17-12-2016 09:13 AM
بقلم : علاء فيصل القصراوي
يُدرك كثيرون أن التدهور الذي أصاب الوطن العربي يعود إلى عوامل داخلية في الأساس، غير أن التحديات الخارجية التي تحول دون إنطلاق الشعوب العربية نحو التقدم والرقي كثيرة، ومن ثم لا يجوز التقليل من شأنها أبداً. وفي تقديري أن المخططات التي تستهدف تفتيت العالم العربي وإعادة رسم خريطة المنطقة على أسس طائفية هي أخطر هذه التحديات على الإطلاق.
ولأن قوى إقليمية ودولية معادية تحاول استثمار بعض التفاعلات المرتبطة بالثورات العربية لوضع هذه المخططات موضع التنفيذ، فقد أرتأيت إلى كتابة هذا المقال المُطوّل للتذكير بما يحاك لهذه المنطقة.
في دارسة بعنوان "إستراتيجية إسرائيل في الثمانينات" كتبها دبلوماسي إسرائيلي سابق يُدعى أوديد نيون ونشرها عام 1982م قبل غزو القوات الصهيونية لبيروت بحدود 3 شهور، وبعد توقيع إتفاقية السلام مع مصر، تُعتبر أشمل ما كُتب في إسرائيل حول المخططات الصهيونية للمنطقة حتى وقتنا هذا، وتعكس هذه الدراسة حقيقة ما يجول بالعقل الصهيوني، وتطرح رؤية لما يتعين أن تكون عليه إستراتيجية الحركة الصهيونية في التعامل مع العالم العربي وتتمحور على أمرين رئيسين وهما:
الأول تتعلق بالبنية الديموغرافية والإجتماعية والثقافية للمنطقة حيث تقول أن العالم العربي ليس كتلة واحدة متجانسة، إثنياً أو دينياً أو إجتماعياً، وإنما يضم تشكيلة أو خلطة غير متجانسة تتصارع داخلها قبائل وطوائف وأقليات قومية وعرقية ودينية ومذهبية وغيرها، وكونها دول لا تقوم على أسس راسخة وقابلة للدوام، فمن السهل تفكيكها وإعادة تركيبها على أسس جديدة، وهو ما يتعين على إسرائيل أن تعمل عليه بكل طاقتها.
الثاني يتعلق السُبل الكفيلة بتحقيق أمن الدولة اليهودية لمعناه المطلق، حيث أن أمن إسرائيل لا يتحقق بالتفوق العسكري وحده، رغم أهميته القصوى، ومن ثم تبدو الحاجة ماسة لتفكير إستراتيجي من نوع جديد ومختلف يرتكز على عدم السماح بوجود دول مركزية كبرى في المنطقة، والعمل على تفتيت ما هو قائم منها وتحويله إلى كيانات صغيرة تقوم على أسس طائفية أو عرقية.
فإذا نجحت الحركة الصهيونية في تحقيق هذا الهدف الإستراتيجي فإنها تكون قد ضربت عصفورين بحجر واحد؛ تحويل إسرائيل إلى دولة طبيعية في محيطها تقوم على نفس الأسس التي تقوم عليها الدول المجاورة، ولأنها ستكون الدولة الأكبر والأقوى والأكثر تقدما في المنطقة، فسوف تصبح مؤهلة طبيعياً لقيادتها والتحكم في تفاعلاتها والقيام بدور ضابط الإيقاع في صراعاتها.
يعتبر الكثير من المحللين السياسيين أن سقوط بغداد كان الخطوة الأولى في خطة تغيير خريطة الشرق الأوسط الجيوسياسية والتي اكتملت لاحقاً بما عرف "بثورات الربيع العربي" والتي أسقطت العديد من الأنظمة العربية، وعلى الرغم من إختلاف الوسائل والظروف إلا أن الزعم بأن نشر الديمقراطية هو الهدف الأسمى، لتغيير كان الأمل والوسيلة التي أستخدمت في إسقاط أنظمة عربية واحد تلو الآخر، والنتيجة فوضى وعنف ودمار !
ومنذ أن أشعل البوعزيزي النار في جسده معلناً بداية الربيع العربي، تحول فيما بعد إلى إعصار جارف، والعالم العربي يعيش إنتحاراً جماعياً على كل الأصعدة، إنتحار أمني وسياسي وإقتصادي وإجتماعي وثقافي وأخلاقي. ما يحصل في منطقتنا محبط ومقلق ليس فقط على مستوى الأحداث السياسية، فما أطلق عليه ثورات الربيع العربي أحدث إنقلاباً سياسياً على مستوى النظام الإقليمي في الشرق الأوسط، وأيضاً على مستوى النظام الدولي بصفة عامة.
وكان وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر قد صَرّح في عام 2012 وقال: إن هناك سبع دول عربية تمثل أهمية إستراتيجية وإقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية، وكل الأحداث التي تجري في هذه الدول تسير بشكل مُرضي لنا وطبقاً للسياسات المرسومة لها من قبل.
إن الغرب عامة والصهيونية خاصة لا يَكلّون ولا يملّون أبداً في سعيهم للسيطرة على الشرق الأوسط مهما كانت العقبات، وهي مؤامرة كبرى غايتها إنتاج ثقافة جديدة في السياسة والنظم الإقتصادية والتعليمية والثقافية.
فها هم قد أسقطوا العراق (الحدود الشرقية لإسرائيل الكبرى) وأسقطوا مصر وليبيا (الحدود الغربية لإسرائيل الكبرى) وفي طريقهم لإسقاط سوريا (الجزء الشمالي لإسرائيل الكبرى).
وفي النهاية ما زال العجيب أن الحكومات العربية لم يفهموا بعد أن عمليات السلام (في كل مكان بالشرق الأوسط) بقيادة أمريكا ما هي إلا أحد آليات تنفيذ المخطط الصهيوني، لإزالتهم وإقامة دولة إسرائيل الكبرى والتي تمتد من النيل إلى الفرات، ولتحقيق خارطة الشرق الأوسط الجديد ! ولتشهد وتسجل يا تاريخ أن عواصم عربية تسقط كحبات الرمل بفعل الرياح والزوابع العربية، وبفعل التآمر الغربي الأمريكي الصهيوني.