13-12-2016 03:19 PM
بقلم : سعد الخريشا
تعد الصقور جزءا من الإرث الثقافي الإنساني العام في معظم بلدان العالم على اختلاف ثقافاتها وأديانها وتنوع منطلقاتها وعقائدها،فهي جزء أساسي من تكوين كثير من الرايات الوطنية( الأعلام)لقيمتها الرمزية المستقرة في أعراف الشعوب وتقاليدها.ولكي لا نذهب بعيداً فشعار المملكة الاردنية الهاشمية رمز استقلال مملكتنا وسيادتها يتوسطه الصقر أيقونة لتاريخ هذا البلد وثورته العربية الكبرى المظفرة التي قادها صقور بني هاشم من بطحاء مكة ضد الظلم والطغيان ،فمنهم من قضى شهيداً ،ومنهم من نفي وشرد،ومنهم من أهداه الله لنا في هذا البلد الطيب ليهب الحياة لشعب بادله الحب بالعشق والوفاء بالإخلاص فصار الأردن ملاذاً يقصده الخائف والشريد فيؤمنه من خوف ويطعمه من جوع رغم نقص الثمرات.
إن تربية الصقور"الصقارة" والاصطياد بها هواية عرفها الأردنيون في بواديهم وتناقلوها جيلاً بعد جيل،بوصفها جزءاً من تقاليدهم وإرثهم الثقافي الممتد ،وجذورهم الضاربة في أعماق جزيرة العرب مهدهم الأول حيث كانوا من أبرز مكوناتها الاجتماعية في مرحلة ما قبل الخرائط واستقلال الكيانات السياسية ونشوء الدول الحديثة. ولعل الحفاظ على تراث الشعب وحفظ هويته وملامح شخصيته هو الصمام الذي يحول دون مسخه وتغريبه وانفصامه وخروجه من ثوبه وعمامته وعقال رأسه،وهو ما نشهده اليوم من جيل لولا أنه ينطق بالعربية لما استطعت أن تنسبه إلى أمة من الأمم أو شعب من الشعوب.
ولعلي أصل من وراء تلك المقدمة الى ان أشكر مجلس الوزراء الموقر على هذا القرار التاريخي الذي اثلج صدور الاردنيين والذي ينتصر للكلاب بترخيصها واقتنائها وسيصبح لكل كلب ابن كلب سجل كابر عن كابر، ولا مانع في ذلك من ناحية قانونية تنظيمية حيث هناك هوايات أخرى خارج حدود العاصمة عمان والموجودة لدى أهل البادية وهي تربية الصقور "الصقارة" والتي سوف تنقرض -هذه الهواية الموروثة ذات المعاني السامية والاصيلة - لان الانظمة والقوانين الاردنية مع الاسف تمنعهاإلا إذا كانت الحكومة تظن أننا نصطاد الصقور لنأكلها ... عذراً فنحن نقدر الصقور ونعرف قيمتها فلا نشويها!!!!..
وأقول بأن الصقارة هي ارث وعادات الاباءوالاجداد ولا مناص بأن تظل ركناً اصيلاً في تاريخنا وحياتنا الاجتماعية ضمن منظومة البادية حيث البر والفضاء الرحب والجبال والافق الممتد, وأنه الصقر وليس الكلب الذي ساهم بشكل كبير في صياغة ثقافتنا بادبنا الشعبي حتى أصبح ملهم العديد من الشعراء الذين يبدعون الوصف بقصائدهم.ولطالما كان الصيد بالصقور بالبادية فعالية عفوية لا ترتبط بشخص او زمن فهي هواية شاهدة على الاصالة رغم عوامل العولمة التي ادت الى اختفاء بعض الهوايات القديمة وخصوصأ تلك التي ترتبط بالصحراء والبادية بأجوائها التقليدية التي كانت تساعد على الألفة والانسجام والسلام بين الاهل والاصدقاء وليس الحال كما هو الان يتربى فيه أطفالنا على ثقافة (سلاحف النينجا والبوكيمون)وبينما تحتل المسلسلات التركية والهندية النصيب الأكبر من وقت الكبار.
