18-03-2017 12:29 PM
سرايا - سرايا - لا يُمكن قراءة الخطاب الإسرائيليّ الرسميّ وغيرُ الرسميّ حول تغيير قواعد الاشتباك مع سوريّة، دون الأخذ بعين الاعتبار عدّة عوامل مهمّة تتعلّق بما يحدث في تل أبيب: أولاً، الإعلام العبريّ على مختلف مشاربه هو إعلام متطوّع لصالح الإجماع القوميّ الصهيونيّ، ويقوم بالتغريد وفقًا لموسيقى المُستويين السياسيّ والأمنيّ في تل أبيب بهدف تمرير الرسائل إلى دمشق، الثاني، الإعلام الإسرائيليّ يخضع للرقابة العسكريّة الصارمة في تل أبيب، والتي ما زالت تعمل بحسب أنظمة الطوارئ الانتدابيّة، بكلماتٍ أخرى، فإنّ الإعلام المقروء المسموع والمكتوب والمُشاهد يلتزم بقواعد ضبطٍ ذاتيٍّ بما بتناسب مع الرواية الإسرائيليّة الرسميّة.
فعلى سبيل الذكر لا الحصر، من متابعة الإعلام الإسرائيليّ لا يفهم المُواطن العاديّ لماذا لجأت إسرائيل إلى استخدام منظومة صواريخ “حيتس3″ لصدّ الصواريخ السوريّة، مع أنّ هذه المنظومة المُتطورّة مُعدّةً لمُواجهة الصواريخ الباليستيّة، أيْ العابرة للقارّات. كما أنّ الرقابة العسكريّة منعت الإعلام من تفسير أوامر الجيش لسكّان غور الأردن بالنزول إلى الملاجئ خوفًا على حياتهم، وهذه التصرّفات، أيْ إخفاء الحقائق، تؤكّد بما لا يدعو مجالاً للشكّ بأنّ وراء الأكمة ما وراءها، وبأنّ الردّ السوريّ على الهجوم الإسرائيليّ فاجأ صنّاع القرار من المُستويين الأمنيّ والسياسيّ على حدٍّ سواء.
المُحلل للشؤون الإستراتجيّة في صحيفة (معاريف) العبريّة، يوسي ميلمان، الذي لا يُخفي علاقاته الوطيدة بالمؤسسة الأمنيّة الإسرائيليّة، أكّد على أنّ ما حدث ليل الجمعة هو الحادث الأخطر منذ بدء الحرب في سوريّة قبل ستة أعوام، لافتًا إلى أنّ الردّ ، السوريّ يشير إلى احتمال انفجار الأوضاع الأمنيّة وتطورها، وإمكانية التصعيد، وتحديدًا في ظلّ الواقع المُركّب التي تعيشه سوريّة مع وجود كلٍّ من إيران وحزب الله الطامحين إلى فتح جبهة أخرى في الجولان، إضافة إلى جبهة لبنان.
وبحسبه، فإنّه لولا تفعيل منظومة الدفاع، لما اضطرت إسرائيل إلى الاعتراف بالضربة التي وجهتها، وكانت ستستمر في سياسة الضبابيّة، مُوضحًا أنّ هناك شعورًا بالحرج دفع المتحدث بلسان الجيش الإسرائيليّ إلى التصريح في وقتٍ مبكرٍ حول الغارة، وذلك بعدما أُطلقت صفارات الإنذار في منطقة غور الأردن والقدس، تزامنًا مع تبليغ مواطنين سماعهم دوي انفجارات شديدة.
اللافت جدًا ما نقله ميلمان عن مصدرٍ رفيعٍ في الجيش، الذي أكّد على أنّ إسرائيل ليست معنيةً أبدًا بتصعيد الأوضاع وتأجيجها، لكنها ستستمر في ردّها وفق ما حددته من خطوط حمر بهدف منع حزب الله من امتلاك وسائل متطورة وإستراتيجيّة وكاسرة للتوازن، مُضيفًا أنّ حزب الله وإيران وسوريّة غير معنيين أيضًا بالدخول في حربٍ جديدةٍ ما لم تنته الحرب في سوريّة.
وكان لافتًا أنّ النتيجة التي توصّل إليها المُحلل أكّدت على أنّ الردّ السوريّ أثبت أنّ تأثير الرئيس الروسيّ، فلاديمير بوتين، على خيارات نظام الرئيس بشار الأسد والجيش السوريّ غيرُ مجدٍ. وتابع قائلاً إنّ هدف الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لموسكو، كان لتوضيح مصالح إسرائيل الأمنيّة، لكن ما حدث أمس الأوّل أثبت أنّ ما كان يُمكن أنْ يُصنّف ضمن الضربات الروتينية، من شأنه أنْ يخرج عن إطار السيطرة.
واختتم ميلمان تحليله بالقول إنّ إعلان إسرائيل مسؤوليتها عن الهجمات في سوريّة أمر نادر، رغم أنّ تلك الهجمات تكررت كثيرًا خلال الأعوام الأخيرة.
أمّا المحلل العسكريّ لموقع (YNET) التابع لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، رون بن يشاي، فرأى أنّ الأسد يشعر بالأمان: صواريخ S-200 باتجاه طائرات إسرائيلية. وساق قائلاً إنّ الرئيس الأسد يشعر بالثقة والطمأنينة في أعقاب الدعم الروسيّ، وهو ما يفسر إطلاق الجيش السوري صواريخ SA-5 لأول مرّة باتجاه طائرات سلاح الجو.
بالإضافة إلى ذلك أوضح أنّ الصواريخ التي أطلقها الجيش السوريّ، هي روسية الصنع، وحصلت دمشق على النموذج المحدث منها مؤخرًا، والأخير يتميز بخصائص اعتراضية عالية، ويصل مداه إلى مئات الكيلومترات، لكنّه ليس حديثًا مثل S300 أوْ .S400
المُحلل بن يشاي لفت إلى أنّ ما حدث يُعبّر عن تغيّرٍ مهمٍ في سياسات النظام السوريّ، المعززة بثقة الرئيس الأسد بسبب الوجود العسكريّ الروسيّ، إضافة إلى الانتصار في حلب، والأسلحة الإستراتيجيّة التي تزوّد بها الجيش السوريّ في الآونة الأخيرة، فضلاً عن كون الضربات ضدّ إسرائيل ذات قيمة معنوية مهمة بالنسبة إلى النظام. وخلُص بن يشاي إلى القول إنّ الردّ السوريّ نذير شؤم، ويُشير إلى إمكانية ارتفاع التوتر وقابلية الانفجار، وصدامات قد تتطور إلى حربٍ، على حدّ تعبيره.
إلى ذلك، أفاد موقع صحيفة (يديعوت أحرونوت) على الإنترنيت أنّ سفير تل أبيب في موسكو، جيري كورين، والذي قدّم أوراق اعتماده يوم الأربعاء الفائت، للرئيس الروسيّ، دُعي إلى وزارة الخارجيّة الروسيّة لمحادثة توضيح بعد الهجوم الإسرائيليّ على سوريّة. ونقل الموقع عن مصادر رفيعة في تل أبيب قولها إنّ الحديث يدور عن خطوةٍ نادرةٍ وغيرُ مسبوقةٍ، ذلك أنّ روسيا درجت على تجاهل الهجمات الأخيرة لإسرائيل في العمق السوريّ، على حدّ تعبيرها.رأي اليوم