29-03-2017 09:16 AM
بقلم : زيد ابوزيد
دوماً كنت أرى أنَ ما يميز بلد عن آخر في مظاهر التطور والرقي هو نظامه الاداري وتسلس المسؤوليه ونطاق الاشراف للوظائف وخصوصية الادوار فيه، إبتداءاً من موقع الوزير او المدير العام في اي مؤسسة او وزارة وصولاً إلى وظائف الفئة الثالثة ، وكنت أشاهد بأم عيني قيام أفراد بأعمال تتخطى وظائفهم أو أفراد يمارسون دورا دون وظائفهم ومسؤولياتها ليس تواضعاً وانما جهلاً وعجزاً عن تنسيق جهود العاملين او قيادة الفريق العامل الى تحقيق المنجزات، بل ان الجزء الميداني من العمل اختلطت فيه الادوار بحيث ان الجميع في طول البلاد وعرضها يمارسون ذات الادوار على العاملين لدى تفقدهم هذه المؤسسات وبخاصة في المؤسسات التربوية، ومن المفارقات ان المدارس على سبيل المثال تزار ويتم التدقيق فيها على مجموعة من الوثائق والسجلات بشكل تلقائي دون تحديد لماذا وكيف تم ذلك، حتى سقطت من قاموسي كلمة ان الوزير في وزارته راسم سياسات وموجه اعلى للنظام الاداري ومفكر استراتيجي لان الحابل في الانظمة الادارية المتخلفة اختلط بالنابل ، أما وقد أوكلت وزارة التربية والتعليم للدكتور عمر الرزاز بعد وزراء تعاقبوا على وزارة التربية لا نقول الا انها المهمة الاصعب والدور الاكبر ونقدر من عمل واجتهد ونتمنى الخير للجديد القادم الذي نرى في دوره انتقالاً حقيقياً الى مفهوم الدور السياسي للوزير وهي مهمة لن يتجاوزها من فقد نظرية متكامله في العمل والتفكير، والاطلاع على تاريخ الرجل وكتاباته تقول ان الوزير الرزاز يمتلك على المستوى الشخصي فكرياً وسياسياً وادارياً كل مقومات النجاح تلبية لاستحقاق مرحلة معقده في عصر معقد، وفي هذا المقال وهو واحد من سلسلة مقالات اكتبها عن فلسفة التغيير والتطوير للادوار اتجهت فيها اولا لدور المعلم لاهميته رغم أن الحديث اتجه تربوياً منذ فترة طويلة نسبياً،لاعتبار الطالب محور العملية التعليمية -التعلمية،إلا أن التجارب أثبتت أن المعلم هو الركيزة الأساسية في أي نظام تعليمي، وبدونه قد لا يستطيع أي نظام تعليمي تحقيق أهدافه حتى مع مناهج وكتب جديدة على أهميتها وضرورتها العاجله، ومع دخول العالم عصر العولمة والاتصالات والتقنيات من أوسع أبوابه ،فقد ازدادت الحاجة إلى المعلم المدرب الذكي الواعي لدوره المواكب للتطور، ليلبي الحاجات المتغيرة للطالب والمجتمع معاً، ومن هنا ظهرت الحاجة إلى استراتيجيات جديدة تضمن استمرار مجاراة المعلم للعصر الذي يعيش فيه ،وأهمها إستراتيجية ” التعلم مدى الحياة للمعلم” والتي تجعل من المعلم مهنياً منتجاً للمعرفة ومطوراً باستمرار لممارساته المهنية، مما يغير بشكل جذري الرؤى التقليدية في التعليم والنظام المدرسي، ويقدم عملية الوعي بأن التعليم والتدريب هي عملية مستمرة مدى الحياة وتحتاج الى التخلص من نموذج المدارس الصغيرة والكتاب المليء بالحشو واللغو الى فضاءات المدارس الكبرى التي يحولها المعلم المتطور بمساعدة المنهاج الذكي والكتاب الموجه الى عالم افتراضي عميق، وهي نظرة لن تساعدها امتحانات اليوم فتنطلق عملية التطوير الى الطالب الباحث والى تقييم لهذا البحث حتى نهاية المرحلة الثانوية ونصمم نموذجنا الخاص القادر على الحياة بكل مفرداته.
