17-11-2016 02:08 PM
بقلم : عبدالحافظ الحوارات
تلقيت تدريبا الأسبوع قبل الماضي على يد خبير أمريكي في مناهج مكجروهيل المطبّقة حديثا عندنا ، سألته عن راتبه هناك فأسهب في التفصيل وعرّج على أنّه اضطر لعيشة الكفاف حتى استطاعت ثلاث من بناته إكمال درجة الماجستير وذلك نتيجة الارتفاع الكبير في أقساط الجامعات عندهم . من الجميل أن تراهم يُضحّون لأجل تعليم أبنائهم مثلما نفعل نحن وغيرنا في دول العالم الثالث .
والارتفاع في الأقساط الدراسيّة ظاهرة تجتاح الدول الفقيرة والغنيّة معا، وتعتبر هَمٌّ لأرباب الأسر في كل مكان والأردنيّون ليسوا استثناءً ، ومن باب المقارنة ومفارقات التخطيط مقابل العشوائيّة والتذمّر ، فإنّ الرئيس الأمريكي فورد قد صرّح يوما بأنّه ارتاح مرحليا من همّ تكاليف تعليم أبناءه ، لكنه مشغول بكيف يُدبّر أبناءُ أبنائِهِ أقساط تعليمهم .
في الشارقة مثلا حيث أعيش ، تبلغ رسوم طالب في كليّة الطب عشرين ألف دينار أردني بالتمام والكمال لكلّ عام دراسي واحد ، في حين يلامس الرسم السنوي لطالب الهندسة في أمريكيّة الشارقة سقف السبعة عشر دينارا أردنيّا فقط لا غير، علما بأنّ بعض المدارس الخاصة تكاد رسومها تقترب من هذه المبالغ المُرعِبة .
لا شيء في الواقع يأتي بسهولة طالما تُريده مُميّزا ، وحينما نطرح هذه الأرقام الصاعقة في منظورنا المحلي قد يأتي الردّ من ذي شَيبَة وقور مستهزءا : "يا قوم !" وأين هي الوظيفة-إن عثر عليها- التي ستعود على الخريّج بتلك الرُّزَم المؤلّفة من الدنانير الغائبة ؟ .
مُحِقّ هو بالتأكيد فيما يقول ، خاصة لو نظرنا إلى متوسّط الرواتب المُعدَمة للقطاع العام ، وإنتاجية الموظّف المشابهة لها أيضا ، وهنا لا أعرف من هو العبقري الذي حلّ مشكلة تعطّل المصالح الهامّة للناس جرّاء الإنتاجيّة الهزيلة للجيش العرمرم من الموظفين الذي يُقارب الربع مليون موظف في القطاع العام يستنزفون الأربعة مليارات دينار سنويا كرواتب ، ويسير إنتاجهم بنظام السلحفاة ، فلم يستغنِعنهم ، كل ما في الأمر أنّه كَفَأ فوقهم غطاءً يتطاحنون تحته ويتعاركون مع بيروقراطيّتهم المتوارثة ، وانتقل لأرض جديدة أنشأ عليها جيشا خفيفَالعدد مواز لذاك الجيش المترهّل ، لكنه يمتلك مؤهّلات مميّزة ويمتاز بإنتاجيتهالعالية البعيدة عن قنابل الفلافل المندسّة بين فراغات أطباق الحمص فوق أسطح المكاتب ، فلا قهوة ولا سجائر يُخالط دخانها شذا روائح رؤوس البصل المشطورة ولا هواتف أعيتْ شاشاتها أصابع اللاعبين .
التعليم الجيد سبيل للإنتاجيّة المميّزة ، والوقت هذه الأيام لا ينتظرنا كثيرا ، "غَمّضْ عين فَتِّحْ عين "وإذ بالسنة قد ذهبت بلا عودة ، فهل تُخَطّطُ حكوماتنا للأجيال ، وهل نُخَطّط نحن لأطفالنا ؟ .
عبدالحافظ الحوارات