19-02-2017 09:10 AM
بقلم : د. عادل محمد القطاونة
ملف للأفراد، بطاقة للمستورد، اعفاء جمركي وتعديل ضريبي، سلع معفية واخرى صفرية، خدمات خاضعة لضريبة المبيعات وشركات معفية من ضريبة الدخل، عينات مقبولة وأخرى مرفوضة، حد للتسجيل وحد للتحويل، مقدر ومدقق، مخمن ومحصل، محاسب قانوني وآخر هوائي، مستندات واجتهادات، مراقبة للشركات ودائرة للعطاءات وبين معمعة من المفاهيم الاقتصادية والضريبية والدوائر الحكومية والجمعيات والنقابات تضيع دائرة الاصلاح الاقتصادي الاجتماعي، وتصبح مفاهيم الاصلاح والتطوير دربا من الترف اللغوي والجهد النفسي.
سيارات بنمر حمراء وأخرى بيضاء، بدلُ للتنقلات وبدلُ للسفر، علاوة للمعيشة وعلاوة ادارية وأخرى فنية، مساكن للضيافة وأخرى للحفاوة، استئجار لمباني وتبرع لنوادي، تنفيعات واكراميات، تجاوزات واستثناءات، وبين سيارات حكومية ومساكن وظيفية يتعملق الفساد ليجد ضالته في ضعف العمل المؤسسي وركاكة التطبيق القانوني وسيادة ثقافة الذات ليصبح الاصلاح الاقتصادي ضحية لفساد عميق وقانون معيق.
عندما قررت اليابان تحفيز اقتصادها عملت على رفع الاجور لا رفع الضريبة وذلك من اجل زيادة اجمالي الناتج المحلي لاكثر من 600 تريليون دولار في خمس سنوات، وبحسب مسودة اجراءات التحفيز الاقتصادي فقد قامت الحكومة اليابانية بتقديم الدعم المالي للمؤسسات والأفراد الذين يعتمدون على الرواتب والدخل المتدني من أجل تعزيز انفاق المستهلكين؛ حيث أدرك ساسة الاقتصاد هناك على أن الدعم المالي من شأنه أن يؤثر ايجاباً على المؤشرات الاقتصادية، ومن ينظر الى الاصلاح الاقتصادي يجب ان ينظر اليه بعمق وأن يكون هنالك مساحة للحراك الاقتصادي الذي سينعكس ايجاباً على الوطن والمواطن، لا أن يكبت الحراك الاقتصادي بما ينعكس سلباً على موازنة الوطن وجيب المواطن.
في دراسات غير منشورة للعديد من اقتصاديات الدول مثل اليابان وسنغافورة، المانيا وماليزيا فقد قامت الحكومة بمكافأة الشركات التي تستثمر في المصانع والمعدات التي تحسن كفاءة الطاقة وتدعم رأس المال البشري وتشجع على انفاق الشركات الصغيرة لرأس المال. وأشارت الدراسات إلى أن الحكومات طرحت جدولاً زمنيا لتخفيض معدل ضريبة الشركات لأقل من 25% لتحسين القدرة على المنافسة، مع الأخذ بعين الاعتبار القدرة على تأمين حاجات المواطن الصحية والتعليمية بشكل كامل، بمعنى أن النظام الضريبي في العديد من الدول كما هو الحال في بريطانيا HMRC يأخذ بعين الاعتبار القدرة المادية والمعيشية لدافع الضريبة، وتأخذ التصنيفات الضريبية أشكالاً تسمح في تحقيق العدالة الضريبية التي تفقدها الكثير من أنظمة الضريبة في العديد من الدول النامية التي تركز على الجانب التحصيلي دون الالتفات الى الجانب المعيشي للمواطن.
ان التحفيز الاقتصادي المنشود ينطلق من منظومة منهجية علمية تحقق التكامل ما بين القوانين الاقتصادية والضريبية، البنك المركزي والبنوك التجارية، اسواق المال والمستثمرين، ان معدلات النمو والناتج المحلي والمديوينة والتيسير الكمي والرقمي والعجز وسعر الفائدة والسندات الحكومية وسعر الصرف والادخار والاستثمار والتخطيط الضريبي والتهرب الضريبي والفجوة الضريبية. مفاهيم اقتصادية وضريبية تعطي اشارات الى ان الاصلاح الاقتصادي لا يقتصر على فرض الضرائب او اعادة النظر في جداول ضريبة القيمة المضافة (ضريبة المبيعات) انما يتعدى ذلك الى البحث في كافة الارقام وما وراء هذه الارقام من مؤشرات ودلالات.
أخيراً وليس آخراً فان التحفيز الاقتصادي وتجفيف الفساد حالتان لجسد واحد يبحث في اولها عن الغذاء من أجل البقاء فيصيب في اختيار الغذاء تارة ويخطئ في تارة أخرى، فيصح الجسم ويقوى في الاولى وينكدر ويضعف في الثانية يساهم في تفاقم المشكلة الذهاب الى طبيب غير عادل، طبيب يبحث عن مصلحته الشخصية فيصف الدواء الغير صحيح لقناعته بأنها الآلية المثلى لعودة المريض مرات ومرات فالأجر مرتفع والطبيب منتفع، كل هذا يقودنا الى أن المخرجات السليمة تتطلب نظاماً ضريبياً واقتصادياً، تعليمياً وثقافياً دقيقاً أكثر حنكة وذكاء يسمح في معالجة ابداعية وفقاً لمدخلات توافقية صحيحة، عندها يصبح التحفيز الاقتصادي حقيقة وحقيقة الفساد جريمة.