29-03-2017 08:04 AM
بقلم : العقيد المتقاعد بشير الدعجة
سأتناول في تحليلي هذا موضوع اجراءات التفتيش الامني واثره على بسط الامن والامان وكذلك انعكاساته السلبية على الامن العام والمواطن...وسأركز فيه على امن التجمعات والاسواق والاماكن العامة والمهرجانات والمناسبات الوطنية التي نحتفل بها في كل عام وخاصة ايام الصيف...وكذلك اجراءات التفتيش التي تتبعها وحدات الامن العام المختلفة والاجهزة الامنية الاخرى...ومدى دقتها وصحتها وكذلك توفر سبل وسائل السلامة العامة لرجل الامن والمواطن اثناء عملية التفتيش.
سأتناول في تحليلي شقين من الاجراءات الامنية المتبعة والتي نلمسها يوميا...الاول ما تقوم به شركات الامن الخاصة في كثير من الاسواق والمولات وحراسة بعض الموؤسسات الاهلية...والشق الثاني اتناول فيه الاجهزة الرسمية الممثلة بدوائر الامن العام وما تتبعه من اجراءات تفتيش يومية تطال شريحة واسعة من المواطنين...فلا بد من تسليط الضوء على هذين الجانبين او الشقين للفت انتباه اجهزتنا الامنية الى ايجابيات وسلبيات اجراءات التفتيش لشقيها الرسمي والخاص...وذلك لاعادة رسم الخطط الامنية المتعلقة باجراءات التفتيش وفق المتغيرات التي تشهدها المنطقة والتي انعكست تداعياتها السلبية الامنية والاجتماعية والاقتصادية والسياحية على المملكة...
لعل وعسى ان يلاقي هذا التحليل الامني اذان صاغية وعقول منفتحة تاخذه بجدية دون الاستهتار او استهانة...لاننا ذقنا ويلات الاستهتار باجراءات التفتيش الامني الصحيح...وفقدنا مواطنين اعزاء علينا...وما حادثة الفنادق المشؤومة عام 2005 الا دليل وشاهد على ضعف اجراءاتنا التفتيشية التي لم ترتقي يومها الى اقصى درجات الجاهزية بالرغم من التهديد الصريح والواضح من عصابة القاعدة الارهابية لنا ...كما ابطلت وحدة فرسان الحق التابعة لدائرة المخابرات العامة العديد من العمليات الارهابية التي لو نفذت – لا قدر الله – لكانت الخسائر البشرية والمادية والمعنوية كبيرة جدا لا تقاس باي رقم حسابي اصم...لكن نشامى فرسان الحق كانو لهم بالمرصاد وافشلوا جميع مخطاتهم الارهابية.
ان اجراءات التفتيش الامني من قبل شركات الحراسة الخاصة التي يتم التعاقد معها من قبل المؤسسات الاهلية الخاصة والتجمعات والاسواق الكبيرة هي اجراءات امنية ضعيفة ضحلة تنم عن عدم خبرة اثناء التفتيش ... وبعيدة كل البعد عن ادنى درجات الحس الامني...وتشعر بأن رجال/نساء الامن الخاص متواجدين على بوابات الاسواق والتجمعات هو مجرد ديكور امني لا أكثر...
