25-09-2016 02:55 PM
بقلم : فؤاد مزهي القضاة
أما وقد انقشع غبار المعركة الانتخابية ( باستثناء بعض اغلاقات الطرق واحراق بعض المقرات وبعض الأشجار والممتلكات العامة والخاصة) فإن النظرة الأولى للصورة النهائية "للعرس الديمقراطي" تنطق وبجلاء أننا أخفقنا في أن ننفض عنا مجموعات "العلق" الطفيلية المغروسة في جسم الوطن والتي تقتات على دماء الجميع وتنتفخ كروشها بفضل ما تمتصه من دماء وعرق جميع أبناء هذا البلد دون استثناء .
نعم .. فشلنا في إحداث شيء " ملموس" من التغيير الذي كنا نهفو إليه ، وفشلنا في طرح تلك الحمولة الثقيلة الجاثمة فوق ظهر الوطن والتي تعيق أي تقدم لمكوناته على طريق تحقيق حياة يستحقها أبناؤه تتوفر لهم فيها أبسط مقومات حياة كريمة "وعادلة" .
نعم .. أبقينا العصا محشورة في العجلة لنظل نراوح مكاننا بينما الأمم تخطو خطوات عملاقة نحو المستقبل ، ويطلب منا أن لا نوجه أنظارنا إلا إلى المشاهد المفزعة (المصطنعة) في سوريا والعراق ومثيلاتها وأن نغمض عيوننا عن نماذج مبهرة كالنرويج وهولندا وبلجيكا وايطاليا بل وأن نفقأها إن فكرت بالنظر في ذلك الاتجاه لا سمح الله !!!
فمن تابع شيئا من إعلامنا الرسمي وشبه الرسمي خلال الأيام القليلة الماضية لاحظ بسهولة أن ديدنها ومحورها الرئيسي الذي ارتكزت عليه في تغطيتها للحدث الانتخابي كان : ان مجرد إجراء هذه الانتخابات وسط هذا الإقليم "الملتهب" يكفينا كمكتسب حقيقي لهذا البلد . فهذا التوصيف المختزل لواقع الحال وإن كان صحيحا في جزء منه (ونحن لا ننكر قيمة ومدلولات اجراء هذه الانتخابات) إلا أنه يعد توصيفا مجتزأ للحقيقة من قبيل (لا تقربوا الصلاة ) . توصيف كهذا من شأنه أن يحذف ويلغي كل الآمال المشروعة والمستحقة للمواطن الأردني في أن يتوفر له ككثير من الأمم الحية برلمان "حقيقي" يعبر عن إرادته بأمانة وليس كائنا طفيليا يضم نمورا من ورق وواجهة جوفاء خاوية مطلوب منها أن تعطي مظهرا خادعا يوحي بوجود ديمقراطية موهومة .
وكمؤشر على مستوى الحالة "الصحية" للبرلمان الجديد ربما يكفي أن نذكر أن عدد النواب الذين قدموا للمجلس الثامن عشر من رحم أحزاب سياسية لا يتجاوز (٢٢) نائبا من أصل (١٣٠) . وهذا الرقم المتواضع لوحده يكشف مدى الجهود "المتواضعة" التي بذلتها الحكومتان السابقة والحالية ممثلة بوزارة التنمية السياسية بالإضافة لمجلس النواب السابق (عبر قانون الانتخاب) في توفير مناخ صحي من شأنه تعزيز حياة سياسية تليق بهذا البلد الذي نعشق وتنقله بخطوات واثقة لمستقبل واعد .
وماذا عن المال السياسي ؟ المال السياسي لم يكن غائبا أبدا عن الانتخابات الأخيرة بل كان حاضرا بقوة . وماذا فعلت الهيئة المستقلة في مواجهة ذلك ؟! وكيف نثق في مجلس تشوب أعضاءه شبهة الوصول للمقعد النيابي بطريقة غير مشروعة ليتنطحوا بعدها ويشرعون لنا القوانين ويحددون لنا ما هو مشروع وما هو غير مشروع ؟!!!
