بقلم :
حكاية من أدبيات "الميديا" حول الذهنية الصحفية المؤهَّلة للتعامل مع الانترنت.
نحلة ليست حشره، بل فرس جموح، رافقتني لسنوات منذ السادسة من عمري،حيث (لم اكن طفلا)،وكنت أول من طبّعها لغايات(الركوب)،وجبيني يشهد على ذلك بما يشبه الوشم، وما أعذب الوشم إن طبعته على غرتك فرس أصيل..!! هو مثال ماثل في حياتك يفوح بأكثر من ذكرى وأعطر من سيره،ويبوح بأكثر من معلومة (سر) ويمطر بأغزر من معنى، ويتمخض السياق عن فكره، هل قلت فكره؟!،نعم،وهي وجوديه بكل تأكيد،وتنطوي على معنى دعائي يمنحها خلودا مقيما، وهنا أتساءل كيف سأوضح هذا كله؟ بل كيف سأوثّق معلومة وافية عن نحله؟حسنا؛ثمة احتمال سيتحقق لا محالة، وهو أن نحله منذ اليوم ستصبح (موجودة) ومتاحة لكل العالم في الشبكة العنكبوتية، فالانترنت أصبح مربط الفرس،وأية فرس..!!
فرسان المعلومة هم الصحافيون على اختلاف اختصاصهم، وقد طفقوا بحثا عنها حتى في ثنايا أسرار الغيب، وانهمكوا على مدار الساعة في صناعة الأخبار، ثم تغيروا..!!،كانوا فرقاً من المختصين الذين يعملون في وسائل اعلام مطبوعة أو محكية أو مصوره، لكنهم اليوم تكاثروا بتفاعل نووي رقمي وأحدثوا انفجارات وثورات لا تنتهي في عالم افتراضي،أعني في (الانترنت)، وها هي (الميديا) عالم يتضخم لحظيا،ويستحوذ كل ما نملك من وقت ومال ونفوذ.. عالم؛ لن تقف في طريقه لا الثقافات المحلية ولا وسائل الإلمام والإحاطة التقليدية،عالم يدعوك للولوج فورا في غيومه الحافلة اثارة ومتعة ، لتصبح فيه أكثر تفاعلا وتأثيرا
!! فأنت بمجرد أن تلجه تصبح (موجودا) وتتحول المقولة عن الوجود ( أنا مؤتمت على الانترنت؛.إذا أنا موجود !!)..فكيف يعمل الصحفيون المهنيون المحترفون في عالم الميديا ؟ أو كيف تصبح الانترنت (مربط خيلنا)؟ سؤال يجيب عليه فرسان الاعلام، وهم – ربما- أصبحوا كل الناس ..
مهمة الاعلام والتوجيه والتثقيف كان يضطلع بها الصحافيون، حتى قبيل أن تفقد المجتمعات طرق الاستدلال التقليدية في الوصول الى الحقائق،حيث كانت صناعة الخبر تتم بطرق نعتبرها اليوم (كلاسيكية) ومرهقه، يقوم الصحافي بالذهاب الى مصدر المعلومة،ويحصل على تصريح اعلامي أو وثيقة،وربما يتحول الى شاهد عيان على حدث ما،وقد يتوفر مصور يلتقط صورة تدعم الخبر،ويتم نقل هذه المعلومات عبر التلكس أو غيره،وربما يمر زمن على هذا (السبق) حتى يتاح له أن يخرج ناضجا من (غرفة الأخبار)، إذن؛ هو عمل تقليدي ويحتاج الى اختصاصيين،وناقلين،ليظهر أخيرا الى المتلقي،ولا يوجد متسع من ذاكره لاستعادته وتطويره الا بالرجوع الى غرف الأرشيف،وتصبح المهمة أكثر مشقة.. وذاك زمان ولى وربما الى غير رجعة، فالصحفي الآن يستطيع أن يقدم المعلومة بأسرع من الخاطر، ويملك أن يتابعها ضمن (أسرع وأدق وأوثق) الطرق، بفضل ثورة الاتصال وضخامة منظومة (الميديا)، التي تحتل فيها (الانترنت) موقع (بنك المعلومات) تتضاعف أرصدته بطرق لا حصر لها..
(لحظنة المعلومة) هي غاية الميديا العالمية، ونحن كصحافيين يجب أن نتمتع بذهنية متعددة المهارات،تشمل التعامل مع النص والصورة والصوت،وسرعة الوصول الى المعلومة الأدق والأوثق، وهناك بنوك معلومات حول كل شيء.. على الاطلاق، لكن كم من الوقت استغرقنا للحصول على معلومتنا وما هي درجة وثوقيتها؟! وما صفة تميزها ؟ هذا هو السؤال المهني الذي لا يستطيع الصحافي أوالاعلامي عموما الإجابة عنه،من دون أن يلم بمهارات (احتراف) التعامل مع الانترنت،يجب أن نعرف كثيرا عن طرق التعامل مع (أدوات الاستدلال) التي هي عصارة جهود وصناعات علمية متراكمة، ويجب أن نحصل على معرفة رقمية لنجيب على سؤال يتعلق بتميز معلومتنا ودرجة وثوقيتها دقة وصدقا..