ومن العجب العجاب أن الحكومة الرشيدة في الوقت الذي تجرم فيه هواية الصقارة وهي جزء تليد من تراثنا ،فإنها تسمح بتربية الكلاب في المنازل ،ولا أدري منذ متى كان العربي يقفل باب بيته على كلبه ليعيش معه كفرد من أفراد أسرته،والكلب لم يكن في يوم من الأيام إلا مع القطيع حارساً له من العوادي ،أما الآن حيث لا قطعان تحتاج الكلاب في تلك (الفلل ) فإنه ليس هنالك ما يدعو لذلك سوى التشبه بالغرب أما أن يكون في اردننا الحبيب اقتناء الصقر وتدريبه والتنقل به جريمة تحاسب عليها لتصل الى الغرامة والسجن ومصادرة الطير!!!؟؟ هل هو خوفاً من انفلونزا الطيور؟ او هي اهداف الجمعية الملكية لحماية الطبيعة للحفاظ على جمال الطبيعة وحماية المناطق البرية في الاردن والتي قد شوه منظرها الجميل من اصحاب المحاجر والمقالع والتي اصبحت ملاذً للخارجين عن القانون؟؟!!!
فالصقارة هي موروث الاباء والأجداد منذ القدم لكسب قوت عيشهم ذاك الحينبالتجوال في الصحراء وتدريب الصقر على صيد الطرائد او اطلاق الحمام له أو ما شابه ذلك، وليس هو الحال كالاسلحة الاتوماتيكية التي تصطاد المئات من الفرائس (الصيد الجائر) بينما الصقر فحده فريستين. تناقض ما بعده تناقض ولا ارى له اجابة من سنوات حيث لا يمكن لاي كان التجوال واقتناء الصقر في الاراضي الاردنية وحتى لو كانت تحمل جوازات سفر وشهادات صحية عالمية. فموسم الصقارة يمكن ان تعد كفترة سياحة وجذب لاخواننا من الخليج العربي في فصل الشتاء والربيع الذي يرغبون بشدة التنزه بالصحراء الاردنية فهو لا يريد ادخال ار بي جي أنه مجرد صقررفيقه وانيسه اثناء رحلته.
هناك اهتمام عالمي دولي لهواية "الصقارة" حيث تقوم اللجنة الحكومية الدولية لحماية التراث الثقافي في منظمة "اليونيسكو" بتسجيل الصقارة على لائحة التراث العالمي عام 2015، وينضم اليها كل من (السعودية، قطر، الامارات العربية، سوريا، المغرب، فرنسا، اسبانيا، بلجيكا ..الخ) للحفاظ على هذا التراث وتشجيع الحوار والتنوع الثقافي الذي لم تهتم به الاردن رغم مشاركتهامؤخراً في مؤتمر حماية التراث والثقافة المعرضة للخطر والمنعقد في ابو ظبي، وتحدث معالي الدكتور محمد ذنيبات واكد في كلمته بأن التراث الثقافي في اي منطقة جزء من التراث العالمي الانساني وحمايته مسؤولية تشاركية جماعية وان الاردن يتطلع الى ادامة العناية بالتراث الانساني في المنطقة والعالم.
ففي كل مجتمع من مجتمعات الدنيا ما تزال هناك نافذة تطل على الماضي البعيد بالإضافة لكونها حاضرة في واقعها المعاصر مواكبة للعصرنة والموضة التي كثيراً ما تعتدي على خصوصيتنا وتخدش حياء الرجال قبل النساء.ففي الصين التي غزت أسواق العالم كلها بكل ما هو مبتكر وجديد ما زالوا يأخذون الزائر إلى قصر الإمبراطوري العظيم ليرى قصة كفاح ذلك البلد وينقلونه إلى لوحات مسرحية ليلية في الفضاء الفسيح ليرى كيف كانت الصين تدير حروبها القديمة في الدفاع عن الأمة وكذا في الهند وسواها من بلدان لعالم، فهل نحن بدعة بين الأمم؟!
وبالاصالة عن نفسي وعن ارثي وارث اجدادي واهلي الذي اعتز وافتخر به وعن جميع اخواننا في باديتنا الشماء من جنوبها الى شمالها بأيجاد حل لهذا الموضوع بشكل جذري من خلال قوانين وانظمة تبرز وتشجع هواية الصقارة للجيل القادم ,ولاستذكر بهذا الموضوع بيت من قصيدة لجدي المرحوم الشيخ حديثة الخريشا حين فقد صقرههزاع في احدى رحلات الصيد.
يا مشاش يا وجدي على شوف هزاع عقب الغلى بدل علينا نكارا
بين الغدف وحصـــــيدة طيرنا ضاع بالجشة الي ما يجيها مطاره
يا أبو حمـــد لجيبـــلك كل بتـــــاع وادعيك تلبد بالشجر والهضابا
سعد ماجد الخريشا
saadkhraisha@gmail.com