حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,23 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 18672

" نحن نشبه أبناءنا "

" نحن نشبه أبناءنا "

 " نحن نشبه أبناءنا "

20-02-2017 09:47 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : سعيد ذياب سليم
جارنا يعمل في بقالة صغيرة، يبدأ نهاره مبكرا قبل دوام الطلبة في المدرسة المجاورة، ويستمر عمله حتى ساعة متأخرة من
الليل، ذهبت اليوم لشراء بعض حاجات البيت، وجدته حزينا على غير عادته، سألته فعلمت أن ابنه قد رسب في الثانوية
العامة و أنه يحمل ثلاث مواد مهمة، بعد أن وفر له ما يريد.
- أليست المواد هي نفسها التي درسناها في الماضي!
o بلا سوى اختلافات قليلة لا تكاد تذكر .
- إذن لماذا حدث ذلك ؟ لقد حصلت على درجة عالية في زمني، برغم الظروف التي كنت أعيشها.
أسئلة كهذه دارت في أذهان كثير من الآباء عندما ظهرت نتائج ابنائهم، لقد وفرت له كل شيء: أعطيه حاجته من النقود و أكثر،
أحضرت له أفضل المعلمين لتدريسه، اشتريت له " تلفون محمول" بأحدث المواصفات ، لا أمنعه من الخروج في أي وقت.
- فلماذا كانت هذه النتيجة ؟
نحن نتاج تجاربنا مع الحياة، بضع نجاحات وكثير من الخيبات، أفكارنا وأحاسيسنا وأمانينا هي انعكاس مكوناتنا الداخلية،
تلك التي تحمل خبراتنا وما نتج عن أعمالنا. بدأ ذلك مذ كنا على مقاعد الدراسة ومع أول عصا لامست أكفنا من يد
المعلم وأول إخفاق لنا في امتحان الإملاء والحساب، وتتابعت الإخفاقات، تحصيلنا في الثانوية العامة، فشل علاقاتنا في
الحب والصداقة، تردي معدلاتنا الدراسية في الجامعة ومن ثم تواضع نجاحنا في العمل والمجتمع، نعيش دائما في شريط
ضيق بين بحر الحياة و صحرائها فنحن لسنا استثناء.
ما نعزي به النفس هو اعتقادنا أنّ ما أصابنا لم يكن ليخطئنا وأنّ لنا فرصة أخرى في الآتي من الأيام وأنّ فرصتنا
الحقيقية هي في تربيتنا لأبنائنا، فماذا صنعنا؟ عملنا على نحتهم بطريقة يظهرون بمظهرنا، يتصرفون بنفس الحدة التي
نخاطبهم بها، فانعكس ذلك على نتائج أعمالهم.
أردنا لهم التفوق على نظرائهم في كل مجال من مجالات الحياة بغض النظر عن قدراتهم، كافأناهم على تفوقهم و عاقبناهم
على فشلهم ، فأصبحوا سجناء انفعالاتنا ، لا يعلمون متى نخرجهم من جنتنا، راقبنا أحاسيسهم وبالغنا في حمايتهم، كانوا
أشياءنا التي نفتخر بها ونستعرضها كسياراتنا أو بيوتنا، رأينا هو النافذ على خياراتهم : ماذا يلبسون ، من يصاحبون، فكانوا
نسخا غير مكتملة النمو عنا، يفتقرون للتجربة ولا يملكون قناعات ذاتيه ثابتة يواجهون بها الحياة.
في المدرسة درسنا عنهم دروسهم وقمنا بحل واجباتهم البيتية، حتى إذا جلسوا للامتحان العام بحثوا عنا فلم يجدونا
بجوارهم ولكن خارج القاعة ننتظر منهم الحصول على الدرجات النهائية، فإذا ظهرت النتيجة أنكرناها.
هل كان كافيا أن جلبنا لهم أفضل المعلمين ليقوموا بأدوارنا؟
نعلم أن لكل منا قدرات علمية وفنية مختلفة يغلب فيها الطبع على التطبع، وأن الموهبة والمهارة شيئين مختلفين يكمل
أحدهما الآخر. قد يفقد المرء أحدهما أو كليهما بالرغم من ذلك طالبناهم بالمستحيل ليحققوا ما لم نستطع نحن تحقيقه، نتج
عن ذلك - أحيانا- أشخاص ينقصهم التوازن العاطفي يخلطون بين واجباتهم وحقوقهم ويغلفهم النفاق، فكان تعاملهم مع
الحياة أشبه ما يكون بالصراع على البقاء.
يتقن أبناؤنا استخدام التكنولوجيا بمهارة فائقة فهم أذكياء جداً، لا نستطيع مجاراتهم في هذا المجال لكن لا يستطيعون استخدام قيما
كالاحترام المتبادل، التعاون، الحب، الوفاء، الحرية و انعكاسها عليهم و على الآخرين، فإذا سألت: لماذا عدت باكرا ؟ ما الذي يشغلك؟
تبدوا مرهقا! ينفجرون فينا متأففين :"ما فيش أشي." يظنون أننا نحقق معهم، فاللغة المشتركة بيننا تكاد تكون معدومة،
لسنا أصدقاء، يخفون عنا مشاكلهم ، مشاعرهم ،مخاوفهم و أحلامهم، وعلى الأخص في سن المراهقة حين لا يدركون ماذا يجري
لأجسادهم وعواطفهم ، يروننا أبناء زمن آخر ليس له صلة بالحاضر وأننا قاصرين عن فهمهم.
فشلنا في تصوير أهمية العلم لهم كالماء و الهواء وأنه ليس مهنة بقدر ما هو حياة وثقافة ومدنية، هل فشلنا إذن بأن نكون لهم آباء ؟

كنت اتفقت مع جارنا أن أجلس مع ولده، وجدته شابا طموحا خلوقا يقوم بما ترتب عليه من دراسة، يحمل هم والده، سألت عن نتيجته
فسكب علي جرار مبرراته حتى أغرقني في دفاعه عن نفسه، عرضت عليه المساعدة بصفتي معلما فلم يكن بوسعه أن يختار إلا بالعودة
لوالده ، من الواضح أنهما لم يتحدثا منذ ظهور النتائج، كل منهما متقوقع على نفسه ، كان يتساءل : ماذا قال لك والدي ؟ يريد أن يعرف هل
مازال في الجنة أم عليه الهبوط منها مع حوائه وشيطانه ؟
إنهم يشبهوننا فهم بعض أخطائنا.








طباعة
  • المشاهدات: 18672
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم