05-10-2016 02:01 PM
بقلم : صفية البكري
يعتبر ملف التعليم بمثابة ملف أمني وحساس، فعندما علمنا من دراسات وزارة التربية والتعليم قبل ثلاث سنوات وأنه ما يقارب 22 % من الطلبة في الصفوف الثلاثة الأولى من المرحلة الأساسية لا يجيدون القراءة والكتابة، مما يعني أن 100 ألف طالب لا يستطيعون قراءة الحروف العربية أو الإنجليزية، أصبح لابدّ من حالة طوارئ وطنية عاجلة في المجال التربوي والتعليمي المدرسي، من خلال عملية معالجة بنائية لمناهج الصفوف الثلاثة الأولى، حيث تم الاستعانة بمنهج المعلم الأول" خليل السكاكيني" والذي يعتبر رائدًا من رواد التربية والمعرفة في مجاليّ اللغة العربية والتربية، فهو يمتاز بالخلق السليم, ورجاحة العقل، وطني بشكل لافت, يؤمن بأن العلم والمعرفة, هما ركنان أساسيان في تثقيف وتعليم المجتمعات المتحضرة، وهي أسباب كافية للاقتداء بمنهجه، وهذا ما عمدت إليه وزارة التربية والتعليم في بناء مناهجها الجديدة في العاميْن الماضيين.
إلا أنّ الهجوم الشرس على المناهج المطوّرة في بداية هذا العام ،وكأنها ظهرت فجأة رغم أن مجتمعنا يدرّسها منذ عشرات السنين، تمثل حاضنة للتطرف القمعي أو كما لقب مؤخراً"الفزاعة الداعشية".
نوافق أنّ مناهجنا تحتاج إلى تطوير كبير، ولكن لجهة إعمال العقل ولغة المنطق ، وليس لشطب تاريخنا و"تعديل" قيمنا وجعلها متوافقة مع قيم مجتمعات أخرى لا تفيدنا ولا تناسبنا، ومن أساتذة الجامعات وهم يحفظون ويعرفون ما تنصّ عليه فلسفة التربية والتعليم في الأردن، ويعرفون حاجات الطلبة.
وما نذكره أيضاً أن واضعي المنهاج لم يأتوا من الفضاء الخارجي، بل هم أبناء هذا الوطن، لهم من الحسنات والسيئات ما يعادلون به أغلبية السكان، ولا يوجد وزارة في العالم أجمع تقدم طبخات جاهزة، بل تم ذلك وفق دراسات ومخططات وبالاتفاق، مع مناقشة الصيغة الأفضل القابلة للتعديل والتغيير بما يكفل تعليم أبنائنا وتثقيفهم وتربيتهم بما يليق بمجتمعنا.
أما عن المنهاج الخفيّ كما طرأ عليه مؤخرًا من مسميات، وما تقدم من حذف وتعديل جائريْن بحق الطالب، فيجب متابعته من قبل أقسام الإشراف بالمديريات والمدارس. وأنه يجب أن يكون هناك منهاج متخصص بغرس قيم الولاء والانتماء، وتحصين أبنائنا ضد قيم الغلو والتطرف، منهاج ثقافي يوعي طلبتنا ويثقفهم، ويوسع مداركهم لصنع طالب قوي متمكن واع، لا يسهل جرّه للأفكار والصنائع البغيضة والعدوانية المرفوضة، التي لا تمت لثقافتنا ومجتمعنا بصلة.
وحتما لا يوجد تربية وطنية صادقة دون تربية صحيحة تغرس حب الوطن والولاء والانتماء والمواطنة الصادقة.
"يا جماعة" العيب ليس بالمناهج بقدر عدم قدرة المدرسين على غرس القيم الصحيحة وتوجيه الطلاب بشكل سليم نحو التعليم بالتفكير الإبداعي الناقد.
لا بدّ أن نذّكر أنفسنا بأننا مجتمع محافظ مترابط ووسطي ومتسامح (طيب)، متمسك بجذوره، ومنفتحين على العالم بإيجابية، رافضين أيّ فكر قد يمسح هويتنا ويخلق جيل ضائع، لذا لن نقلق كثيراً، فمستقبل أبناؤنا بمأمن ما دامت التغييرات نحو الأفضل سارية المفعول.
لن أوغل أكثر، فمن الطبيعي أن يكون الدين عنصرًا أساسيا بالمناهج، لكن المشكلة تكمن في كيفية اختيار القيم النبيلة في الدين السمح، وتوظيفها في المناهج بشكلها الصحيح.
لذا فإنّ إصلاح المناهج يحتاج لعمليات جراحية دقيقة وليس معالجات ترقيعية، يمكن إنجازها بتوافر أدواتها التي تدركها وزارتنا وخلال فترة محسومة، وبمساعدة المختصين والمعلمين، حتى لا تفتح الأفواه بما قد لا تعي ما تدركه من اللغو، والله الموفق.
safeiaalbakri@yahoo.com