05-02-2008 04:00 PM
الأربعاء ، بعد منتصف الليل ،كنت أقف على الشرفة ، كان المنظر الجميل والذي شدني ، هو منظر تلك الغيمات التي التي كانت تغادر سماءنا نحو سماوات أخر ، لقد أثارني انسحابها الصامت ، كنت أتخيلها تستجيب لكل الأنبياء ، بأن تفعل الخير دونما زهو ورياء، وكنت أراها مغادرة بصمت جميل ، وببهاء ، بكل ما أوتي الكبرياء من كبرياء....
وعلى غير عادتي ، فقد كنت في ذلك الليل لا أحمل هموم هذه الانسانية ، ولم أكن أخطط لتحرير القدس وبغداد ، اطلاقا ، ولا أفكر في الدولة العربية الحرة الواحدة العظيمة ، ولا بالأنتاج الصناعي والزراعي والعسكري العملاق، وما كنت مجروح الفؤاد لأمراة مغتصبة أو لطفل جائع أو لسجين مظلوم ، كنت في ذلك الليل موغل بفرحي حتى أني لم أتصور أحدا في وحدتي سوى النساء الجميلات وصديقي اللعين زوربا...
ورأيتني في حديقة الجيران المغطاة بالثلوج ، أنزع حذائي من قدمي ، وأركل بعيدا عني ثقيل ملابسي ، وأسكر بنشوتي ، قلت له : هل تعلمني الرقص ، قال : الرقص ؟ وأبتسم نحوي كأني ابنه الصغير ، وقال هيا يا صديقي ، كان قد أمسك السانتوري بين يديه ، وأخذ يعزف لحنا روسيا قديم ، ضع قدمك اليمنى ضد اليسرى ، هكذا ، ثم اليسرى فوق...وأخذ يعلمني ، وبدأني نرقص فوق الثلج ،وكدت أسمع صوت القيثارات والطلقات والصيحات ، لكأنه يوم قيام المسيح ،ونرقص ، بكل وحشية ، كان الحيوان الذي في داخلي يملل رأسه من سباته الطويل ، أخذت شجرة بيضاء من الثلج ، قبلتها على يدها مع انحناءه ، قلت هل ترقصين آنستي ، فأبتسمت ، تقدمتها نحو الحديقة، ممسكا بيدها اليسرى لكأنها أميرة ، ورقصني ، توب ..توب ، صوت الأرض بارتطام النعال ، وأدوخ فرحا وانتشاء ...
كان ينظر الي زوربا بفرح وقد أخذ يعزف فقط ، صاح باتجاهي ، ليباركك الرب يا فتى...
وأحسست برائحة البحر ، رأيت الكوخ والفحم والسكائر ، نظرت بعيدا نحو المنجم ، كان العمال قادمين ، ثم أخذ يعلو صوت السانتوري ، وصوت الموج ،وفاحت رائحة الليمون ، كانت الجزيرة ، تتمايل وسط البحر على الأنغام ، ونتمايل نحن مع الرقصات ، ورأيتني ، أربط مرجوحتي على عامودين ، واحد في لندن ، والآخر في سيؤول ، وكنت أتمرجح بجنون ، وأضرب بأصابع قدمي مياه الأطلنطي ، والأمس حواف الأشجار الباسغات في افريقيا...
كنت على الشرفة أغمض عيناي وأحلم ، فرأيت فتاة عربية سمراء ، ليست بالطويلة ، جالسة متربعة فوق الأرض، تكتب بريش النعام ، خيل الي أنها من بنات الزمن الجميل ، ورأيتها لكانها قلعة في جوفها أسرار ، وعلى بابها قفل كبير ، فأخذت أدور حولها باحثا عن المفتاح ، وعلى حين غرة ، تناهى لمسامعي صوتا أنثويا قويا ورشيق ، يأمرني بالدخول ، فنزعت عني أغلالي ودخلت.....
كان زوربا يرمقني بابتسامته الماكره ، قال لي ، أليس في بيتكم نبيذ ، آآآآآه يا بخلاء ، قلت له أخرس أيها اللعين ، فضحك ، وقال ألا زلت تحب النساء ، قلت... ، قال لا تكمل ، ألم تقل لي يوما أن من أحب (العربية السمراء لا يلقى خسارا)،فضحكت ، وعاد صوت السانتوري ، وعادت رائحة التبغ وأصوات التعويذات ، وعادت صورة بوذا ، كان يجلس كنبي ، ويبتسم ، وصوت ارتطام البحر بالصخور يعود ، وصوت دقات قلبي ، صوت الأفراح ، الليالي والموسيقى ، رائحة القهوة في الطرقات ، صيحات الشباب في حلقة الرقص ، صور الصبايا الذابلات العيون ، كل شيئ كان يعود ، وأفرح ، وسط الثلج ، بعيدا عن السياسة ، بعيدا عن الهموم،وأمرغ أقدامي في الثلج ، ولا أسمع صوتا عدى صوتي.....
لم أكن أحب انتهاء ذلك الليل ، ولم أحب انتهاء الحلم ، كنت أود لو أبقى ، فرحا ،طربا ونشوان ،وأغني للحياة وللأنسان ، كنت أتمنى لو أنني غيمة ، وهاجرت مع الغيمات...بعيدا عن كل هذه المتاهات.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
05-02-2008 04:00 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |