28-02-2017 08:51 AM
بقلم : د. زيد محمد النوايسة
تأثرت العلاقات الأردنية الايرانية بانهيار نظام محمد رضا بهلوي في شباط 1979؛ الشاه كان صديقاً مهماً للأردن ويرتبط بعلاقات خاصة مع الملك الراحل الحسين وهو الأمر الذي ساهم في تجسير الهوة بين نظام الشاه والخليج العربي منذ استقلال تلك الدول عن بريطانيا؛ الأردن ساهم في إقناع الإيرانيين في بداية السبعينيات بالموافقة على حسم مستقبل البحرين السياسي بعد خروج البريطانيين من خلال السماح للشعب البحريني بالاستفتاء لبقاء بلده مستقلاً عن إيران وهو ما حصل فعلياً مقابل حصول إيران على تنازلات في أماكن أخرى. ولكن الأردن بقي بعيداً عن ممارسة أي دور في الخلاف المزمن بين الإيرانيين والعراق على حدود شط العرب الذي كان الشاه يصر على أن حدوده هي ذاتها الذي وقعت بينهم وبين الحكم العثماني عام 1913، والتي رفضها العراق لأنها تحرمه من الاستفادة من إمكانية الملاحة البحرية في شط العرب، ولكنه اضطر تحت وطأة الصراع الذي انفجر مع الأكراد على توقيع اتفاقية الجزائر عام 1975 والتي استندت الى الحدود العثمانية، لكن العراق قام بإلغائها سنة 1980، وهو ما أدى الى انفجار الحرب لاحقاً.
دخلت العلاقات الإيرانية الأردنية مرحلة جديدة ولم يتأخر الوصول بها الى القطيعة الدبلوماسية الكاملة في بداية عام 1980 بعد الحرب العراقية الإيرانية؛ وذلك لانعدام نقاط الاتفاق وتعاظم نقاط الافتراق وخصوصا بعد اختيار الأردن الرسمي والشعبي الانحياز الكامل الى معسكر العراق في الحرب التي حملت شعار حماية البوابة الشرقية للعالم العربي ووقف التمدد الفارسي وعزز من انحياز الأردن للعراق رفضه المطلق لفكرة تصدير الثورة الإسلامية التي حملتها ثورة الامام الخميني شعاراً وعنواناً عريضاً وصارت عمان قاعدة مهمة للإمدادات اللوجستية من خلال الميناء الأردني الوحيد – العقبة- الذي دخل مرحلة ازدهار غير مسبوقه كمصدر تزويد رئيسي وآمن للعراق مما دعى العراق لدعم الأردن مالياً والمساهمة في تطوير الخط البري الدولي من العقبة وحتى الرويشد. وبالمقابل ساهم الأردن في ترطيب الأجواء بين العراق والولايات المتحدة الامريكية والتخفيف من حدة ورديكالية الرئيس صدام حسين؛ ذلك أن العراق ظل تقريباً البلد العربي الوحيد الذي لم يعترف بقرار242 المتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي ويتضمن عودة الأراضي العربية المحتلة عام 1967. مما أدى لأحقاً الى اعتراف العراق رسميا بالقرار وقبوله بحل سياسي يضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة، وهو الأمر الذي قابلته واشنطن بارتياح أسس لعلاقات تعاون أمريكية عراقية بدأت بتعاون استخباري وعسكري توجت بزيارة دونالد رامسفيلد للعراق سنة 1983 وصولاً الى فرض حصار على استيراد إيران للأسلحة وغض النظر أمريكيا عن الاتهامات التي وجهت للعراق حينذاك باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد الإيرانيين والاكراد في حلبجه وصولاً للتدخل في دعم العراق وبشكل مباشر عسكرياً في بعض مراحل الحرب وبنفس الوقت وجود قنوات سريه امريكية زودت ايران بالأسلحة ومن خلال إسرائيل فيما عرف بفضيحة ايران كونترا لاحقاً بين عامي 1984و 1987.
تجرع الخميني السم كما أعلن حينها وتوقفت الحرب في آب/1988 بعد ثمان سنوات قاسية الحقت اضرارا بشرية وعسكرية واقتصادية هائلة بالبلدين ودفعت دول الخليج العربي التي كانت معنية بوقف الاحلام التوسعية للثورة الخمينية خوفاً من التداعيات المذهبية وبدأت الامارات العربية المتحدة وهي حليف مهم للأردن بالمطالبة بالجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى واختار الأردن ان يقف مع مطالبتها بالجزر موضع الخلاف؛ مما عقد في مسار تطور العلاقات بين البلدين واستمرار القطيعة التي فرضت على الأردن أن يوافق على وجود مكتب لحركة مجاهدي خلق المعارضة في عمان ومنحهم تسهيلات على الأراضي الأردنية وهو ما أعتبره الإيرانيون استهداف لهم.
