06-11-2016 02:46 PM
بقلم : الأستاذ عبد الكريم فضلو العزام
قبـل البـدء بالإشارة إلى الكوبانييــن الخاسِئيــن لا بُـد مـن تعريـف القارئ بمعنى كلمـة كوبـان.
كوبـان هي كلمـة تُركيَّــة ويُقــال كرديَّـــة ولها معــانٍ كثيــرة أشيـر إلى أبرزها والأكثــر تعبيراً وهــو (البــوَّاق) وهـذا المصطلـح معـروف عندنا ولـه مُرادف آخَـر وهـو(الغدَّار).
وعندما كثُــر الكوبانيـون في هـذا الزمان، أجِـد ويجِــد معـي الكثيـرون أنَّـه لا بُـد من الإشارة إليهـم وتوصيفهـم حتـى لا يخفـون على أحـد وحتى تسهُـل المقارنة بيـن تربيـة الأجيال السَّابقـة والأجيـال اللاحقـة، ويعـرف الجميـع على مـن تقـع اللائمة وإلى أيـن يكـون المـآل. مُذكِّراً بأبسـط البديهيَّـات أنَّ تربيـة الإنسـان أكثـر ما تؤثِّـر فيهـا الحياة والبيئة المحيطة. أمَّا مـن المـواد التعليمية والمناهِـج المؤثِّرة كثيراً فـي التربيـة فهي المـواد الإنسانية (كاللّغة العربية والتربية الإسلامية والاجتماعيات).
وهنا أعُـود لأقـول:
1) لِيخسَـأ الكوبانيُّـون الذيـن يُـريـدون أن يسُـوقـوا النَّشـأ ومـن ثُـم الأمَّـة لتنصهـر في بوتقـة العولمة الثقافيَّـة التي تُضيِّـع هويَّـة الشّعـوب وثقافاتهـا وتُضيـع تاريخها وخصوصيتها ويُصبح العالـم كلّـه بلـون وطعـم ونكهـة واحـدة.
2) لِيخسَـأ كوبـان الذي لا يعـرف أنَّ مرجعية اللغة العربية والضابط لنحوها وصرفها وقواعدها هو القرآن الكريم، لأن المتخصصين في اللغة العربية ومن يجيدون لفظها وبلاغتها والإحاطة بمعانيها ما كانوا كذلك إلا بعد أن درسوا القرآن الكريم لفظاً ومعنىً وبلاغةً، وحفظوا عيـون الشعـر والأدب.
ولا بد أن يعرف كوبان أنَّ من لايريد أن يتكلم العربية من العرب و من يريد أن يفرط بها أو يُضعفها فهو البوَاق بعينه الذي يميل مع الريح لا أصل له ولا مستقبل. وهو الذي يَضَع أمَّته في سوق المزاد يبيعها بأرخص الأثمان.
3) ليخسأ كوبان الذي يقول أنْ لا شيء يجمعنا في الأردن سوى الهوية الإنسانية ومعها الأردنية لأن في الأردن المسلم والمسيحي وغيرهم. وهنا أتساءل اٍن كانت الهوية الاٍنسانية هي التي تجمع البشر على الغالب كما يُقـال فلماذا لا نرى العالم كله يعيش حياة المدينة الفاضلة؟ ولماذا نسمع ونرى القتل والتشريد في الكثير من بقاع الارض؟.
لا أريد هنا أن أذكر كوبان والكوبانيين بالذي يجمع الناس في الأردن بخاصة والمشرق العربي بعامة وحتى في كل الوطن العربي بمختلف أعراقهم ودياناتهم فالجوامع كثيره ولكنني أذكّـره بواحدة منها، فأسـأل من الذي ساعد القائـد خالد بن الوليـد على معرفـة نقـاط ضعـف الروم في معركـة اليرموك؟، ومن الذي ساعـده و بصَّرهُ على معرفة جغرافية المنطقة؟، مداخلها ومخارجها مِمَّا كان من العوامل المساعدة على نصره.