إن التحليل الذي تم في بعض الأقطار للنظم التعليمية أظهر الحاجة الماسة إلى نوع من التعليم المستمر وكان لنموذج فلندا نصيبه من البحث اذ ازيل الحشو من مناهج بلادهم وانتقلت فعاليات الحصة لتكون جزءاً من حياة الطالب البحثية دون مس بالهواية التي عززت ولا مس بحاجة الطالب الى يوم دراسي قصير ويوم بحثي ممتع فطور دور المعلم ومن ثم الطالب الذي اصبح شريكاً حقيقياً فقد علمَ كيف يصل الى المعلومة بعيداً تلقينها، اما في نماذج اخرى فقد أوضحت التحليلات للنواحي الثقافية والاجتماعية الآنية والمستقبلية للأقطار ضرورة وجود جهود للارتقاء بمستوى المعلم ضمن شعار” تطوير المعلم”، لكن العمومية التي يتسم بها هذا الخطاب لا تصل إلى عمق العملية الحقيقية المتعلقة بعمل المعلم اليومي، وتغييب مبدأ اعتماد تطوير المعلمين على الجهود التي يقوم بها المعلمون أنفسهم لتطوير أنفسهم، ذلك المبدأ الذي يؤدي إلى تغير المدارس إلى الأفضل وضمن مفهوم” التعلم مدى الحياة للمعلمين “ وهو مفهوم يغير شكل المدرسة جذرياً وتنتهي من القطاعين العام والخاص مدارس الضغوط الاجتماعية الصغرى الهادرة للمال العام والخاص الى المدارس الكبرى ذات الامكانات الكبرى القادرة على تحويل مسار البوصلة الى الاتجاه المطلوب والملبية لحاجات العصر الجديد لتتشكل نواة المدارس البحثية وهي الخطوة اللازمة لتوجد عندنا جامعات بحثية منافسة.
إن تطبيق ” التعلم مدى الحياة للمعلمين” يشكل تحدياً مطلوباً للمعلمين للارتقاء بالأساليب والطرق التي يستخدمونها للتدريس ، ويمنحهم دوراً مهمـــــاً في المجتمع مما يؤدي إلى تحقيق إعادة تشكيل مهنة التدريس برمتها، وإعادة الاعتبار للمعلم ، ليفتح بذلك مجالات مهنية جديدة تدعم جهد المعلمين ليكونوا هم أنفسهم متعلمين مدى الحياة.
إن مبررات تبني هذا المفهوم تأتي من حقيقة أن المعلمين داخل صفوفهم يواجهون ضغوطاً كثيرة ومطالب متعددة نتيجة تغير المجتمع ودخوله عصر العولمة محاولين في ذلك التعامل مع تلك المطالب بنجاح.
إن دور المعلم في عصر العولمة ، عصر الإنترنت و التعلم والتعليم عن بعد، له مكانة خاصة في العملية التعليمية ، فالمعلم بما يتصف به من كفايات و ما يتمتع به من رغبة و ميل للتعليم هو الذي يساعد الطالب على التعلم و يهيئه لاكتساب الخبرات التربوية المناسبة .
فصحيح ان الطالب هو محور العملية التعليمية التعلمية، و ان كل شيء يجب ان يكيف وفق ميوله ورغباته و استعداداته و قدراته ،إلا أن المعلم لا يزال الشخص الذي يساعد الطالب على التعلم و النجاح في دراسته و لا يزال المسؤول عن تحقيق أهداف المؤسسة التعليمية التي يعمل فيها و من ثم تحقيق أهداف النظام التعليمي في أي قطر، فبدون مساعدة المعلم و إشرافه لا يستطيع الطالب ان يتعلم بالشكل الصحيح مهما كانت المرحلة التعليمية التي يوجد فيها، فالمعلم هو صاحب الشخصية المستقرة في نفس الإنسان المتعلم، وهو الخبير الذي أقامه المجتمع لتحقيق أهدافه التربوية، وهو القيم على التراث الثقافي، وهو الذي يضع السياج حول التراث المقصود ويعمل على تعزيزه، والمعلم يعتبر حجر الزاوية في المسيرة التربوية، ويكاد يمثل الجسر الذي يربط بين التغيرات الأساسية في المجتمع والكائن الحي الإنسان عضو المجتمع، فهو إذن من الركائز الأساسية في بناء الصرح الوطني المنشود ضمن تعزيز مفهوم التشاركية ومفاهيم الحرية والديمقراطية.
إن نجاح أبنائنا وبناتنا يعتمد على نوعية المعلم الذي يواجهونه كل صباح، حيث يعلم أغلبنا أن كثيراً من المعلمين كانوا طليعة الحركات التنويرية التي أطلقها المجتمع للتحرر من العبودية والاستعمار، وكان طلابنا يجدون ملاذهم في ذاك النوع من المعلمين لقيادة التغيير، لذا فإن تحسين التعليم والتربية يعتمد على تحسين تربية المعلمين، وتحسين التعليم يرتكز على تحسين المدارس، وهذه تؤدي إلى تقوية الجيل الناشئ، وتقوية هذا الجيل هو واجب اجتماعي يؤدي إلى قيام المجتمع بدوره في الدفاع عن حقوقه ومكتسباته في مواجهة كل محاولات الاعتداء عليها وعلى الأوطان، فالوطن والمواطنون يجدون في المعلمين وأبنائهم الطلبة الملاذ الذي يحمي، والسند الذي يدافع والدرع الذي يقي من الهبّات العاتية ومن هنا تأتي المقاومة لكل تغيير منشود لان الفاعل الرئيس فيها لم يتم العمل على شخصيته وكيانه ففقد الدور واصبح مقاوماً لانه بكل بساطة ليس شريكاً فيه وهو ما استنتجت ان وزير التربية والتعليم الرزاز ادركه سريعاً فبث رسالة الشراكة مع المجتمع وأكد على دور نقابة المعلمين وأشاد في معلم الاجيال بوصفه الشريك الحقيقي الواعي لاحداث التغيير المطلوب.