فاجراءات التفتيش سطحية ورفع عتب ولا يتم تمشيط الشخص المنوي تفتيشه تمشيطا دقيقا اثناء عملية التفتيش ...حيث يركز المفتش على (منطقة الصدر) وبصورة خجولة غير دقيقة تاركا بقية اجزاء الجسد دون تفتيش...علاوة موضوع للدكور او لالتقاط الصور(السلفي)(Xray)على ذلك ان جهاز التفتيش
بجانبه ...فيمر الشخص من خلاله ويصدر عن الجهاز اشارة وصوت بان هذا الشخص يحمل داخل جسمه او ملابسه معدن ...الا ان مفتش الامني الخاص يطلب من هذا الشخص مواصلة مسيره الى السوق او المول او المؤسسة وبنظرة خجولة تصاحبها ابتسامة عريضة دون اكتراث او اهتمام بما اشار اليه جهاز التفتيش مع تدني واضح لمستوى الحس الامني لدى هذا الحارس الامني...وان دل هذا على شيء فانما يدل على قلة خبرة وضعف تدريبي اضافة الى ذلك عدم ارتقائه بالمسؤولية الى مستوى الحدث فيما اذا كان الشخص يحمل مواد متفجرة او اسلحة...ومعظم الحراس الامنين في هذه الاسواق والمؤوسسات والمولات ليس لديهم الخبرة الامنية الكافية والتدريب الامني المتقدم والمهارات الامنية للتعامل الامثل عند اجراء عمليات التفتيش...ناهيك عن عدم الحزم في اخضاع جميع المواطنين الداخلين الى المول او السوق الى اجراءات التفتيش الدقيق...فبعض المواطنين يرفض حتى المرور عبر جهاز الفحص(XRAY) بمباركة من موظفي الامن الخاص...
والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا لو حدث حادث ارهابي انتحاري-لا قدر الله-؟!!!...ماذا سيحل بنا...ما هي نتائج ذلك من وفيات واصابات وخسائر مادية ؟!!! عدا موقفنا المحرج والمخجل امام العالم عن ضعف اجراءاتنا الامنية ونحن بلد يضرب المثل به بقوة اجهزته الامنية وقدرتها الاستخبارية التي تستطيع افشال اي مخطط ارهابي في مهده.
ومن الامور التي يتغاضى عنها موظف الامن الخاص عند تطبيق قواعد واصول التفيش الصحيح هو العنصر النسائي...فالمتتبع لعمل هذه الاجهزة الامنية الخاصة يشاهد ان العنصر النسائي لايفتش جسديا ولا حتى ما تحمله بيدها من حقيبة او اغراض اخرى فيسمح لها بتجاوز جهاز الفحص والمرور الى داخل السوق بكل ما تحمله دون تفتيش...فماذا –لا قدر الله- ان كانت تحمل مواد متفجرة او اسلحة؟!!! ...فهذه ثغرات امنية ترتكبها شركات الامن الخاصة لا بد من الانتباه اليها امنيا...وقد يستغل المتربصين بالوطن واعدائه العنصر النسائي لتنفيذ مخططاتهم الارهابية من منطلق ان العنصر النسائي لا يجوز تفتيشه في الاسواق والمولات والمهرجانات وغيرها من التجمعات البشرية...لافتا الاجهزة الامنية الى ضرورة وجود اماكن (خلوة) لمزيد من التدقيق والتفتيش الآمن للرجال وللنساء الذين يشتبه بهم وتفتيشهم داخلها للتأكد من صحة اوضاعهم الامنية وعدم تشكيلهم اي خطورة على المولات والاسواق ومرتاديها.
أنني اقترح على شركات الحراسة والامن الخاصة ان تستعين بعناصر لهم الخبرة الامنية والعسكرية الطويلة وممارسة للعمل الامني ومنها اجراءات التفتيش الدقيق للاشخاص ومتعلقاتهم ومركبتهم...كذلك اخضاع عناصرها الى دورات تدريبية متنوعة ترفع من درجات الحس الامني لديهم وتكسبهم مهارات وخبرات متعددة...وضرورة عقد دورات لهم حول المتفجرات وانواعها والاسلحة الخفيفة واشكالها خاصة ما يتعلق بالاحزمة الناسفة والقنابل اليدوية والمسدسات والاسلحة الاتوماتيكية وغيرها.
واتساءل هل هنالك تنسيق وخطط امنية بين هذه المجموعات الامنية والاجهزة الامنية الرسمية ؟... هل يتم عقد اجتماعات تنسيقية دورية بينهم لتبادل المعلومات الامنية وكل من شأنه ان يشكل خطرا على أمن المواطنين داخل المولات والاسواق والتجمعات البشرية ؟.