اٍنَّهـم النَّصارى العـرب الذيـن غلَّبـوا قوميتهم على دينهِـم، غلَّبـوا شعورهـم القومي الذي كان يجـري فيهِـم مجـرى الدَّم، فاعتبروا الرُّوم وجيـوش الغـرب غازيـة واعتبـروا جيـوش المسلميـن هُـم الجنـد مِـن أبنـاء عمومتهِـم وأبنـاء جلدتهِـم، وأنَ هـؤلاء النَّصارى ما زالـوا يعيشـون هـذا الشُّعـور نفسه حتى اليوم فهم العرب الأقحاح الذين ينتمون إلى هذه الأرض، و هم العرب الأقحاح أصحاب الشرف والقيم والنخوه وهم العرب الأقحاح الذين تلقوا نصرانيتهم من منابعها، وهم العرب الأقحاح أبناء الحواريين الذين عاشوا مع المسيح في القدس والناصره وعنجره وأم قيس والكوره، وهم العرب الأقحاح الذين لايقبلون أن يذوبوا في الغرب وتوجُّهاته وأهدافِـه، لأنَّهم ومهما تطوَّرت حضـارة الغـرب وعلومه فإن ثقافتهم العربية وحياتهم وتمسكهم بالحقيقة تظل تشدهم لوطنهم وأمتهم. كل هذا وغيره اٍلى جانب صِلات القربى والدم مع المسلمين في هذه المنطقة. ولعل الكثير من الكوبانيين لا يعرفون أنَّ هناك الكثير من القبائل العربية تجد القبيلة الواحدة منها المسلمون ومنها النصارى ولا ضير في ذلك.
لذا أتمنى على الكوبانيين أن لا يُخدعوا بعروض الغرب فهي مؤقتة وزائفة، والبقاء الدائم للأرض وساكنيها لا من يعبرها غازياَ أو مُحتلاً أو كوبانياً.
إننا في الأردن بخاصة لا نُميِّـز بين المُسلم و المسيحي ولا نعرف مَـن المُسلم؟ و مَـن المسيحي؟ اٍلا في أوقات الصَّلاة وأيَّام الأعياد لأنَّنا مسلمين ومسيحيين شعارنا شعار المسيح؛ المحبة والسلام ولانّنا جميعاً مسلمين ومسيحيين شعارنا حديث وقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ("الخلق كلهم عيال الله وأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله "). والمسلمون العارفون حقيقة الدين الاٍسلامي والقارئون لآياته المُحكمات هُـم المؤمنـون بقولـه تعالى: (آمن الرسول بما أنزل اٍليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لانفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واٍليك المصير)، وقولـه تعالى: (ولتجدن أقربهم مودةَ للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى).
ممَّا سبق من آيات محكمات وردت في قرآننا الكريم يعرف القاريء درجة المحبَّة و المودَّة التي تجمع بين النصارى المؤمنين بالدين المسيحي وبالمسيح، وبين المسلمين المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن والسنة.
وهـل هناك أبلغ من كلمة المودة التي ينعت بها رب العزة النصارى، و هل هناك أعظم من أن يجعل الله إيمان المسلم ناقصاً إن لم يؤمن بجميع الأنبياء والرسل داود و موسى و عيسى كإيمانه بمحمد صلى الله عليه وسلم.
4) إنَّ شيـوخ الكوبانييـن في هذا الزمان هم الذين يلهثون وراء مكاسب و منافع شخصية حتى لو كان ثمنها الوطن، وثمنها الأمة، وثمنها النشء، وثمنها بيع النفس والضمير، فبعد أن أصبح البعض يتباهي بعلاقاته و صلاته الخارجيَّة عاد يزرع بذور الخراب في الوطن و ينتظر من وراء ذلك المكاسب.
أعتقـد أنَّ مـن الواجِـب أن نقِـف جميعـاً لنـدرس و بكُـل اهتمـام وأن نُساعِد و بكُـل قُـوَّة على إفشال من قال عنهُـم جلالة الملك يوماً ما مقولته المشهـورة " هنـاك من يستقـوي بالأجنبي على الوطـن".
وهـل هناك أوضـح مـن هـذا الوصـف والتوصيـف للبوَّاقيـن الكوبانييــن.