في عام 1989 رحل الخميني وبدأت ملامح جديدة على الصعيد الداخلي الإيراني تشي بأن ثمة تحول تدريجي في المزاج السياسي الإيراني نحو التراجع عن فكرة تصدير الثورة؛ والتقط الأردن الإشارة وبدأت التحسن التدريجي وصولا لعودة العلاقات الرسمية سنة 1991، والتي فرضتها التطورات السياسية بعد خروج وهزيمة الرئيس العراقي الراحل وخروجه من الكويت ودخوله في مرحلة حصار قاسية وصعبة، لكن العلاقات مع إيران ظلت ضمن المنطقة الرمادية بل أنها في عام 2003 وبعد الحرب على العراق وسقوط النظام والتدخل الإيراني في العراق ازدادت توتراً بعد حديث الملك عبد الله الثاني عن خطورة الهلال الشيعي على العالم العربي. واستمرت العلاقات ضمن دائرة الحذر والمحددات التي تفرض على الأردن بحكم استراتيجيته التي تضعه في محور مختلف كلياً عن المحور الإيراني الى أن وصل العالم العربي الى مرحلة الفوضى والربيع العربي عام 2011 والأتهام الصريح بتدخل إيران في سوريا والعراق والبحرين واليمن وازدياد أوجه الصراع مع السعودية والامارات وهم من أهم حلفاء الأردن عربياً فدخلت العلاقات في مرحلة التجميد مرة أخرى بالرغم من تبادل رسائل تهنئة ملكية بمناسبة قيام الثورة الإسلامية وقيام وزير الخارجية الأسبق ناصر جودة بزيارة طهران في اذار /2015 في محاولة لبناء الثقة بين البلدين وسياسة الانفتاح على الجميع في مناقشة الملفات الإقليمية ودائما حرص الاعلام الرسمي على التركيز على أن الزيارة لا تتجاوز اطار التواصل الدبلوماسي لاستكشاف الرؤيا الإيرانية عن قرب.
انضمام الأردن إلى تحالف عاصفة الحزم ضد الحوثيين والرئيس اليمني السابق والذي اتهمت إيران بالوقوف وراء تمردهم على حكومة هادي التي ترتبط بعلاقات تحالفية مع السعودية ومع الإمارات العربية المتحدة؛ أعاد العلاقات من جديد إلى دائرة التأزيم المضبوط إيقاعه على ما يبدو، وصولاً إلى استدعاء السفير الأردني من طهران بسبب الاعتداء على السفارة السعودية في طهران فيما أبقت طهران على سفيرها في عمان في محاولة من الإيرانيين لاستيعاب الموقف الأردني والحد من اتساع قاعدة الاشتباك مع دول الإقليم. ويبدو ان الكلام الآن يجري عن عودة ناعمه للسفير الأردني الى طهران.
التطورات في المشهد السوري وتحديداً في الجنوب السوري ووجود تأثير للأردن على العديد من فصائل الجيش الحر لم يعد خافياً على أحد بل أنه أصبح جزءاً من التفاهمات مع روسيا والتي أدت الى التوقيع على وقف إطلاق النار والدخول ضمن تفاهمات استانا؛ ولكن هذا لا ينفي شعور الأردن بالقلق من وجود قوات للحرس الثوري وحزب الله اللبناني وهو ما يدخل ضمن الضمانات التي قد تكون روسيا قدمتها للأردن في فترة سابقة على ما يبدو مما فرض استقرار الجبهة الجنوبية قبل أن تعود للانهيار مؤخراً.
في تقديري أن الحديث عن تقارب أردني إيراني متصاعد بعد زيارة رئيس مجلس النواب الأردني المهندس عاطف الطراونة والحديث عن حمل الطراونة رسائل للإيرانيين توحي بهذا الاتجاه أمر مبالغ فيه ولعدة أسباب أهمها أن الاتجاه الأمريكي الآن يدفع باتجاه محاصرة ايران وعزلها وربما ضربها عسكرياً وهو ما يتطابق مع رؤية الحلفاء السعوديين والخليجيين الذين يسعون بوضوح لقطع الطريق على أية محاولة يمكن لإيران توظيفها والاستفادة منها؛ أعتقد أن الأردن ليس في وارد الدخول في مناكفة مع حلفاء مهمين له دولياً وإقليميا وعربياً وهو يدرك الكلفة العالية وهو غير مستعد لذلك لا سياسياً ولا أمنياً ولا اقتصادياً، وأن قرر الحديث مع الإيرانيين فلديه القناة الدبلوماسية والقناة الأمنية التي تعني الأردن تحديداً في ملف الجبهة الجنوبية لسوريا وفي التوجه الأردني في فتح مبادرة للحوار بين الأطراف العراقية والتي يبدو انه ليس ثمة اعتراض لدى طهران طالما أنها تمت بتوافق مع حكومة العبادي وبدعم من مرجعية سياسية شيعية مهمة يمثلها السيد عمار الحكيم.
الأردن الذي يواجه تحدي عقد القمة العربية العادية أواخر شهر آذار يسعى جاهداً وبالتنسيق مع مصر لأن تكون للتحديات التي تواجهه في الملف الفلسطيني الأهمية القصوى؛ لا سيما بعد تعنت حكومة نتنياهو مزهوةً بدعم غير محدود من إدارة ترامب وإصرارها على المضي في الاستيطان ودفن حل الدولتين والتلميح بأن الحل سيكون على حساب الأردن ليس في وارد الذهاب بعيداً في العلاقات مع طهران لأن ذلك لا يتسق مع مواقف الحلفاء العرب وتحديداً الخليجيين الذي يعول عليهم في الخروج برسالة مهمة للإدارة الأمريكية في الموضوع الفلسطيني وهذه هي الاولوية الملحة؛ لأن الخشية أن يكون هناك مقاربتين مختلفتين تؤثر على مسار القمة العتيدة؛ وأحدة تعطي أولوية تشكيل تحالف عربي سني ضد ايران والأخرى تطالب بموقف عربي موحد ضاغط على ضرورة أيجاد حل سياسي عادل للقضية الفلسطينية!!