28-09-2016 03:10 PM
بقلم : أ. د. محمد الحموري
بدون مقدمات، فإن ما جرى في انتخابات دائرة بدو الوسط، غير مسبوق في تاريخ الأردن، كما أن التبعات الدستورية التي تركها ما حدث، غير مسبوقة، على ما أعلم، منذ أن ساد في الأنظمة السياسية للدول، مبدأ الشعب مبدأ السلطة:
1) ليس من الطبيعي أن تقوم مجموعة من الملثمين بالسطو المسلح على عدد من مراكز انتخاب واختطاف الصناديق التي أودع فيها المواطنون أوراق انتخابهم، وذلك أمام اللجان ومندوبي المرشحين، ورجال الأمن المكلفين بالحراسة والحماية. فما جرى يشكل سابقة خطيرة، لا مثيل لها إلاّ في الدول التي تسيطر عليها عصابات المافيا التي تستهتر بالقوانين.. وأعتقد أن من قاموا بالسطو، كانوا يعتقدون إما أنهم أقوى من الدولة، ولديهم خبرة سابقة بالسطو وابتزاز المواطنين، والقدرة على الإفلات من العقاب، وإما أن لديهم أصحاب مقامات ونفوذ، يثقون بقدرتهم على التستر عليهم وحمايتهم، وفي الحالين فإن الأمر أكثر من خطير، ويتوجب أن يكون واجب الدولة أن تستعيد هيبتها أمام شعبها، بالقبض على من قاموا بالسطو، وإخضاعهم لحكم القانون.
2) أما بالنسبة للتبعات الدستورية التي تركها ما حدث، فقد كان أمام الهيئة المستقلة للانتخاب أحد خيارين:
الخيار الأول، أن تعلن الهيئة بطلان الانتخاب في دائرة بدو الوسط، وإعادة الانتخاب في تلك الدائرة. وهنا نلاحظ ما يلي:
أ. أن الهيئة المستقلة انتهت من عمليات الفرز والتحقيق في أمر الصناديق التي جرى عليها السطو مساء يوم الخميس الموافق 22/9/2016، وإعلان أن هذه الصناديق هي أربعة.
ب. وحيث أن أول يوم دوام رسمي بعد عطلة نهاية الأسبوع هو يوم الأحد 25/9/2016، فإنه منذ هذا اليوم يكون على الهيئة أن تباشر باتخاذ الإجراءات اللازمة لإتمام الانتخابات في الدائرة والفرز وإعلان النتائج، ثم نشر أسماء جميع الفائزين في دوائر المملكة في الجريدة الرسمية، ليكون عندنا مجلس جديد، وذلك بحد أقصى يوم الثلاثاء 28/9/2016. والسبب هو أن مدة الأربعة شهور من تاريخ حل المجلس السابق في 29/5/2016، التي أوجبت المادة (73/1) من الدستور إجراء الانتخاب خلالها بحد أقصى، تنتهي يوم 28/9 المذكور.
ج. ويترتب على ما سبق، أنه إذا لم يكن لدينا مجلس نيابي منتخب ومعلن عن أسماء أعضائه في الجريدة الرسمية حتى مساء يوم 28/9/2016، فإن المادة (73/2) من الدستور، تقضي على سبيل الإلزام، بأن "يستعيد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية، ويجتمع فوراً كأن الحل لم يكن ويستمر في أعماله إلى أن يُنتخب المجلس الجديد".
الخيار الثاني، أن تتبين الهيئة المستقلة للانتخاب ما يلي:
أ. أن المدة ما بين 25 – 28/9 لا تكفي لإجراء انتخابات في دائرة بدو الوسط، وإعلان أسماء الفائزين في جميع دوائر المملكة، وبالتالي وجود مجلس نواب دستوري حتى يوم 28/9، إذ في هذه الحالة، نكون أمام استحالة واقعية لوجود مجلس جديد، ويعود المجلس المنحل بحكم الدستور.
ب. فإن عاد المجلس الجديد، يكون حل المجلس الاسبق لاغياً، وتعتبر الانتخابات التي تمت وأعلنت يوم الخميس 22/9، لاغية بالتبعية لإلغاء حل المجلس السابق.
ج. ولو حدث ما سبق، يكون علينا إجراء انتخابات جديدة لإيجاد مجلس جديد يحل مكان المجلس الذي عاد.
د. وهكذا، فإن الحل الوحيد لتجنب التبعات الدستورية السابقة، التي لم تحدث على ما أعلم، في الأنظمة السياسية التي تطبق مبدأ الشعب مصدر السلطة من خلال انتخابات نيابية، هو إعلان نتائج للدائرة الثالثة، رغم عيبها الدستوري والقانوني المؤكد، في الجريدة الرسمية مع أسماء الفائزين في دوائر المملكة، ويكون لدينا مجلس نيابي قبل يوم 29/9، مع حق ذوي الشأن في دائرة بدو الوسط، في الطعن في انتخابات دائرتهم، لتقوم المحكمة بإلغاء الانتخابات، وإجراء انتخابات جديدة للدائرة، ونتجنب الخلل الذي أحدثه السطو المسلح على صناديق الانتخاب.
وأعتقد أن حكم المحكمة بالبطلان هو في حكم البدهيات لأن الخلل لو لحق حتى بصندوق واحد، فإن ذلك يمكن أن يغير في النتيجة التي أعلنتها الهيئة لدائرة بدو الوسط.
وأختم بالقول ما يلي:
1) رغم اعتقادي بأن النظام الانتخابي في قانون الانتخاب عندنا هو نظام شاذ، وتحدثت وكتبت في ذلك كثيراً قبل إصدار القانون، واختلفت في ذلك مع الحكومة ومعالي الدكتور خالد الكلالدة عندما كان وزيراً للتنمية السياسية ولا يزال رأيي الفقهي في القانون وما فيه من عيوب لم يتغير، إلا أن القانون بعد صدوره أصبح ملزماً وواجب التطبيق.
2) إن اجتهاد معالي الدكتور خالد الكلالدة، كرئيس للهيئة المستقلة، وزملائه أعضاء الهيئة، في إعلان النتائج على النحو الذي حدث، كان اجتهاداً متميزاً يشكرون عليه، عندما جنّبوا الوطن، تبعات دستورية كان يمكن أن تهز المجتمع الأردني، تسببت بها عصابات سطوٍ انتهكت حرمة القانون وقيم الشعب، وأحدثت فتنة في مجتمعها، وأساءت لوطنٍ نحبه ونخشى عليه من عاديات الزمان.