نعـــم:
في الـوقت الـذي ينشغِـل فيـه الوطـن وقيادتـه بالحفـاظ على سلامـة الوطـن و شعبـه وإبعادهِـم عـن النَّـار وفحيحهـا، وينشغـل بتأميـن لقمـة العيـش الكريمـة للمواطنيـن في زمن الانهيـار الاقتصـادي العالمـي، نجـد هؤلاء الكوبانييـن مُنشغليـن بأمورهِـم الخاصَّـة: كيـف اتَّصِـل بالجِّهة الفُـلانيَّـة، و كيف أتكلم مع الجهة الفلانية، و ما هي الخدمة التي تُرضي الجهة العلانيَّـة؟، الخدمة التي تجعل هذه الجهـة تُجـزل لي ولأبنائي العطاء حتَّى لـو كان على حِساب الوطـن حاضِره ومُستقبله.
الكوبانيّــون كُثُـر؛ منهـم مـن أسفـر عـن وجهه دون خـوف أو حيـاء و منهـم مازال يُغطي نفسـه بقشـة ولعـلَّ حصـرهم مـن الصّعـوبـة بمكان بعد أن افتقدنا الكثيـر من القيـم الأصيلـة التي تربينا عليهـا كعـرب، فبعـد أن كـان العـربي يُضحِّي بنفسـه دفاعـاً عن المُستجيـر به صـار البعـض اليوم يبيعـون أوطانهـم و كراماتهـم في سبيـل أهـداف بـرَّاقة كغيـوم الصيـف تـزول مع أوَّل شمس.
وبعـد أنْ كـان العربي يتمنَّى أنْ لاتحِـل المصائب بمالِه و عيالِه ودينِـه، صَـار اليـوم يقبـل كُـل المصائـب بـل يُسـاعِـد علـى وقوعها بـس (إرضَ) عنِّي و (هـات).
قبَّــح الله كوبـان و قبَّــح الله كُـل خــوَّان، يرمي الحجارةَ في البئـر الـذي يشرب منه.
ليعلـم كُـل الكوبانييـن أنَّنـا في الأردن بعـد أن نستثنِـي المتسلقيـن والكوبانييـن وهُـم والحمـد لله ما زالوا عندنا قلَّـة، فإنَّنا في الأردن مسلميـن و نصارى وباقي الأعـراق كالجَّسـد الـواحد فرحنا واحد و حزننا واحد لا قـدَر الله، ثقافتنا واحـدة، و قيمنا واحدة، و أخلاقنا هي أخـلاق الأجـداد التي صار الغـرب يتبنَّى الكثيـر منها لإعجابهـم بهـا ولأنَّهـم رأوا فيها من الإنسانيَّـة أكثـر مِمَّا عندهُـم.
أتمنى على هؤلاء دُعاة الشَّـر لـو يـروا مدى المحبَّـة والمودَّة والتَّـزاور في أعيـاد الطَّائفتيـن المُسلمـة والمسيحيَّـة لبعضهِـم. كُـل هـذا ينُـم عن عمـق المشاعِـر ومقـدار الرَّوابِـط فهي مع أنَّها روابِـط اجتماعية ولكنَّها روابِـط الـدَّم والمصيـر.
حفِـظ الله الوطـن وقيادتـه المظفـرة ورعـى الأمَّـة و جمع شملها و هدانا جميعاً إلى سِـواء السبيـل، وسنظـلُّ إن شاء الله في هذا البلد المُقـدَّس نعيـشُ كما عِشنـا منـذ آلاف السِّنيـن نعتـزُّ بأردنيَّتنـا وميراثنـا المسيحي كما نعتـز بديننـا الإسلامي وأنَّ بلدنا تشـرَّف كما تشرَّفـت فلسطيـن بـولادة المسيـح فيها تشرَّف الأردن بزيارة المسيـح له.
المسيـح الذي أكرمـه الله أن كـان نفخـةً من روحِـه وأكرمـه بأن أنطقـه في المهـد صبيَّـاً وأكرمنا سيدنـا المسيـح بأن كـان المبشِّـــرَ بولادة الرسـول محمد صلى الله عليه وسلم من بعـده ليُكمـل رسالات السَّمـاء.