04-12-2016 10:11 AM
بقلم : د. زيد سعد ابو جسار
( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33).البقرة.............
(وعلم ادم) دلالة على العقل القادر على الإدراك والتحليل والاستنباط ,مما يمكنه من التوصل لدرجة الإيمان الغيبي بخالق هذا الكون ,ويمكنه من إدراك أن لهذا الكون ميزان يحفظ توازنه لكي يستطيع الإنسان العيش عليه ,ويحفظ عزته وكرامته.فكل ما توصل إليه الإنسان من تطور كان في علم الغيب عن الإنسان إلى أن أدركه العقل وذلك بالتجربة وبرهان النظريات على الواقع إلى أن تصبح قوانين , ونفس الحال مع علم القيم الأخلاقية فالعقل لا بد أن يدرك ويقر أن الزنا وشرب والسرقة والخمر وسوء الخلق والكذب وكل طغيان على ميزان هذا الكون هو منكر ضد الحضارة وامن وأمان الإنسان وهذا ما يقره حتى الملحدين , ,فالعقل هو من أغلا ما خلق الرحمن ,ملكه للإنسان (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) ) ولهذا اختار الله تعالى الإنسان خليفة له في أرضه في الحياة الدنيا..........
قال تعالى(فَأَمَّا مَن طَغَىٰ (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ (41)),الله سبحانه وتعالى منح الإنسان العقل للعلم والمعرفة وتحكيم ميزان العدل ,ومنحه النفس للقدرة والعزيمة لاعمار الأرض واستمرار النسل,وذلك من خلال الغرائز التي زرعها الخالق في النفس البشرية لإثارتها ,والتي لا بد لها أن تكون على ميزان العدل لصالح الإنسان, وذلك بسيطرة العقل على النفس وتحجيمها وإلجامها حتى لا تتمادى برغبتها على طبيعة الغرائز وتطغى على الحق ,فيعيش الإنسان جحيم الدنيا قبل جحيم الآخرة واقع البشرية اليوم .............
الله سبحانه وتعالى يعلم بسلوكيات الإنسان وذلك قبل خلقه فهو يعلم غيب السموات والأرض ويعلم السر وأخفى ( قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)لهذا وضع الجزاء بالعمل فان كان خيرا مما أمر به الله تعالى فجزائه خير وان كان شرا إعراضا عن ذكر الله تعالى فجزائه شرا في الدنيا قبل الآخرة ,فالإنسان والكون جعل بميزان الخالق الدقيق (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) ......
إن الله سبحانه وتعالى لم يجعل هذا الكون رهينة لطغيان الإنسان فهناك حدود وردع لهذا الطغيان تجبر كل إنسان قهرا بالتقيد بنظام ميزان الكون ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) ((فالإنسان يكون أعمى عندما يتجاهل ما أمر به الخالق , وكذلك لم يترك الله تعالى الإنسان المؤمن رهينة الظروف المرئية من ظلم وذلك من خلال تواصله مع القلوب ليمنحها بصيرة الرضي والقناعة والتوكل وهن من أسباب السعادة حتى في أحلك الظروف ويقين المؤمن أن الظالم يصنع بظلمه نهايته (العدل بقضاء الله تعالى)...........
إن الله تعالى أراد للإنسان أن يعيش ضمن أمم حضارية تتعايش مع بعضها البعض بسلام وعدل وتشارك وهذه حقيقة الدين ,لهذا فان العقل السليم هو من تزود واستسلم وامن بأصدق الكلام (كتاب الله تعالى) وبأفضل الهدي (السنة النبوية)لتترجم معانيها إلى نور من الحب يحيي بصيرة القلوب ,ليستلذ الإنسان المؤمن بحلاوة الإيمان وفضائل العمل به ,فالعقل السليم لا يكون مغيب عن هوى النفس إنما يكون حاضرا لها ولهواها ,بالعقل السليم يعيش الإنسان جنة الدنيا وذلك بعدم استسلامه لهوى النفس وأنانيتها حتى على حاملها ,ولا يكبح هوى النفس إلا حلاوة الإيمان ولذة الشعور من القرب من الله تعالى ........
بالعقل أدرك الإنسان أن تغير المناخ هو نتيجة ارتفاع درجة الحرارة نتيجة الاستخدام المفرط للطاقة لجشعه وحبه للمال والملذات, والتي لها مردود سلبي على صحة الإنسان,وأدرك أن لكل فعل رد فعل معاكس ,كما أن لكل صوت صدى ,مجتمعات اليوم تحصد الخوف والإرهاب من ما زرعته الأنفس بأهوائها من حقد وجشع وكره وحسد جسدته حتى بأفلامها وتمثيلياتها وذلك في غياب العقل .........
إن النفس البشرية الغير منضبطة بالعقل المزود بالهدى لا تعرف الحدود ولا الازدواجية في التعامل فهي تهلك اقرب الناس إليها (حال المدمنين), لهذا فان التطور المادي في العالم الغربي ما هو إلا تطور لرغبات وهوى النفس, وما تسابق التسلح إلا تعبيرا عن أنانية النفس ومردود الخوف والإرهاب عليها ليدمر الفرد والمجتمع ذاته, وان هوى النفس ما هو إلا هلاك وجحيم الدنيا للإنسان والعائلة والمجتمعات التي أصبح الإرهاب يلاحقها في كل حياتها,طريق بدايته الخوف ونهايته الحزن والندم ,إن الله تعالى اعز الإنسان بان تكون الأعمال خالصة لوجهه تعالى حيث تكون العلاقات والمعاملات بعيدة عن المصالح وتقلبها , وكرم الإنسان بالعقل الذي يدرك الحق(الدين) ليعم العدل المطلق في حياة الإنسان إلا أن الإنسان اختار الدنيا(المادة بدون شعور) لهوى النفس لينقلب السحر على الساحر فالحق يعلى ولا يعلى عليه,وهذا ما يلزم الأمة للخروج من محنة النفاق وشدة البأس بينها الذي تعيشه .........
.