هل الدوريات الامنية الرسمية المتواجدة في هذه الاسواق والمولات تقوم بواجبها الامني من حيث مراقبة عناصر هذه الشركات وتوجيههم امنيا؟!!!... وما مدى قيامهم بواجباتهم الامنية التفتيشية على اكمل وجه ؟... هل تقوم الدوريات الامنية للاجهزة الرسمية بكتابة التقارير حول اداء هذه العناصر الامنية الخاصة لتقيمهم بالتنسيق مع شركاتهم .ام كل يغني على ليلاه ؟!!!!.
ام ان الدوريات الامنية للاجهزة الرسمية تعمل بمفردها دون تنسيق؟!!!... وعدم وجود خطة امنية تكاملية مع شركات الامن الخاصة لمراقبة الاسواق والمولات والمؤسسات والتجمعات البشرية !!!.... او ان حضور الدوريات الامنية لهذه الاماكن من اجل قضاء الاوقات واستنزاف وقت الدورية والسهر والتجوال بالاسواق والمولات واقامة العلاقات الشخصية مع التجار وبعض مرتادي هذه الاسواق من الشباب وغيرهم !!!...
هل هنالك رقابة فعلية على عمل الدوريات الامنية في هذه الاسواق والمولات والمهرجانات من قبل مسؤوليهم وتقييم ادائهم بشكل منظم ودوري ؟!!.. ام ان طاقم الدورية يخرج ويعود بدون رقيب وحسيب!!!...هل يتم التدقيق الامني لمرتادي الاسواق والمولات واقصد هنا المتكررين عليها ويقضوا ساعات طويلة يوميا متسكعين داخل هذه الاسواق والمولات بدون شراء او بيع سوى مضايقة مرتادي هذه الاماكن وافتعال المشاكل معهم !!!....
اما الشق الثاني من التحليل ...فهو دوريات الشرطة واجراءات التفتيش الامني الذي تمارسه ... حيث تشعر بان بعض شرطتنا غير مدربة تدريبا احترافيا على كيفية اجراء عمليات التفتيش اثناء توقيف الاشخاص والمركبات ... وانني اتسأل هنا هل هنالك دورات متخصصة عن قواعد واصول التفتيش الصحيح ؟!!!... وهل خضع رجال الامن العام قبل التعامل مع الميدان الى مثل هذه الدورات؟ ...اعتقد اذا استثنينا وحدة او وحدتين من الامن العام فان الغالبية العظمى لم تخضع لمثل هذه الدورات الهامة عمليا ... قد يكون هنالك دورات نظرية حول التفتيش نظريا لكن عمليا !!!!!! اعتقد انها بحاجة الى اعادة تقييم لدورات التفتيش..وشاهدي في ذلك ما نشاهده في شوارعنا من عمليات تفتيش تنم عن ضعف واضح وتدريب واهن او عقيم او خبرة ومهارات منقوصة تحتاج الى تنمية وصقل لدى بعض العناصراثناء عملية التفتيش الامني ...فتجد ان ابسط قواعد السلامة العامة لطاقم الدورية للمحافظة على سلامتهم غير متوفرة...وتشعر ان الحس الامني لدى البعض فى ادنى مستوياته.... فماذا تفسرتصرف احد افراد الدورية وانشغاله بمكالمة هاتفية بعد منتصف الليل او ارسال مسجات وزميله منهمكا بتفتيش اشخاص ومركبات قد يشكلون خطورة على حياته وحياة زميله.... اين الحس الامني لدى بعض طواقم الدوريات عند توقيف اكثر من مركبة في آن واحد وتتم عملية التفتيش من قبل الطاقم كلا على حدة دون حماية حقيقية لهم !!! ...ماذا لو تفاجأوا باحد المطلوبين الخطرين واطلق النار على الدورية ؟!!!... والشواهد حول ذلك كثيرة وخسرنا شهداء جراء ذلك.... ما زلت اصر ان الحس الامني لدى بعض رحال الامن العام بحاجة الى رفع وتعزيز...وماحادثة القطرانة المشؤومة الا دليلا على هذا الضعف في الحس الامني.
