان باجراء تجارب الموت على مجموعة بشرية يعني أنها بالنسبة للفاعل " مجموعة فئران ".
إن اليسار العربي أحزابا وشخصيات ، وحده لم يراجع مسيرته وإخفاقاتها ، وما آلت إليه أيدولوجيتهم والساحة العربية والدولية . ولم يبحث للأن عن نهج سياسي بديل كما فعلت الأحزاب الاسلامية والقومية ، ولا عن أهداف وطنية ، ولا استخدام البرامجية والحزب الوطني والأولوية الوطنية، بدلا عن التبعية الورثة أيدولوجية انتحرت فشلا . وأمعن في الإنتقائية في مفاهيم الحرية والديمقراطية وتقييمها .
لا شك بأن تخبط اليساريين العرب السياسي غير المحسوب ، وانعزالهم عن دولهم ومصالح الشعوب ومفاهيم الحرية والديمقراطية يوقع الضرر بالعرب وقضاياهم . إنهم وحدهم من التنظيمات العربية يسلكون طريق عدم اعتبار اسرائيل والصهيونية هي التناقض الأساسي للعرب وجودا وثقافة وقِيما ، وذلك من واقع الالتزام بالأيدولوجية الروسية المتماهية مع الأمريكية ، ووحدهم انتقائيين في معاداة الكيان المحتل ، بل ويصطفون مع ما يعزز نفوذه أو مصالحه إذا هادنته روسيا ، أو إذا واجهته دولة حليفة لأمريكا في ساحة ما كأفريقيا ، ولا يهمهم في هذا أية انعكاسات سلبية على الدول العربية وقضاياها حتى القضية الفلسطينية . والمطلوب هو التطور في ضوء قراءة تطور الأحداث ،