17-10-2016 02:32 PM
بقلم : أ.د رشيد عبّاس
اذكر والذاكرة تبقى جميلة, اذكر انه في حصة الجغرافيا وبالتحديد في الصف الثالث الإعدادي في إحدى مدارس سحاب, أخرجني معلم الجغرافيا على السبورة لرسم خارطة بعض دول منطقة الشرق الأوسط وبالتحديد بلدان غرب آسيا ومصر والتي تطل على البحر الأحمر والخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط وبحر العرب, وكنت وقتها لا أميز بين خطوط الطول وخطوط العرض لتحديد مواقع تلك الدول,..اقترب مني المعلم وامسك بأسفل أذني اليسرى وقال بصوت خافت (لخبطت المنطقة يا ابني), طبعا مشكلتي كانت وقتها بصراحة تكمن في رسم خطوط الطول والعرض, ..كانت خطوط الطول والعرض تنحرف معي هنا بالزيادة وهناك بالنقصان دون قصد, كنت دون السادس عشر من عمري, أي دون سن الإدراك السياسي, وكان ذلك على سبورة الصف وبالطباشير القديمة البيضاء المصنوعة من الشيد الأبيض, كان رسمي الخاطئ بصورة مؤقتة وتحت تصحيح المعلم أولا بأول.
انحراف خطوط الطول والعرض معي كانت غير مقصودة وكانت فقط في تداخل بعض الدول, ولم يكن على مبدأ التكتلات السياسية, وكان المعلم مُحق حين مسك أسفل أذني اليسرى والقول بصوت خافت (لخبطت المنطقة يا ابني), لقد أخطأتُ وقتها برسم الحدود الجغرافية الطبيعية بين دول هذه المنطقة, والسؤال المطروح هنا وفي ضوء واقع الحال المؤلم وخيبات الأمل وعمق الصراعات وإحباط الشارع وفي ضوء واقع كثرة القرارات السياسية الحاصلة والتي ربما تغير الوجه الجغرافي للمنطقة, أقول هل رسم جغرافيا سياسية جديدة بين بلدان منطقة الشرق الأوسط بات قاب قوسين أو أدنى؟ ثم هل نحن أمام تغيير جلي لقواعد اللعبة السياسية التي مضى عليها أكثر من خمسين عاماً, وهل نحن فعلا أمام إرهاصات تغيير جغرافيا سياسية جديدة قادمة؟ الجواب طبعا في صالونات مجالس الأمن, وما أدراكم ما مجالس الأمن.
إن هاجس تغيير التداخلات السياسية والتي يضيق فيها حجم المنطقة، تجعلنا أمام جغرافيا سياسية جديدة تكون تحت دفع سياط التنظير حول العولمة ومقولات القرية (منطقة الشرق الأوسط)، نحن أمام صراع يتشّكل حول تكّتلات سياسية تتبدل فيها أدوات الصراع وتكرر المشاهد ذاتها حينما تُكذب النتائج مقدماتها,..منطقة الشرق الأوسط كقرية صغيرة باكية تلملم جراحاتها، وتكتسي خجلا بثوب لونه احمر في سبيل إخفاء عيوب الأمكنة والرغبة في الاستحواذ والسيطرة، وكأن (القرية) منطقة الشرق الأوسط تمتد فوق بحر من القلق والترقب، تشعله نيران الحقد والكراهية على ضفاف الخليج وبحر قزوين وشواطئ المتوسط، وعلى تخوم البحر الأصفر.
وعودٌ على بدء، وبحسب قراءتي لواقع الأحداث الراهنة فإن واقع جلسات الأمن عفوا جلسات العزاء المؤلمة وربما تتحول هذه الجلسات إلى مصائب تسقط كالنيازك السماوية على أرضية الأمة العربية, ..جلسات العزاء هذه ربما تكون هي وراء إحباط الشارع العربي, واختلاط أوراق الأزمات فيه, فبعد جلسات العزاء في المنطقة ولحسابات سياسية ودبلوماسية تتداخل المصالح الدولية والإقليمية في المنطقة وتزداد سوءا ووحشة تلك التطورات الجارية فيه, وعليه كيف سيكون شكل جغرافيا سياسية جديدة في منطقة الشرق الأوسط؟ اعتقد أن الأمر في غاية التعقيد, وان هناك دوله تقع في منطقة الشرق الأوسط حاليا جمعت وما زالت تجمع كل تناقضات العالم على أرضيتها وللأسف الشديد, وستكون هذه الدولة هي السبب المباشر في انقسام دول منطقة الشرق الأوسط, الأمر الذي سيؤدي إلى إعادة تكتلات سياسية جديدة, بمعنى رسم جغرافيا سياسية جديدة في المنطقة,.. والله اعلم عن تاليها!