ان اجراءات التفتيش للاشخاص والمركبات ما زالت - احيانا - لا تتبع فيها ابسط قواعد واصول التفتيش ... وهذا يتطلب من قيادة الجهاز الشرطي ومسؤولي التدريب استحداث دورات متخصصة حول عمليات التفتيش الصحيحة للافراد والمركبات والاماكن المختلفة ينخرط فيها كل من يتطلب عمله الميداني او العملي ذلك... واعادة تقييم الدورات التي تدرب حول هذا الموضوع .... وايضا ما زلت اصر على عقد دورات ذات مستويات مختلفة لرفع مهارات ودرجات الحس الامني لدى البعض من رجال الامن العام...وما زلت اصر كذلك ان ينخرط كل رجل امن عام في دورات متخصصة كلغة الجسد ومهارات الاتصال والتواصل مع المواطنين او الجمهور وكيفية التعامل مع الانماط البشرية المختلفة... لان هذه الدورات واتقانها تساعد رجال الامن العام للقيام بواجباتهم على اكمل وجه...
ان من يقوم بعملية التفتيش يجب توعيته وتثقيفه باحترام الاشخاص المنوي تفتيشهم والتعامل معهم بصورة حضارية وحسن احترم ادميتهم واوقاتهم وظروفهم ... وان تتم العملية بسلاسة دون المساس بكرامتهم وخصوصياتهم مع المحافظة على حاجياتهم الخاصة وعدم العبث بها او التسبب باتلافها او فقدان بعضها ... وعند تفتيش المنازل يجب ان تتم بالطرق القانونية مع احترام خصوصية المنازل وحرمتها ... اضافة الى عدم العبث بمحتوياتها واعادة كل شيء الى مكانه بعد اتمام عملية التفتيش ... والنقطة الاهم هي عدم التشهير باصحاب المنازل وما تم داخل المنزل من اجراءات تفتيشية وما نجم عنها من ضبوطات والقاء قبض ... فالبيوت لها حرمتها وعلى رجال الامن العام احترام وتقديس ذلك ... وعدم فرد العضلات من قبل البعض والمباهاة امام الاصدقاء والمعارف وسرد تفاصيل عملية التفتيش لهم وكيفية اتمامها ... ومنزل من تم تفتيشه وماذا ضبطنا وعلى من القينا القبض وماذا فعلنا بهم ... فهذه من الامور السرية التي يجب عدم البوح بها نهائيا ... فالتثقيف بهذه الامور مطلب اساسي والسرية في العمل من ابجديات واخلاقيات الوظيفة الشرطية ... والمحافظة على ممتلكات واعراض واموال واسرار المواطنين اول واجب لرجال الامن العام وفق قانون الامن العام .
ان دوريات الامن العام في بعض الاحيان تختار اماكن خطرة لاجراء عمليات التفتيش ... فهي تشكل خطرا عليهم وعلى مستخدمي الطريق ... فيختاروا اماكن غير امنة كالوقوف في مكان خطر على طريق سريع ذو سير مزدحم ... مع وضع عشوائي وغير مدروس لوسائل السلامة العامة (كالاقماع الفسفورية) ... فطريقة وضعها على الطريق تدل على جهل واضح وتدريب عقيم في كيفية استخدامها من قبل البعض ... ووقوف الدورية يدل احيانا الى عدم تخطيط اوعدم معرفة هدفها و كيفية تواجدها ...
واخيرا مازلنا نصر على ان انتشار الدوريات بالبزة العسكرية يجعل المواطن يشعر بالقلق والخوف على نفسه وامواله كما يشعر السائح والمستثمر بان الوضع الامني غير مستقر في بلدنا ... وان هنالك حدث امني ما سيحدث في اي لحظة مما يضعف الاستثمار والسياحة بل يجعلها تهرب الى دول اخرى
ان التركيبة الديمغرافية لبلدنا تغيرت بشكل كبير جدا وهذا يتطلب من الاجهزة الامنية زيادة الوعي والحيطة ورسم الخطط الامنية وفق هذه المتغيرات ليبقى بلدنا واحة امن واستقرار تحت ظل راية عميد ال هاشم جلالة الملك المعزز عبدالله الثاني المفدى ... وللحديث بقية
الدكتور بشير الدعجة الناطق الاعلامي السابق للامن العام