-->

حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,29 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 10173

من جذور العصامية (9)

من جذور العصامية (9)

من جذور العصامية (9)

11-10-2008 04:00 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم :

 مساء أحد أيام الصيف (1965)، وقبل العطلة المدرسيةالصيفية الطويلة التي كنا نترقب إعلانها دقيقة بدقيقة، حيث كنا (كلّ الطلبة) نكره المدرسة بسبب شدة حزم المعلمين و بصورة لا تطاق أبدا ، وبسبب أولئك المعلمين الذين كانوا يحملون العصيّ الغليظة بأيديهم والكلمات القاسية بشفاههم على وجه الخصوص،وكثرة متطلبات الدراسة، من حفظ جداول الضرب، ورسم الخرائط، وحفظ سور كاملة من القرآن الكريم، وحفظ قصائد ومعاني مفرداتها، وتفنّن المعلمين في طلب وجبات هائلة من التمارين في الرياضيات والقواعد العربية، وواجبات في التربية الفنية من نحت وصنع أكثر من سلّة من القش و صنع مجسمات خرائط فيها كامل التضاريس الطبيعيةورسم بالالوان المائية وزخرفة جرّات من الصلصال.. إلخ، ولأن العطلة كانت بالنسبة لنا الخروج من القفص الضيّق وهو المدرسة (كانت تشبه الزنزانة رغم المساحة الكبيرة)، أي منحنا الحرية لنطير، لكن ليس مثل طيران الفراشات الجميل بتاتا ! ولنقفز مثل القردة تماما في مساحات لا حدود لها، قرّر والدي (عندما كان الوالد وقتذاك يقرّر !) أن أسافر الى مدينة الخليل لدعوة الأهل هناك (كانوا كثيرين والواجب يلزم دعوة الجميع( لا حصر لعدد الذين كان يتم دعوتهم) لحضور مراسم عقد قران شقيقتي الكبرى في عمان. كان عمر شقيقتي وقتذاك 15 عاما ،و لقد فاتها قطار الزواج عاما بأكمله، هكذا كنت أسمــع النساء يرددن ! . طلب مني والدي أن أستأذن مدير المدرسة الذي كان دائما (داخل المدرسة وخارجها أي في الطرقات وقرب الدكاكين) شامخا مثل تمثال أبو الهول (أبو سمير – الأستاذ أحمد الناجي الذي كان تربطه بجدّي علاقة صداقة متينة)لأتغيّب لمدة يومين لإنجاز مهمة دعوة الاقارب (شخصيا وليس على الهاتف المحمول!) . توجهت لمدير المدرسة وأخذت الإذن المطلوب، وقد حمّلني تهنئته لجدّي – لم تصل التهنئة بالطبع لأن عقلي لم يكن معي وقت طلبت الإذن لأنني كنت أمام مدير لم يجرؤ طالب على النظر الى وجهه حتى بعد تركنا المدرسة! . شعرت بالحرية لمدة يومين كاملين ، وقد حسدني كل طلاب المدرسة وليس طلاب الصف الرابع على تلك المنحة الإلاهية . قبّلتني أمي، وليس أبي! قبلة وداع رافقتها دموع غزيرة! وكنت نظيفا شهيا بعد أن إستحممت!، وللأمانة تغيّر شكلي !، وأسدت إليّ النصائح الواجبة مثل وضع يدي على جيبي لئلا أفقد مخصصات السفر من النقود لأنني كنت كثير الحركة كما بيّنت سابقا (مثل أنشط القردة!)