27-09-2016 12:53 PM
بقلم : د. منتصر بركات الزعبي
تشكل ظاهرة إطلاق العيارات النارية في الأفراح ،إحدى الظواهر الاجتماعية الخطيرة ،الذي يعاني المجتمع الأردني من تفشيها ،وبصورة مرعبة ،خاصة في الأفراح والمناسبات التي تشهدها المملكة على امتداد قراها من أقصى الجنوب أقصى الشمال ،والذي راح ضحيتها عدد غير قليل من الأبرياء الذين لا ذنب .
إن إطلاق العيارات النارية في مناسبات الأفراح ،عادة سيئة وغير مقبولة ،لا شرعا ولا أخلاقا ولا قانونا ،وكم تركت من أضرار وإصابات .
لا بأس أن يعبِّر الإنسان عن فرحته وابتهاجه بأي مناسبة تسعده و تفرحه ،ولكن علينا أن نعتمد الوسائل الصحيحة والمقبولة دينيا وشرعيا ،والمقبولة حضاريا وأخلاقيا ،وليس فيها ضرر على المواطنين .
هل يعلم مطلق النار ،أنه لربما بهذه الرصاصة التي يطلقها ،قد تصيب إنسانا بريئا تحدث فيه عاهة لا يبرأ منها طوال عمره ،أو تقتله فيقف بين يدي الله يوم القيامة للحساب على جريمته ، أليس هذا مؤشرا على أن طريقة الاحتفال بهذه الطريقة خطأ بالغ الخطورة؟.
نحن بحاجة إلى مقومات ثقافة جديدة فيما يتعلق بوسائل الابتهاج في الأفراح،علينا أن نغيِّر من مقومات ثقافتنا ،علينا أن نغيِّر من نمط العادات السيئة المنتشرة في أوساط مجتمعنا الأردني، وبالتالي ننبه مرة أخرى إلى أن هذا الأسلوب غير المقبول شرعا وأخلاقا ،لما يتركه من آثار ضارة وإصابات لدى الكثير من المواطنين ،فكم وكم تركت من إصابات وعاهات مستديمة؟ أدمت قلوب أصحابها.
إنّ أظلمَ الظلم سفك الدم بغير حله، فلذلك كانت الدماء ،هي أول شيء يَقضِي اللهُ فيه بين العباد ، ففي الصحيحين ،أن النبِيّ - صلّى الله عليه وسلّم - قال: (أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، في الدِّمَاءِ ).
فالله هو خالق الإنسان ،وهو واهب الحياة، ولا يجوز لأحد البتة ،أن يسلب الحياة إلا خالقها وواهبها، أو بأمره وشرعه سبحانه ،يقول جل وعلا: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ [الأنعام:151].
ولو سمع الناس هذه الأحاديث التي سأذكرها الآن وعملوا بها، ما رأينا هذه الأرواح تزهق هنا وهناك، ولكننا نرى أن لا حرمة لها عند كثير من الناس ،ففي كل يوم نسمع عن ضحية قتلت بعيار ناري طائش.
وكان آخرها ما حدث بالأمس ،عندما ذهبت ضحية هذا الجنون ،فتاة في مقتبل عمرها ،في حفل مجنون ،لأحد المشرعين الأردنيين "يحى سعود"،والذي من المفترض أنه كان أحد الموقعين على القانون الذي يجرمه على فعله هذا .
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : (كانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُنَا أَنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ الْهَرْجَ . قِيلَ : وَمَا الْهَرْجُ ؟ قَال : الْكَذِبُ وَالْقَتْلُ . قَالُوا : أَكْثَرَ مِمَّا نَقْتُلُ الْآنَ ؟ قَالَ : إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمْ الْكُفَّارَ ، وَلَكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ، حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ ، وَيَقْتُلَ أَخَاهُ ، وَيَقْتُلَ عَمَّهُ ، وَيَقْتُلَ ابْنَ عَمِّهِ . قَالُوا : سُبْحَانَ اللَّهِ ! وَمَعَنَا عُقُولُنَا ؟ قالَ : لَا ، إِلَّا أَنَّهُ يَنْزِعُ عُقُولَ أَهْلِ ذَاكَ الزَّمَانِ ، حَتَّى يَحْسَبَ أَحَدُكُمْ أَنَّهُ عَلَى شَيْءٍ وَلَيْسَ عَلَى شَيْءٍ)
تدبر معي قول الله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93].
ولبشاعة هذا الفعل ،أطالب الحكومة باتخاذ الإجراءات الحازمة ،لوقف مهزلة إطلاق العيارات النارية في المناسبات ،وعدم الفتور في تطبيق تلك الإجراءات ،بل يجب تشديدها والضرب بيد من حديد على مطلقي تلك العيارات ،والذين يجب اعتبارهم غير مؤهلين عقليا ،وإيداعهم لفترة تأهيل في المركز الوطني للطب النفسي .
كما وأطالب الأمن العام ،بالمراقبة الفعَّالة على هذا الأمر ،خاصة أنّ الملك عبد الله الثاني بن الحسين ،قال “هناك جدِّية في التعامل مع هذا الموضوع، ولن يكون هناك واسطات أبدا بعد اليوم، فليس هناك من يعتقد أنه إبن فلان أو أن لديه منصب. سنتخذ الإجراءات. حتى لو كان ابني هو من يطلق العيارات النارية في المناسبات، سأطلب من الأجهزة الأمنية أن تتخذ معه نفس الإجراءات بهذا الخصوص خاصة واستخدام السلاح في المناسبات والاحتفالات هو خط أحمر بالنسبة لي. خاصة وأنهم أصبحوا مكشوفين أمام كل الجهات ولا يستطيع احد التدخل لحمايتهم.