إن المعلم اذا فهم طبيعة المجتمع وشخص أمانيه وآماله وعرف تفاصيل أبعاده، فهو القادر على معرفة المعوقات التي تقف في طريق تحقيق الآمال والأهداف، وهو القادر على تحديد الداء والدواء، فإذا كان قادراً على تشخيص مشاكل طلابه فإنه يستطيع تشخيص مشاكل مجتمعه فالإنسان ابن المجتمع، والمعلم مرحلة متقدمة من هذا المجتمع بحكم وعيه وثقافته وسعة اطلاعه ومبادئ أمته التي يهتدي بنورها في طريقة تعامله مع طلابه، وفهم المعلم لمشاكل طلابه كما هو فهمه لمشاكل مجتمعه تساعده على أداء رسالته بشكل أكثر وضوحاً وأكثر قدرة في الوصول إلى تحقيق غاياته وأهدافه.
ولأن التربية قادرة على تغيير المجتمع نحو الأفضل، فالعالم الجديد الذي نود بناءه يحتاج إلى إنسان جديد، وليس هناك من طريق إلى ذلك إلا عن طريق التربية ولا أحد يمتلك مقود التغيير وتحريكه إلا المعلم، فلا تغيير جذري ونوعي في مؤسسات الدولة إن لم تسبقها ثورة في التربية، ولن يكون هناك من ثوار إلا طلائع المعلمين، أما الجنود الأوفياء الذين يسلكون طريق التغيير ويعملون على تعبيده فهم الطلاب الذين تتلمذوا على أيدي هؤلاء المعلمين المدربين والمؤهلين والمحركيين للتغيير بعيداً عن الدور التقليدي المسكون بالخرافات، فمعلم الغد قائد حقيقي في مدرسته يؤمن بقيمة حرية الفرد وحرية المجتمع ومؤمن بتكامل قطاع التربية مع غيره لبناء الاقتصاد الذكي المستدام وهو المبادر للتغيير بدلاً من قيادته لقوى الشد العكسي المجتمعية للتغيير دون وعي او علم وهو لا يتحمل مسؤوليته فلم يعد سابقاً لذلك الدور.
إن تحديات المستقبل لا بد وأن تؤثر على دور المعلم ومهماته التي لا بد وأن يعيها المعلم حتى يتمكن من أداء رسالته على أكمل وجه ،وأهم تحديات المستقبل، الانفجار السكاني ، وتداخل مجتمعات المعرفة ، والثورة المعرفية والتكنولوجية وثورة الاتصالات ، والعولمة الاقتصادية والثقافية والسياسية والتربوية ، وكذلك هيمنة العالم المتقدم على ميادين العلوم والابتكارات ، إلى جانب الفقر والتخلف والجهل والتطرف والارهاب الذي يرمي بتلابيبه على دول العالم الثالث ومعظم أقطار العالم العربي منه وحقيقة اصاب وزير التربية والتعليم الرزاز عندما قال في ذلك ان مناهجنا لا تولد التطرف رغم فقرها وعدم مواكبتها للتطورات ولكنها عجزت عن تحصين الافراد عن ثقافة التطرف والتعصب المقيته فكان المركز الوطني ضرورة كنظام قابل للتطور تبعاً للمرحلة التي يعيشها نظامنا التربوي ويتطور معها.
إن من أهم الوسائل التي تساعدنا على بناء استراتيجيات لمواجهة هذه التحديات هو الأخذ بشعار التربية المستدامة التي تجعل من الإنسان متعلماً طوال عمره، والتركيز على مهارات التعلم الذاتي التي تجعل من الإنسان قادراً أن يعلم نفسه بنفسه مع أقل قدر من المساعدة سواء من المعلم أو من الآلات التعليمية مثل الهاتف المحمول الذكي و الحاسوب، والآلات الإلكترونية الأخرى، ويرتبط بالتعلم الذاتي قضية التعليم عن بعد كوسيلة لمواجهة تزايد الطلب على التعلم، وبأقل جهد وكلفة ممكنين، مما يساعد في أن يتعلم كل فرد حسب طاقاته وبالسرعة التي تناسبه، كما يتطلب التعليم عن بعد استعمالاً أوسع للوسائل التعليمية التي تساعد المتعلم على فهم ما يتعلمه بشكل أفضل، ولا بد من الاستفادة من الإمكانات الهائلة التي توفرها وسائل الاتصال والإعلام والهيئات الحكومية والخاصة “غير المدرسة”من أجل تنفيذ عملية التعليم بكفاءة وفعالية وعبر تصميم نظام امتحانات تنعقد في الجامعات والقاعات المجهزة على مدار العام فما الحكمة من ربط النتائج دائما بالقبول الموحد الذي يجب ان ينتهي لصالح القبول المباشر من قبول الجامعات، ونهاية القول هنا ان التغيير الايجابي قادم والغد اجل باذن الله.