11-02-2017 02:07 PM
بقلم : أ.د رشيد عبّاس
قبل كل شيء, الجواب (نعم) أطفالنا هذه الأيام أيتام بالمعنى الشمولي, ونعلم وتعلموا جميعا انه إذا جاء الجواب على السؤال المطروح مبكرا فان الأمر يكون في غاية الأهمية وهو كذلك, والأكثر من كل ذلك يا سادة يا كرام أن من يراقب ويلاحظ ويحلل واقع وسلوك هؤلاء الأطفال, سيجد فعلا أنهم أيتام بمعنى الكلمة, وعلى هذا الأساس علينا أن لا نقهرهم (فأما اليتيم فلا تقهر) وينبغي أن لا نسلط عليهم الظلم, بل وجب علينا أيضا أن ندفع لهم حقوقهم كاملة,..إخواني الأعزاء الموضوع ليس للتسلية وليس لمجرد كتابة مقالة, لكن وجدت في نفسي هذه المرة مضرا لكتابة مثل هذا المقال لأننا في أزمة حقيقية اسمها أزمة الجيل الذي بات ينحرف نحو الضياع, والسبب بكل صراحة نحن الآباء والأمهات, واقصد بالضبط احد الأبوين أو كلاهما.
واسمحوا لي هنا أن استحضر ما قاله أمير الشعراء (احمد شوقي) في هذا المعنى الشمولي(ليس اليتيمُ من انتهى أبواهُ من همّ الحياة وخلفاهُ ذليلا, إن اليتيم هو الذي تَلقى له أمّا تخلّت أو أبا مَشغولا), نجد أن نظرة الشاعر كانت أكبر بكثير مما نتصور ونشعر، فالشاعر لفت انتباهنا وأيقظنا من سباتنا وأخرجنا من دائرة معرفتنا ألضيقه بأن كلمة اليتيم لا تعني فقط من فقد أحد أبويه أو كليهما وهذا ما اعتدنا على معرفته من بيتنا ومجتمعنا، وبالطبع نظرة الشاعر كانت أكبر مما تعلمناه في بيوتنا ومجتمعاتنا خاصة عندما نقرأ الآية الكريمة (وأما اليتيم فلا تقهر) كنا نظن ولا زلنا أن اليتيم هو يتيم الأب أو الأم أو كليهما فقط، فتعريف اليتيم هو فعلا من تطبق عليه صفة اليتم السابقة، ولكن وللحقيقة أن اليتم يأتي عن طريق أسباب أخرى عديدة، فالشاعر هنا أبرز لنا أن اليتيم الحقيقي هو من تجد له أما وأبا كانا مشغولين عنه وأهملاه بطرق عديدة ولم يجد أو كما هو من المفترض أما وأبا بجانبه يرضعانه لبن العاطفة والحب والحنان فتركاه وحيدا تتلقفه أيادي الانحراف والضياع.
في هذا المعنى الشمولي فان الطفل الذي لا نتابع محتويات وواجبات حقيبته المدرسية فهو يتيم, والطفل الذي يتأخر ليلا عن المنزل دون مبرر فهو يتيم, والطفل الذي لا تقدم له أمه وجبة الإفطار صباحا قبل ذهابه إلى المدرسة فهو يتيم, والطفل الذي لا نعرف من هم أصحابه فهو يتيم, والطفل الذي ينزوي وبيده جهاز الـــ(خلوي) دون تفحص أو تفقد أو متابعة فهو يتيم, والطفل الذي تنحرف أفكاره وتتشوه فهو يتيم, والطفل الذي لا يلعب العاب هادفة فهو يتيم, والطفل الذي لا تخرجه مدرسته أو أبويه رحلة أو زيارة حتى لو كانت قصيرة وبسيطة فهو يتيم.
وأكثر من ذلك, الطفل الذي حكم على أبيه بالسجن المؤبد أو لسنوات فهو يتيم الأب، وكذلك بالنسبة للأم فهو يتيم الأم, والطفل الذي هاجر أبوه وقطع صلته بزوجه وأبنائه فهو يتيم الأب أيضا, والطفل الذي انشغل أبوه بالهوى وتزوج بأخرى وطلّق أمه فهو يتيم الأب أيضا، وكذلك الأم إذا تزوجت بشخص آخر وتركته فريسة بين يدي زوجة أبيه فهو يتيم الأم أيضا لأنه ضاع بين الشتيتين (الأم والأب), ...وهناك أشكال وألوان عديدة أخرى من التيتم نتيجة إهمال الأبوين, فالطفل الذي فقد أباه بسبب إدمان الأب على المخدرات والمشروبات الكحولية فهو يتيم ذلك الأب الذي أحب نفسه وترك طفله للشارع تتلقفه الأيادي الخبيثة لا يلبث أن يلحق بوالده ويصبح طفل مخدرات وكحول وجريمة.
هناك العديد من أمراض المجتمع وممارسات الأبوين تجاه الأطفال جعلت وتجعل ألوف الأطفال أيتاما ومحرومين, وعلينا هنا تطبيق عليهم (فأما اليتيم فلا تقهر), ونقول لـــ(احمد شوقي) أيضا نعم يا أمير الشعراء مسؤوليتنا ضخمه, فكم من آلاف الأيتام حولنا وبيننا لم نشعر بيتمهم ولم نعرهم أي اهتمام، وربما يعود علينا هؤلاء الأطفال كبارا كالسهام بعد أن بريناها وزرعناها فيهم فنندم وقتها اشد الندم, وهنا يحق قول: هذه بضاعتكم ردت إليكم, والسؤال المطروح هنا هو هل أطفالنا (أيتام)؟ وهل نستطيع إنقاذهم؟ الجواب في كلا الحالتين (نعم).