10-11-2016 11:54 AM
بقلم : د عودة ابو درويش
طلب الشاب اليمني من الوجيه الاردني ، أن يخطب له فتاة سوريّة ، كان قد أرسل لها زوجة جاره المصري ، لتفاتحها في أنّ الشاب اليمني يريد ان يخطبها لنفسه ، وأن يتزوّجها على سنّة الله ورسوله . وهو يرجو أن تكون الزوجة التي تقبل الاقتران به ، صاحبته وصديقته ، وكلّ ما لديه في هذه الدنيا ، التي فقد بها في اليمن أمّا حنونا وأبا عطوفا ، كان لابدّ سيكون سعيدا لو أنّه حضر عرسه ، وتعرّف على من أختارها لنفسه زوجة . بعد أن تفحّصت زوجة جاره الفتاة ، وأخبرتها أنّ سنّة الله في خلقه أن يتزوّج الرجال من النساء ، وأن يكنّ خير معين لهم ، حافظات لبيوتهم ، أمينات على أسرارهم ، وأن يكنّ لأبنائهم الأم الحنون التي تربّي أولادها على طاعة الله وحب الخير للناس ، ومعاملتهم معاملة حسنة . ارتبكت الفتاة السوريّة وقالت ، وابتسامة خفيفة بدت على محيّاها ، أنّ عليها أن تخبر عمّها الذي تعيش معه في المدينة الاردنيّة الجنوبيّة بالأمر . وكان الجواب في اليوم التالي بالقبول .
الشاب اليمني جاء من بلدة صغيرة من بلدات اليمن الذي كان سعيدا ، هاربا من ويلات حرب لم يكن له رأي فيها . وهو الذي كان ينوي بعد أن أنهى الدراسة الثانويّة أن ينتقل الى الجامعة في المدينة القريبة من بلدته ، ليدرس فيها تخصصا يحبّه ، على أمل أن يتخرّج بشهادة يستطيع أن يعمل مدرسّا في أحدى المدارس اليمنيّة ، لأنّه يحبّ مهنة التدريس ، ويؤلمه كثيرا أن يرى شبابا و فتيات في وطنه ، لا يجيدون القراءة والكتابة ، وأقصى أمانيه أن يعيش بطمأنينة وأمان ، وأن يبذل كلّ طاقته في خدمة أبناء شعبه الذين يحتاجون الى من يرشدهم ويعلّمهم وينير لهم دربهم ، ويساهم في اعلاء بنيان واحدة من الدول العربيّة التي كانت يوما ما رائدة في العلم والعمل ، والتي علمّ أبنائها الناس نظم الشعر وكتابة الرواية .
الفتاة السوريّة جاءت أيضا هاربة من جحيم حرب لا ترحم ، ولا يعرف فيها خاسر أو رابح ، وتتدخّل فيها أغلب دول العالم التي تحبّ أن تدخل أنفها فيما لا يعنيها . جاءت بطائراتها وسفنها الحربيّة الضخمة ، وقنابل تجرّب لأوّل مرّة ، ترمى من طائرات لا تكاد العين تراها ، ويصمّ الآذان صدى صوتها . جاءت لتدمّر بلد بحجج كثيرة ليس آخرها مكافحة الارهاب الذي صنعوه هم ، ليحاربوه فلا يهزموه ، ولكن ليبقى شمّاعة يعلّقون عليها غسيلهم الوسخ ذو الرائحة الكريهة . وليقتل في الحرب أخوة وأبناء عمومة الفتاة السوريّة وأبناء وبنات جيرانها ، ومعظمهم قتلوا وهو جالس في بيته أو يبحث عن لقمة عيشه ، أو ملّ من الجلوس وحيدا بعد أن قتلت البنادق والقنابل كلّ أحبابه ، فقرر أن يتمشّى في الشارع الذي أحبّه دوما ، لتسقط عليه قذيفة ، تزيد من عدد القتلى الكثيرين واحدا .
هربت الفتاة السوريّة وهرب الفتى اليمني من الحرب المستعرة في بلديهما ، الى ملجأ آمن يستطيعون فيه أن ينعموا بقليل من الراحة ، وكثير من التفكير في من تركوهم هناك ، ويخافون في كلّ يوم أن يسمعوا خبر وداعهم للدنيا . ولكنهما يفهمان ، أنّ الحياة لا بدّ أن تستمر ، وأنّ الله لا بدّ قد أختار لهما أن يأتي كلاّ منهما من بلد بعيد ، ليكون أحدهما من نصيب الآخر ، وليكوّنا أسرة تبنى على الحبّ والاحترام ، لعلّها تكون أسرة عربيّة يرى أولادها غدا مشرقا لوطن عربيّ كبير نمشي فيه من دمشق الى عدن ، آمنين مطمئنين .
بارك الله لهما وبارك عليهما وجمع بينهما بالخير .