نحله في شبكة الانترنت أصبحت معلومه !!، تتطلب اختبارا علميا، حسنا؛لنثبت ذلك الآن،هناك طريقة بسيطة ومختصره وتحتاج فقط لـنصف الثانية،اختاروا أي من محركات البحث والاستكشاف المستخدمة على الانترنت(
Internet Browsers
) واكتبوا (نحله) ثم ابدأوا البحث، ستحصلون على نصف مليون صفحه عن (نحله) ضمن مجال بحثكم، ومن بينها معلومه على الأقل عن فرسنا الجموح، وهنا ربما تستغرقون وقتا طويلا للوصول الى (نحلتنا) المقصودة من عملية البحث،لكن هل من طريقة أكثر اختصارا وأدق نتيجة وأصدق خبرا؟.. هذه هي المهارة المطلوبة من صحفي يرفد المتلقي بالخبر اليقين، وهي تتطلب مقدارا من إلمام بعالم الانترنت وبالوسائط الأخرى المساعدة في الإبحار فيه برشاقة وفاعلية، أما أنتم..أعني مستخدمي الانترنت، أو العاملين في أوساط تستخدمها،فأنتم موجودون فيها بإرادتكم أو بغيرها، وليس فقط (نحله) هي الوحيدة التي ولجتها بعد كل هذا العمر، فأنتم وبمجرد استخدامكم للانترنت ووسائط الميديا الأخرى قد أصبحتم ضمن كائناتها الرقمية، وأضفتم لونكم الى مليارات ألوان غيومها، هل لديكم جهاز كمبيوتر متصل بها أو (
e-mail
) مثلا، أو مدونة..الخ ؟ هل كنتم يوما ضمن خبر (أي) خبر في أية وسيلة اعلام، هل تستخدمون هاتفا خلويا، هل كتب أحد – أي أحد- أية معلومة عن أي واحد فيكم؟ هل علقتم على خبر أو مقالة في أي موقع كان؟ ربما لم تفعلوا أي من هذا،لكنني أؤكد أن صوركم وصور أشيائكم موجوده ضمن هذا العالم الافتراضي،كوجودكم ضمن هذا الكون.. لكن التأكد من ذلك يتطلب مهارة استخدام للانترنت.
في خبر واحد عبر (الانترنت) يمكن أن نطبق كل ما عرفنا من تقنيات وسائل الاعلام، نكتب كلاما،ونلتقط صورا بهواتفنا تتحول (تلقائيا) الى الشبكة،ونسجل صوتا،ونبعثه الى أبعد نقطه في جزء من ثانيه،هل قلنا أبعد نقطه فقط؟ نقول الى كل النقاط في الوقت ذاته، وفي متناول جميع سكان الكوكب،والفضاء.. وهو خبر قابل لإضافة وتعديل، وقد ثبت في الذاكرة الانسانية والآلية بمجرد ولوجه عالم الانترنت..شيء خيالي حقا!! وهو يعني أن الإعلام أصبح ملكا للجميع، وأصبح عملية تفاعلية نستطيع جميعنا المشاركة فيها حتى عن غير قصد منا وبلا قوانين !! فالأمر يصعب تحديده أو السيطرة عليه من قبل الدول والحكومات، فهل نستطيع (الاستدلال) على معنى هذا؟ حسنا؛يوجد مثال، هناك تعليقات على بعض المقالات والأخبار على كل مواقعنا الاخبارية، وهي تقع ضمن المادة الخبر أو المقالة،وغالبا تكون أهم من المقالة ذاتها أو الخبر، فهي قد تصحح الخبر أو تقدم مزيدا من الإثارة حوله، وتسهم عن غير قصد في إثراء المعرفة الانسانية وتوحي بدلالات عن تطور مفهوم الثقافة بمختلف ميادينها،ويكفي أنها تعبر عن حس ناقد، نما متسارعا على أسس ديمقراطية رست في أذهان كل الناس، وهذا جزء بسيط مما يمكن للميديا أن تقدمه.. ويبقى الأمر الأهم متعلقا بـ (الصحفي) ويكمن تحديدا في استعداده الذهني المتعدد المهارات..
سأبحث عن صورة لنحله،وتسجيلا لصوت صهيلها فجرا،لأنه سيمفونية عشق عملت على تفتيح أكثر من قابلية في ذهني منذ لم أكن طفلا.. فهل سيشق صهيلها ضوضاء (الميديا) وأخرج عليكم (بقصيدة) عن مرابط خيلنا.. إذاً،أسرجوا خيولكم فموعدنا (عالإنترنت).. ونحلة ليست حشرة بل فرسا جموحا سرجها (الصبح) الذي ترقد عليه شمس الحقيقة،وألفيت نفسي فارسها منذ (لم أكن طفلا يوما).. فاسرجوا خيولكم..(العنكبوتية موعدنا).