11-10-2016 10:52 AM
بقلم : د. منتصر بركات الزعبي
حرية التعبيُر،شعارٌ يتدثرُ به العلمانيون ،ويعتبرونه شيئًا مقدسًا ،لا يجوزُ لأحدٍ المساسُ به, حتّى ولو كان سخريةً واستهزاءً بربِ الأربابِ وبأنبيائِهِ ورسلِهِ والصحابةِ الكرامِ ،فليسَ لهم همٌّ سوى ذلك ،فقد وضعوا الحواجزَ نُصبَ أعينِهم ،لكي لا يرَوا حقيقةَ هذا الدينِ ورسولِهِ محمدٍ - صلّى الله عليه وسلّم - ذلك الدينُ الذي يَحضُّ على القِيَمِ الحضاريّةِ والأخلاقيّةِ ويدعوا للتسامحِ.
ولا يختلفُ اثنان حولَ حقِّ الإنسانِ في حريّةِ التعبيرِ, ولكنْ يجبُ أنْ تكونَ ضِمنَ ضوابطَ تُنظِّمُ ممارستِها ،لحمايةِ المجتمعِ مِن الفِتنِ والصراعاتِ, وتزدادُ الحاجةُ لتلكَ الضوابطِ عندما يتعلقُ الأمرُ بالحديثِ عنِ الأديانِ والمقدساتِ,لا سيّما إذا كانَ المجتمعِ مُكّونٌ مِن شتّى الأصولِ والمنابتِ.
إنَّ ما يقومُ به هؤلاءِ العلمانيون واليساريون مِنْ سُخريَةٍ واستهزاءٍ بالذاتِ الإلهيةِ والنبِيِّ محمدٍ – صلّى الله عليه وسلّم – والقرآنَ الكريمَ ,يُعتَبرُ رِدّةً حضاريَةً, وقِمّةً في التَطرُّفِ .
وكلُّ مَنْ يقومُ بهكذا عملٍ ،أو يؤيدهُ ،فهو مِن ضِمنِ قافلةِ مُروِّجِي الكراهيةِ والحقدِ ،وهو سلوكٌ يعكسُ نموذجًا للعقليةِ المريضةِ والمختلّةِ نفسيًا ،والتِي لا تعرفُ إلا الحقدَ والتعصّبَ المقيتَ.
حيثُ يساهمُ في تأجيجِ الفتنةِ داخلَ المجتمعِ الأردنِيِّ ,فيسمحُ لمثيري الفتنةِ ،باستغلالِ الظرفِ ،ليَخرجوا مِن جحورِهِم ،كالعقاربِ السوداءِ ،لينفثوا سمومَهم ،بترويجِهم للأباطيلِ والأكاذيبِ ،والوطنِ مليءٌ بمثلِ هذهِ العقاربِ ،التي تشجعُ على التطرفِ والتشددِ وانتشارِ العنفِ ،وفي كلِّ مكانٍ تواجدَت ،وتسعَى دونَ أنْ نرى ملاحقةً لها ،حيثُ تختبئُ في جحورِهَا ،وإخراجِها والقضاءِ عليها.
لقد تجاوزتْ قضيةُ الإساءةِ لربِّ الأربابِ والأنبياءِ والمقدساتِ حريّةَ التعبيرِ ،لتصبحَ دعوةً عنصريةً وتحريضيةً ،ضدَ الإسلامِ ومعتنقيهِ ،لذلك تعتبرُ السخريةُ ،هي إساءةٌ لكلِّ مَنْ يتّبعُ - مُحمدٍ - صلّى الله عليه وسلّم - .
ولعلّ المثيرُ ،هو ما يردِّدُه أولئكَ المعتوهون من تبريراتٍ ،تتمثلُ في أنَّ ما يمارسونه يندرجُ في سياقِ حريّةِ التعبيرِ.
وهل الاعتداءُ على مُعتقداتِ مليارِ ونصفِ مسلمٍ ،راسخةٍ في أعماقِ وجدانياتِهم ،حريةُ تعبيرٍ ؟! وهلْ مِنْ عاقلٍ يقولُ بذلك؟!
وهل معنى ذلك أن تكون حريتنا حرية متلفتة ،من الضوابط الشرعية ،ومن القيم المنهجية والأخلاقية؟!
وهل معنى ذلك أن تكون حريتنا حرية منفلتة من كل قيمنا لمجتمعنا المسلم؟ هل هذه هي حقيقة الحرية التي ناديتم بها وتنادون بها أيها الخوارج ؟ !بئس الحرية إذن!
أن يقول كل واحد منا ما يشاء ،وما يريد ،حتى ولو كان ذلك على حساب الآخرين ،وعلى حساب المصلحة العليا لهذا البلد والوطن ،بئس الحرية إذن.
فليسَ مِن المقبولِ عقلاً ولا منطقاً ،أن يُقدِمَ أشخاصٌ نكرةٌ ،مِن أيِّ طرفٍ كان ،عِلمانِي ، يساري ،قومجي ،على إيقاعِ حكوماتٍ وشعوبٍ في فخِ مواجهاتٍ وصراعاتٍ ،بدعوى أنَّ الدستورَ يكفلُ حريةَ التعبيرِ ،بغضِّ النظرِ عن تداعياتِها السلبيّةِ.
نحنُ بحاجةٍ اليومَ ،أنَّ نفهمَ ما نريدُ مِن الحريّةِ ،وحريّةِ التعبيرِ ،فليسَ مِن اللائقِ تركِ الأمورِ على علاَّتِها.
إنّ جميعّ المواثيقِ الدوليّةِ لحقوقِ الإنسانِ ،تؤكدُ احترامَ حقِّ حريّةِ التعبيرِ، إلا أنّ الفقرةَ الثالثةَ مِن الفصلِ التاسعَ عشرَ مِن الميثاقِ الدولِيِّ للحقوقِ المدنيّةِ والسياسيّةِ ،قنّنَتْ هذا الحقَّ بإشارتِها إلى أنّ [حريّةَ التعبيرِ ،يجبُ ألا تمسَّ حقوقَ الآخرين ،والنظامَ العامّ ،والنظامَ الداخلَي للدولِ] بالإضافة إلى المادة "20" من ذاتِ الميثاقِ ،التي تنصُّ على [تجريمِ أيّةِ دعوةٍ إلى الكراهيةِ القوميةِ ،أو العنصريّةِ ،أو الدينيّةِ ،التي تشكِّلُ تحريضًا على التمييزِ ،أو العداوةِ أو العنفِ] وجعلِها ملزمةً ،ناهيك عن مجلسِ حقوقِ الإنسانِ للأممِ المتحدةِ ،الذي سبق له أنْ أصدرَ قرارًا بمكافحةِ التعصّبِ الدينِيّ.
يجبُ أنْ يُدركَ دعاةُ حريّةَ التعبيرِ, أنّ الإساءةَ للأديانِ والمقدساتِ والرموزِ الدينيّةِ ،ليستْ مخالفةً قانونيّةً ،أو مخالفةً لضوابطِ حريّةِ التعبيرِ فقطْ ,بلْ هي انحطاطٌ أخلاقِيٌّ وحضارِيٌّ.
وصدقَ اللهُ العظيمِ إذْ يتوعدُ اللهُ هؤلاءِ بقولهِ : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً} (الأحزاب:57 {