، وحمّلتني السلام للجميع دون إستثناء، و إستغرق ذلك التحيمل الكثير الكثير من الوقت، لان أقربائي كثيرين، وبالطبع لم يدخل ذاكرتي تلك الاسماء!. سرت مشيا على الاقدام من بيتنا(كانت قدماي موضوعة في شيئ يشبه الحذاء!) ، و بدأت أتّسخ وأعرق وأفقد مزايا إستحمامي بسرعة بالغة!) ، حتى وصلت الى موقف الباصات الذي كان محاذيا للجامع الحسيني الكبير بوسط البلد (عمّان) قرب صيدلية يعيش بعد مشي قرابة الثلاث ساعات. أكثر ما لفت إنتباهي رائحة الفلافل والهريسة والمعمول وكرابيج حلب وغيرها من الاطعمة اللذيذة المعدّة لبيعها للمسافرين من عمّان الى مدن الضفة الغربية. حاولت مع بعض كبار السن أن يعتبروني حفيدهم لتجنب دفع اجرة الباص و لكنّي أخفقت في ذلك، لربما بسب الندبات التي ملأت راسي بلا هوادة !.حرّك الباص بنا متوجها نحو مدينة الخليل، وكان يسير مثل رجل تسعيني (الباصات تكبر مثلنا تماما!)، وبدأ المكان يمتلئ برائحة الدخّان (الهيشي) القوية جدا، وبروائح الاطعمة والحلويات وعرق كل من كان في الباص، وغير العرق!. لم يمتثل أحد من الركاب لتعليمات لوحة موضوعة قرب السائق كتب عليها (ممنوع البصق أو التدخين أوالتحدث مع السائق). كان السائق يقود الباص على طريقة شخص (يتقن الرواية أي متحدث) جالس في مقهى وحوله مجموعة من كبار السن أي يقود ديوانية وليس مركبة، وكرهت فيه ضعف حاسة السمع لديه، كثرة نحنحته للفت نظر الحريم إليه ونظرّاته السميكة! . أما النساء فلم يتوقفن عن التأفّف كل خمس دقائق على الأقل، و سمعتهن يدعون: الله يطوّلك يا روح!!!. وأخيرا وبعد أن أفلت الشمس وصلنا موقف الباصات في مدينة الخليل و الذي كان يقع قرب مقبرة المدينة القديمة. هرولت متوجها نحو بيت عمتي الحنونة الكريمة (الفقيرة) أم صالح المأخوذة جدا بقارئات الكفّ و الفنجان !. كانت عمّتي تسكن في جزء من بيت العائلة الحجريّ الكبير القديم (عمره أكثر من 80 عاما) يقال له القصر،و الموجود في مكان يدعى حوش تريتره. الحوش المذكور لا تصله دون المرور بإحدى مخارج الحارة التي تدخلها بعد مسير يسير من مكان موقف الباصات . الحارة، محل إقامة معظم أسر عائلة الدويك القديمة (عائلتي)، سميّت ب (حارة العقّابة) والمبنية على هيئة قناطر مسقوفة بالكامل، ومخرج الحارة عبارة عن نفق معتم جدا لا تدخله الشمس أبدا ، وعلى جانبي النفق كانت بيوت مهجورة منذ عقود عديدة وتبدو ( كأنها أضرحة) . عند بداية النفق، شاهدت أين كانت تربط البغال والحمير. أما في داخل النفق فقد سكنت والى الابد رائحة الرطوبة الشديدة وأصوات الصراصير وغيرها من الحشرات والقوارض والتي هي جزء من المشهد الذي يخيف ويشده بال أي صبي في عمري، حتى لو كان عفريتا مثلي، قادم (لوحده) من عمان غير المقنطرة، ويجعله يبول فورا (على حاله بالطبع لضيق الوقت) و يسقط قلبه على الارض من رهبة المكان . ولأن الشمس قد أفلت، والعتمة هوت عليّ، فقد بوّلت على حالي عندما سقط قلبي عند عتبة المخرج !!!. يتبع بإذن الله shafiqtdweik@yahoo.com

 

 








طباعة
  • المشاهدات: 10173
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
11-10-2008 04:00 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل اقتربت "إسرائيل" ولبنان من التوصل لاتفاق إنهاء الحرب؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم