20-10-2016 09:36 AM
بقلم : محمد الوشاح
كان والدي رحمه الله قد عمل في مطلع خمسينات القرن الماضي في سلك الشرطة بمدينة نابلس وكان يتحدث عن أهل المدينة بأنهم طيبون وأخلاقهم عالية وأغلبهم تجار وحرفيون ، ثم يتطرّق الى اليهود السامريين المقيمين فيها ويقول عنهم بأنهم مسالمون ولطيفون وليست لهم علاقة بالسياسة .. وأثناء زيارتنا كوفد سياحي للمدينة في عيد الأضحى المبارك شاهدت عددا من ( السمرة ) قي شارع النجاح يجلسون أمام دكاكينهم في المدينة القديمة ، فطلبت من الدليل المقدسي التوجه الى جبل الطور التابع لنابلس الذي تسميه اسرائيل ( جرزيم ) حيث تتخذ هذه الطائفة السامرية منه مسكنا لهم ، وهناك التقينا في السوق أشخاصا من أهل الطائفة يتحدثون اللغة العربية بطلاقة ، وحينما عرفونا كأردنيين صاروا يترحمون على جلالة الملك الحسين الذي أعطى توجيهاته بحمايتهم والحفاظ عليهم كمواطنين نابلسيين ، كما التقيت زعيمهم حسني السامري ( 70 عاما ) وطلبت منه أن يحدثنا عن طائفته التي تعدّ أصغر طائفة دينية في العالم فقال : عددنا الاجمالي ( 785 ) نسمة ونحن جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني ، وأنا فلسطيني وأحمل الهوية الفلسطينية وأشكر المسلمين الذين كانوا دوما وما زالوا دعما لنا ، ولا نتوانى عن مشاركتهم في أعيادهم وهناك فجوة كبيرة بيننا وبين اليهود تتمثل بخلافات كثيرة في العقيدة .
وحسب زعيم الطائفة يعتنق بعض أبناء الأسر السامرية الاسلام كما يحمل السامريون الجنسيات الفلسطينية والأردنية التي يعتزون بها ، بالاضافة الى الجنسية الاسرائيلية التي حكمتهم لها ظروفهم الخاصة ، وهم بالطبع لا يخدمون في الجيش الاسرائيلي ولا يدرسون في الجامعات الاسرائيلية ، بل يتلقى طلبتهم الدراسة في مدارس مدينة نابلس وفي جامعة النجاح الوطنية .. وحينما سألته عن موقفهم من الصراع العربي الاسرائيلي قال : الحرب خسارة وعدم قيام دولة فلسطينية يهدد السلام في العالم ، وأكد أنه وطائفته من أشد الداعين الى اقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية .
لدى الكاهن حسني الذي ظننته أردنيا وهو يرتدي ثوبا عربيا وعمامة حمراء ، ابنة اسمها غالية ، تبلغ الثلاثين من العمر وتقول عن نفسها ، أنا سامرية الدين ، فلسطينية الجنسية ، عشت في نابلس ولي صديقات مسلمات ومسيحيات ، وأذهب الى هذه المدينة كفلسطينية ، فهي بلدي ولا أشعر فيها بالغربة .. وفي موقع آخر التقيت صحفية سامرية تعمل في احدى دوائر السلطة الفلسطينية الى جانب العديد من بنات الطائفة ، تقول انها تكرّس كتاباتها خدمة للقضية الفلسطينية وتكتب عن هموم الشعب الفلسطيني التي هي جزء منه وتنتمي اليه ، ولديها صديقات وأصدقاء من المسلمين وتعتبرهم أخوة حيث كانوا سندا لها في مواقف صعبة ، وتضيف نحن طائفة دينية مستقلة معادية لاسرائيل ولسنا يهودا بل نحن أقرب الى المسلمين من اليهود ولا نعترف بهيكل سليمان الذي تزعم اسرائيل أنه تحت الأقصى .. وقال سامري آخر وهو صاحب بقالة ، الطائفة السامرية مستهدفة من قبل الاحتلال الاسرائيلي والعداء بين السامريين واسرائيل يفوق العداء العربي الاسرائيلي وسبب ذلك هو تملك الطائفة لتوراة مغايرة لتوراتهم ، وأضاف لم تعد هناك علاقة دينية أو اجتماعية بين اليهود والسامرية حتى أن اليهود المتدينين في اسرائيل يغادرون الحافلة اذا علموا أن سامريا واحدا يركب الباص لأنه بنظرهم انسان نجس ولا يجوز مخالطته في أي مكان .
ومن أهم ما يشغلهم في حياتهم الحفاظ على التراث السامري ومنع الزواج من خارج الطائفة ، الا أن عددا من شبابهم تزوجوا من بنات فلسطينيات وقد تبرعت جهة اسلامية بتكاليف هذه الأعراس ، كما يشتهر ( السمرة ) اضافة الى مزاولتهم التجارة بفك السحر وقراءة الطالع ، وهم يمتلكون كتبا فلكية غير موجودة في العالم على حد رأيهم ، ودورهم كما يقولون يرتكز على التوفيق وليس على التفريق ، كما أن دراسة الطرق الفلكية تستغرق عندهم 18 عاما لمن يستعد التفرغ لها وتنتقل بالتوارث داخل أسرة واحدة من شخص الى شخص ، بعد أن يقسم الساحر الجديد اليمين بعدم افشاء الأسرار لعامة الناس ،، وقبل مغادرتنا الموقع كانت أحدى عضوات فريقنا السياحي التي تجاوز عمرها الثلاثين قد توارت عن الأنظار فاستغلت انشغالنا مع السامريين لتمضي ساعة كاملة في خلوة مع الساحر الفلكي الذي وعدها بحل عقدتها بعد الرجوع الى كتب الفلك ، حيث سيرى طالعها من خلال اسمها واسم والدتها وتاريخ ولادتها والله أعلم .