19-09-2016 04:01 PM
بقلم : عبدالحافظ الحوارات
من بين ركائز نظريّة القيادة الحديثة يبرز بقوّة مصطلح الذكاء العاطفي ، ويقوم مفكّرو الغرب في العادة بعمليات تحليل شائكة لشخصيّات القادة في مجتمعاتهم ممّن يُتَوَقّعُ وصولهم في المستقبل إلى مراكز حسّاسة للقرار خشية حدوث ما لا يُحمد عُقباه ، فيقيسوا الذكاء العاطفي للشخصيّة بناء على معايير عديدة أبرزها القدرة على شَكْم الذات والانضباط ومستويات التعاطف مع الآخرين ، وهم بهذا يعتبرون الذكاء العاطفي مُكمّلا للتفكير الصائب وينحى بسفينته نحو المراسي الأكثر فاعلية وإنتاجا .
وعلى النقيض من ذلك تماما فإنّ الشخصية العاطفيّة والأمّة العاطفيّة وبالرغم من تقاطع المفردات هنا مع الذكاء العاطفي فإنّ الاختلاف بينهما بيّن وشاسع ، فالعاطفة قرينة هنا لغوغائيّة المشاعر وسطحيّتها والتي عادة ما تقود الجموع هنا بلا حصافة ، وفي خضمّ تأليب المشاعر تزداد سعة موجات الفوضى وتزداد طاقتها التدميريّة لتجرف في طريقها أيّة إشارة منطقيّة تدلّ على ضرورة استخدام العقل .
أَسُوقُ هذه المقدّمة لأعْبُرَ من خلالها إلى قضية أشغلت-وما تزال- قطاعا لا بأس به من أولياء الأمور وغيرهم في وطني حول المناهج المطوّرة وما رافقها من الحذف والتبديل وخاصة في منهج التربية الإسلاميّة واللغة العربية .
كنت وما أزال من المُعجبين بالخطوات الإصلاحيّة التي تقوم بها وزارة التربية والتعليم الأردنيّة ، والتي لمسها المواطن بشكل واضح في تغيير منظومة التقويم وتوابعها من حيث التدقيق على إجراءات امتحان الثانوية العامّة ، وهاج في حينها من هاج وطالب الكثيرون آنذاك بأن يشمل التطويرنواحي كثيرة في العملية التعليميّة التعلميّة ، وكان ذلك النداء محقّا ، فتتابعت سلسلة التغييرات التطويريّة لتشمل عملية انتقاء المعلّمين ممّن سيمارسون هذه المهنة الراقية ، وهاج المجتمع حينئذ وماج أيضا ، لكنّ التوضيحات الجريئة التي أوردتها الوزارة كانت مقنعة ومنطقيّة ، واستمرّت العملية التطويريّة لتشمل قياس كفاءة المعلّم بعد التعيين وأثناء سنوات خدمته ، وهاج هذه المرّة الميدان التربوي لهكذا قرار مع العلم أنّ الواثق من المعلّمين يجب أن لا يقلقهُ هكذا توجّه .
واليوم ، تَوَاصَلَ التغيير ليطال المناهج فاستمرّ الاحتجاج المُنقاد بالعاطفة أيضا ، كيف يحذفون آية كريمة من صفحة هنا أو حديثا شريفا من صفحة هناك ؟ ، وكيف يستبدلون صورة أمٍ بلا حجاب بصورة أمٍ مُحجّبة ؟ ، هذه عواطف مشروعة ، وقد تكون خطأ مقصودا أو غير مقصود خاصّة وأنّ بناء الطالب المنفتح على العالم وعلى الآخرين فكريا وثقافيّا ومؤمنا بالمنهج العلمي هي أهداف سامية في عالمنا المعاصر وسلاح هام في ظلّ العولمه الآخذة بالاتساع وأنّتعزيز النواحي الإيجابيّة لتراثناالأصيل سيسهم في إيجاد إنسان أردني متزن يتفاعل مع العالم بسهولة ويعتزّ بهويته الدينيّة وتراثه الفريد ، لكن هل يعتقد المحتجّون أنّ إزالة تلك الفضائل من المنهج سينجم عنه إزالة الكمّ الهائل من الفضائل والأخلاق الحسنة التي يسبح في نعيمها مجتمعنا المميّز ؟ ، وهل سيصدّق أيّ ساذج أنّ لها دورا في تطويع الجيل نحو التديّن والطهارة النفسيّة ، فليقلْ لي أين هي متوالية تلك الأجيال في مجتمع الفضيلة الذي بنعيمه ننعم اليوم ، وليقل لي أين مناهجنا المُتخمة بالفضائل من جيلٍ مُتخمة حقائبه المدرسيّة بشتّى أصناف مغيبات العقل ؟ وأين مناهجنا من جيل مُتْخم جوفه بشتّى أنواع المفردات التي يخجل الهواء من نقلها لأسماعنا ؟.
أيها المتباكون على المناهج القديمة ، امنحوا التطوير فرصته ، لا تهاجموه لمجرّد خلل هنا أو هناك فتنسِفوا الدافعية نحو التطوير من أساسها ، وإن كانت نواياكم سليمة فساهموا من بيوتكم في بناء أبنائكم وتشكليهم مثلما تُريدون ، واعلموا أنّ جمال الضوء لا يظهر إلّا في حلكة بهيم الليل .
رِفقا بالوطن أيها السادة ولنترك الفرصة للتطوير أن يحدث ،مع العلم أنّني أرى التطوير الفعلي هو ذاك التطوير الذي ينصبُّ في تركيزه على مناهج العلوم والرياضيات واللغات ، عَلّنا نصل يوما من الأيام لمستوى قياس الذكاء العاطفي للقادة بعيدا عن العاطفة التي تطحن المنجزات .