17-10-2016 02:30 PM
بقلم : د عودة ابو درويش
احتاج وزير الطاقة والثروة المعدنيّة ومير عام شركة الكهرباء الوطنيّة من على شاشة التلفزيون الاردني لتبرير اتفاقيّة الغاز مع اسرائيل ، لسرد وقائع غير مقنعة للمواطن الذي يرى أن من حقّه أن يعيش بكرامة في بلد آمن مستقرّ . واضطرّ الوزير والمدير الى ذكر أنّ خسائر شركة الكهرباء الوطنية تصل الى مئات الملايين من الدنانير ، نعرف نحن وهما أنّها غير حقيقيّة ولا تمتّ للواقع بصلة وكان من الأجدى لهما أن يقولا ما قاله وزير خارجيّة أمريكا من أن هذه الاتفاقيّة ترسّخ محور الاعتدال في الشرق الأوسط ( الدول العربية المعتدلة وإسرائيل ) وأنّها خطوة استراتيجية وعنصر استقرار . وحاول المسؤولان أن يقارنا بين اتفاقية توريد الغاز مع شركة نوبل انيرجي وشركة شل الامريكيتين ، وأنهما تحققان نفس الغاية والاهداف وهي ليست كذلك ، فالأولى تأتي بالغاز من دولة عربيّة هي قطر وبعض الدول الأخرى والثانيّة من دولة محتّلة لفلسطين والتي من أرضها وبحرها يستخرج الغاز .
اذا كانت شركة الكهرباء قد منيت بخسائر كبيرة في السنوات الاخيرة ، فانّ ذلك من صنع الحكومة فهي التي قسّمت الشركة الواحدة الى ثلاث شركات ، تركت الرابحتين للخصخصة وأبقت الخاسرة تحت جناح الحكومة كي تحارب فيها وتقول دائما أنّ شركة الكهرباء خاسرة , مع أنّ شركات توزيع الكهرباء التي تمّ خصخصتها رابحة ، وشركة التوليد أيضا ، وهذا ما كنّا نظنّه خطأ في التخطيط ، وأتضح أنّه خطأ في فهمنا للتخطيط الذي يُبنى على افتعال أزمة من أجل ايجاد حلول لها يرضى بها الشعب الاردني صاغرا ، أو ترضى به مجموعة منه وللأسف تدافع عن الاتفاقيّة ، مثلما عرض التلفزيون الاردني لأثنين قالا أنّهما مع الاتفاقيّة بمبررات واهية ولم يعرض بقيّة الآراء التي قالت أنّها ضد الاتفاقيّة .
بوجود بدائل لصفقة الغاز مع اسرائيل ، مثل استيراد الغاز من دولة قطر أو الجزائر أو استخراجه محليّا ، والتوسّع في انتاج الطاقة المتجددة مثل تحويل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح الى كهربائيّة ، والتي توّفر كميّات أكثر من التي سيتم استيرادها من اسرائيل ، والتي ستحقق هدف اسرائيل في أن تكون الدولة الاولى في المنطقة في انتاج الغاز بعد أن تمّ اضعاف الدولة السوريّة والعراق واغراق الدول الخليجيّة بحرب في اليمن الكل فيها خسران . ومشاريع تحويل الطاقة الشمسيّة والتي تقام في معان وفي مناطق أخرى في المملكة ، وواحد من هذه المشاريع قد تمّ ربطه مع شبكة الكهرباء الوطنيّة ، وهو مشروع شمس معان ، ينتج الآن كميّات أكبر من التي كان متوّقعا أن ينتجها عند التخطيط لإقامة المشروع .
الفكرة من توقيع اتفاقيّة مع شركة أمريكيّة هي اقناع الاردنيين ونوّابهم بأنّ من سيوّرد الغاز للأردن شركة أمريكيّة ، والحقيقة أن من يملك ذلك هو شركات إسرائيلية بواقع 61 ٪ ، و39٪ الأخرى تملكها شركة نوبل انيرجي الأمريكية . عوائد تصدير الغاز إلى الأردن ستساعد إسرائيل على الاستثمار في مشاريع استراتيجية وطنية تخدم مصلحة اسرائيل وسيذهب 56% (8.4 مليار دولار) إلى الحكومة الاسرائيليّة ، على صورة عوائد حقوق ملكية وضرائب مفروضة على عوائد الأرباح الطارئة وضرائب شركات وبواقع 559 مليون دولار سنوياً . وستحصل شركة نوبل الامريكيّة على ملياري دولار والباقي للشركات الاسرائيليّة و تكاليف حفر واستخراج وادارة .
كيف سيهنأ الاردنيين اذا علموا أنّ المصابيح التي تنير بيوتهم وشوارعهم تضاء بوقود من الغاز الاسرائيلي يدفع ثمنه المواطن الاردني لدعم اسرائيل ، وكيف سيهنأ أحدنا بالمنسف اذا كان مطبوخا على غاز اسرائيلي يعلمون أنّ ثمنه طلقات بندقيّة توّجه الى صدور الفلسطينيين ، ونحن الذين يحتقرون من يأكل برتقالا مستوردا من هناك .
وهل اذا ضاع مفتاح انبوب الغاز ، الذي سيضيع كثيرا ، سيطلب منّا الاسرائيليين بوساطة أمريكيّة أن ندفع أكثر كي يجدوا المفتاح ، ويعيدوا فتح الصنبور ليمّر من خلاله غاز بثمن أعلى ، ونكون قد رهنّا أنفسنا لمن لا يهتّم بالمواثيق والاتفاقيّات . لا تتحججوا بحجج واهية لا يصدّقها أحد ، ولا توعدونا بفوائد لصفقة ليس منها فائدة ، وارحموا عقولنا التي تعي كلّ شيء وتعرف أنّ هذه الاتفاقيّة واتفاقية مدّ انبوب الغاز من خلال تركيّا الى أوروبا ستعزز من مكانة اسرائيل وتجعلها من أوائل الدول في العالم التي تتحكم في الغاز واسعاره.