بقلم :
بثت المحطات الفضائية تقريرا إخباريا بعنوان (إذا شعرت بضعف في الذاكرة فعليك بشم الورد) على اعتبار أن شم الورد ينشط الذاكرة ويعيد الأجزاء المعطوبة منها.
ولما كان صاحبنا خميس بن جمعة يتمتع بذاكرة مرضية إلى حد أنه يفكر جادا بكسر رأسه وغسله من الداخل للتخلص من العوالق التي لا داعي لبقائها كما يزعم، فقد صرخ في المذيع حين سمع النبأ قائلا: أتوسل إليكم .. أنا أكره الورد.. ماذا أشم كي أتخلص من هذه الذاكرة اللعينة؟
أما أنا فقد فعلت العكس، وذلك لأن جمجمتي مثقوبة وتهرّب مثل قربة (ورّادة) على حمار أعرج، قمت إلى الصالون وركضت إلى المزهرية ذات الورد البلاستيكي وأخذت أتشممها.. فلم أتذكر شيئا.. خرجت إلى الشارع فوجدت الناس قد اجتمعت على بائع ورد وحيد ، وهو ينادي على الوردات المتبقية بالمزاد العلني.. ثمة أطفال بشعر أبيض ووجوه متجعدة يتقاتلون للحصول على وردة يشمونها ، سمعت أحدهم يصرخ: لقد سئمت شم الغراء.. طفل آخر في السبعين من العمر أخبرني أنه لم يعد يملك ثمن الكوكايين.. فيما رأيت مجموعة أخرى تتناوب على شم وردة واحدة، بطريقة الطلاب في (تخميس) السيجارة. اثنان منهم تقاتلا على الدور وسالت الدماء من منخريهما وهما يتنازعان الوردة.. حضر إلى الموقع أحد المسؤولين الكبار وخطب في الناس مؤكدا لهم أن الحكومة مهتمة جدا بذاكرة الوطن والمواطن، وأنها من باب النزاهة والشفافية تفضل ألا ينسى المواطنون كل إساءة وجهت لهم من وزير أو نائب أو غير ذلك.. وأنها حريصة على مكتسبات الشعب من مخزون ذاكرته التي يجب أن تحتفظ بكل المنجزات ونسبتها إلى أصحابها الحقيقيين من الذين أساءوا والذين أحسنوا على حد سواء.. وأن الشعب يجب ألا ينسى شيئا وهو ينتخب نوابا أو وزراء أو مدراء أندية رياضية أو غير ذلك.. وبناء عليه فإنها (أي الحكومة) قررت إجراء تخفيضات على أسعار الورد الذي تستزرعه في مستنبتات حكومية خاصة لتضمن خلوه من مواد ضارة قد يسبب شمها عطبا في الذاكرة .. فتح المسؤول صندوق سيارته فتناهب الناس ما فيها من ورد .. (كان معظمه متعفنا ومخزّنا منذ مدة قبل إعداد التقرير) لكن الناس لم يتوانوا عن دفع ثمن محترم لإيمانهم بنظرية العرض والطلب.. . وما تبقى من رائحته كان كافيا لإعادة شيء من ذاكرة معطوبة لدى الكثيرين.. فأجلوا المطالبة بأي شيء من حقوقهم المنهوبة.. وطالبوا بمزيد من الورد لاستكمال حلقات الذاكرة وكي لا يفوتهم شيء مما سيطالبون به.. لذلك ساروا في مظاهرة.. ورد.. ورد.. نريد.. وردا.. خفضوا سعر الورد.. ألغوا الضرائب على الورد.. كان مصور التلفزيون الرسمي يصور المظاهرة بالصوت والصورة.. ليلتها.. فوجئنا بالمسؤول ذاته يلقي بيانا إعلاميا مدعما بصوت وصورة المظاهرة يقول فيه: إن شعبنا ولله الحمد مرتاح جدا.. وقد حقق كل ما يصبو إليه من الحقوق .. وأصبح شعبا مترفا .. ليس لديه أية مطالب سوى.. الورد .. وإليكم الدليل بالصوت والصورة
http://atefamal.maktoobblog.com
/