بقلم :
الرحيل هذه تباريح وجدٍ صوفي الطعم.. جاءت بلا ترتيب مسبق كردودٍ وتفاعل مع مقالة: إلى كبيرنا الطفل الساخر محمد طمليه.. أنثرها على قبر المرحوم بلا تعليق.. ماجد الخواجا عمت صباحاً ومساءً يا صديقي.. يا أخي الجميل.. بدأت أخاف الأشياء.. أخاف عيوني حين تبكي.. أخاف من الكأس.. حتى الخمرة لم تعد تسرقني.. أخاف من القادم.. أقدامي لم تعد تأخذني إلى حيث أريد.. أخاف من الصديقة التي تأتي على عجل.. فتسرقني.. خيول الصباح هربت من حظائر أحلامي.. وأرسنة المواعيد الجميلة لم تعد بيدي.. الكلّ يهجرني لأنّي هرمت قبل الأوان.. ماذا أقول لكل الذين مرّوا على فتات أحلامي.. عبثوا بكلّ شيءٍ.. زوجتي التي لن تكون.. سجائري.. ماكنة الحلاقة.. طلاء حذائي.. جواربي.. لم يعد هنالك شيئاً في روحي.. إلا وكان وقفاً.. ليتهم لا يأتون في بدايات الصباح لأنني أملك كلّ من أحب.. لكم النهار كلّه.. لكم المساء كلّه.. لكن بدايات الصباح هي روحي.. فدعوني قليلاً.. أداعب روحي قبل أن يأتي الفراق.. أعرف كم هي المسافة بين شفافية روحك وقسوة اللحظة.. وأعرف أيضاً بأنك لا تستجدي قلمك بقدر ما تستجدي قلبك لاحتمال كلّ هذا الخواء.. تعودت منك جرأة الكلمة واقتفاء المشهد كاملاً.. تقف بذات الزاوية.. زاوية الحبّ والصدق حيث يمكنك أن تقول كلمات لها رائحة البنفسج وقسوة الطعنات.. وتنأى نفسك بعفةٍ عن صيدٍ أو نهبٍ.. وأراك تعلن بأن شرعية العشق هي التي تجعلنا نصحو صباحاً لنردد فرحين: صباح الخير للرائعين.. للطيبين.. لرائحة الوطن الزكيّة.. للرفاق التائهين.. للأحبة الذين غادروا الحياة على عجل.. وكأنما ذاهبون للقاء عشيقةٍ نزقة.. حين قرأت كلماتك بوداع الصديق محمد طمليه.. تأكدت بأن الحزن والعشق قدرنا الأزلّي.. وأن لوجع الصداقة مذاقاً شهيّاً حلواً.. كمذاق الوطن.. ربما لا زال لدينا وقت لنشرب فنجان قهوة.. ونشعل سيجارة.. ونحيك موعداً لإحدى الصبايا.. ونخرج لمساءٍ يضجّ بالعاشقين والأصدقاء الذين يشاركوننا وجع الحبّ والحياة.. رحمنا الله جميعا.. أنا حزين وحزني شهي ندي.. فروح محمد تملأ الجو عندي.. أتمنى لك حياة فيها شيء من المعقول.. صباح الحزن للموت طعم الحياة عندما نشعر بتفاهة كلّ ما نقوم به أو لم نقم فيه.. ليرحمك الله يا محمد ويغفر لك ما لم تقم به هل عليّ أن أقول شكر الله سعيكم.. وسعينا شتى.. مشوار عالدني.. لو بيقدر لافتش عليك.. الكذبة.. الغيم المارق.. والمنفى سمّيك.. آه يا فيروز.. محمد كان على موعد مع صبية لم تأت.. ولن يعود بوسعها أن تأت.. محمد كان على لهفةٍ لآخر سيجارة.. محمد كان يعتقد أنه لا زال هناك متسّع لآخر حماقة.. محمد لم يبدأ مرحلة الطفولة.. الحلم.. محمد لم يبدأ الثورة ليعلن هزيمتنا.. محمد لو انتظرت قليلاً.. ها أنا أعدّ فنجان قهوة وصبية صباحية لا أسعى لحضورها.. لكن وهجها يملأ النفس برغباتٍ لن تتحقق.. محمد لنشرب معاً فنجان قهوتنا.. لآخر مرّة.. المشكلة أنه يجهل الدنيا التي كان بها.. فكيف بالتي صار الآن فيها.. المشكلة أن حياتنا ما هي إلا سلسلة من الأشياء المؤجلة.. الأشياء التي لن تجيء.. المشكلة أننا ندر ونعلم ذلك.. لكننا نصرّ على مواصلة حماقاتنا.. ها أنا أرتشف ما تبقى من قهوةٍ لم يعد لها طعم القهوة.. من لا يستسيغ طعم القهوة.. كيف له أن يستسيغ طعم المرأة والصبايا.. والحياة.. وما يسمّى بالموت. ها قد تم مواراة طمليه التراب.. أحكمنا عليه الإغلاق.. لم نبق ثقباً.. فاضت الدموع.. كان هناك من جاء بحكم الفضول أو الواجب أو ربما الغيرة والحسد.. نعم هناك من يحسد الميّت على جنازته.. الآن عدنا لممارسة تثاؤبنا وبلادتنا وخمولنا.. عدنا ننتظر موتاّ ودفناً جديداً لواحد منا.. تقولين وتتمنين أن يكون قد أعدّ نفسه لهذا اليوم.. عجباً.. وهو الذي لم يبدأ الإعداد لما فات.. وهو الذي كان ينتظر موعداً مع الحياة.. فإذا به موعد مع النهاية المحتومة.. اليوم لن أشرب القهوة على الأقل في هذا الصباح.. اليوم لن أستمع لفيروز.. اليوم لن أقول شيئاً.. اليوم.. لك كلّ الودّ على الأحاسيس والمشاعر الوجدانية التي تجعل للحياة أفقاً متجدداً..