ومؤشر آخر قد يفيد للاستدلال على حجم التغيير الايجابي المتوقع من المجلس الجديد يكمن في الاجابة عن السؤال التالي : هل أوصلت الانتخابات الأخيرة نوابا على قدر من الكفاءة والاحترافية في العمل النيابي والسياسي ومعلوم مدى نزاهتهم ومدى "استقلاليتهم"؟ وهل أفرزت الانتخابات نوابا يمكن اعتبارهم نواة لمعارضة "وطنية" معقولة يؤمل منها تحقيق "بعض" التوازن في الحياة السياسية والحد "شيئا ما" من بعض تجاوزات الحكومة وتعسفها في استخدام سلطاتها ؟!
شخصيا وللأسف ، مثل الكثيرين غيري ، لا أرى أن شيئا من ذلك قد تحقق ولا أظن أننا سنشهد في المدى المنظور تغييرا جذريا وملموسا على الأداء البرلماني وعلى الحياة السياسية بشكل عام خصوصا في ظل قانون انتخاب أقصى الأحزاب وأجبرها على تغيير ثوبها والتلون .. تماما كالحرباء ! قانون يفتقر لأهم ركن يجب توافره في أي قانون انتخاب "عصري" ألا وهو البساطة والوضوح خصوصا في كيفية تنظيمه لعملية الاقتراع والفرز وأسس اختيار الفائزين بحيث يسهل فهمها "ومراقبتها" من قبل أطراف العملية الانتخابية (مرشحين وناخبين) ، فهذا الغموض والتعقيد الذي تضمنه القانون يضع علامة استفهام كبيرة ويلقي بظلال قاتمة على مستوى شفافية هذه الانتخابات .
بل إنه حتى العشائر التي كانت لها اليد الطولى والفرصة الأكبر لحسم نتائج الانتخابات فانها لم تقدم لنا أفضل ما عندها من مرشحين . ويعود ذلك لسببين :
السبب الأول : ان معظم العشائر (وليس جميعها) اختارت مرشحيها بوسائل ليس منها الاختيار الديمقراطي للأفضل والأكفأ (بالتصويت) ، بل غالبا ما كان رأس المال أو السلطة والجاه والنفوذ هي معايير الاختيار .
السبب الثاني : إن عددا كبيرا من العشائر التي قدمت مرشحين تم اختيارهم بالانتخاب الداخلي للعشيرة أخفقت في إيصال مرشحيها للقبة نتيجة عدم استيعاب هذه العشائر لقانون الانتخاب الحالي بالشكل الصحيح وعدم مجاراتها للقواعد الجديدة للعبة الانتخابية التي يفرضها هذا القانون ، وبالتالي فقد لجأت هذه العشائر ومرشحوها للتكتيك التقليدي القديم (التصويت لمرشح العشيرة وتجاهل بقية أعضاء الكتلة) الأمر الذي أفرز نتائج في غاية الشذوذ والغرابة بحيث رسب مثلا من حصل على أعلى الأصوات في دائرته على المستوى الفردي بينما نجح آخر بعدد أقل بعدة آلاف من الأصوات !!!!!
وأخيرا ، ومع كل ذلك ، ومع أن المغرفة لم تخرج لنا أفضل ما في القدر إلا أنه ما زال يحدونا "قليل" من الأمل في أن يفاجئنا المجلس الثامن عشر بشيء من الأداء الإيجابي يساعدنا به على نسيان كوارث المجالس السابقة وعلى وجه الخصوص (١٦+١٧) . وإن كانت هناك ثمة نقطة مضيئة للمجلس الجديد فهي وجود "بعض" الأسماء المشهود لها بالكفاءة والجرأة والنزاهة بين صفوفه والتي يعول عليها الكثير ، ولكن لا ينبغي أن نتوقع منهم تحقيق الكثير فهم في النهاية ... أقلية .