بقلم :
نـُـشـْفِقُ على الجيل الطالع من الشـُبـّـان والشـّابات، ومَنْ هُم أكبر منهم سناً، الذين يقصدون محطات بيع المحروقات، ثم يفتحون نوافذ سياراتهم أوتوماتيكيا أو يدوياً ، مـُصْدِرينَ أوامرهم لعمال المحطات بتعبئة خزاناتها بالبنزين، دون أن يكلّـفـوا أنفسهم مـُجرّد النظر إلى أرقام عدادات المضخّات إن كانت كلها أصفاراً، قبل أن يُدْخِلَ عمال المحطات خراطيم ضخ البنزين في مخازن وقود سياراتهم... أو حتى الالتفات إلى العدادات للتأكد من الكمية التي تم ضخّها، وإنْ كانت متطابقة بالتمام والكمال مع المبالغ التي دفعوها سلفاً! وقد يبرز من يقول: لكن هناك عدادات حديثة تتحوّل أرقامها أوتوماتيكياً إلى أصفار بمجرد رفع أدوات الضخ. وأن غيرها لا يعمل إلا إذا طـُبـِعَتْ على الأزرار المخصصة القيمة المراد التعبئة على ضوئها! نقول هذا الكلام لا غبار عليه، إنْ نظر المواطن إلى وضعية العدادات قبل الضخ وبعده، وإنْ نظر أيضاً إن كان الكبس على الأزرار صحيحاً! ومن باب العلم نقول أن هناك من يقصد المحطات ويضع بثلاثة أو أربعة دنانير فقط لدراجته، أو ليُسَلـِّـك أموره، وتبقى القيمة غير ملغاة، حتى إذا حضر زبون جديد نقل العامل الخرطوم إلى مركبته بلمح البصر وفي هذه الحالة يضاف المبلغ القديم الذي تم استيفاؤه عليه! ثم أننا نسأل القائل: كيف يفسّر لنا أوامر عـمـّال المحطّات التي لا تنفك لزبائنهم، الذين مع المدة أتقنوا فنون قراءة وجوههم، وهم يعرفون أنهم يتسمّرون على مقاعدهم ولا ينزلون: "قـَدّم السيارة قليلاً... أرجعها قليلاً ... ليس من آلة الضخ هذه بل التي أمامها أو خلفها" وهكذا...، هذا الأسلوب مقصود منه عدم تمكين السائق أو السائقة من مشاهدة العدّاد، يجيء هذا بعد دراسة زوايا الأبعاد التي أتقنها عمال المحطات بالمِراس! ولا شك أن القارئ الكريم قد مرَّ بمثل هذه الحالة –ولكن على مَضَضْ- في وقت كان فيه منهمكاً عند وصوله أحدى المحطات، بمكالمة صادرة أو واردة أو بدردشة مع صديق إلى جواره أو في أسباب أخرى! والجدير بالذكر، أن السيدات والصبايا هنّ المستهدفات في الغالب لِحَرَجِهنَّ من الخروج من مركباتهن لمراقبة وضعية العدادات، وأيضاً لشعورهن بالخجل من المجادلة... أو العودة فيما لو اكتشفت إحداهن أن إبرة عداد خزان البنزين داخل مركبتها لم تتحرك إلى المستوى المتوقع الذي دفعت قيمته. ومما يسترعي الانتباه، أنَّ المواطن إنْ أعطى عامل المحطة سلفاً ورقة نقدية من فئة العشرين أو الخمسين على سبيل المثال، وطلب مؤونة بنزين بعشرة دنانير فقط ، فإن العامل يتباطىء في إعادة الباقي، وفي نيته أن ينسى المواطن، وخصوصاً إنْ انشغل بأمر ما. حيث ترى العامل وقد أخرج من جيبه كومة من الأوراق النقدية تمويهاً، ثم يقوم بالتحدث مع عامل آخر، أو سائق مركبة أخرى: "قـرّب...بـعِّد.." ليدعي بعدها حالفاً أقسى الإيمان أنه أعاد الباقي ما لم يجابهه الزبون مُخْرِجاً جيوبه الفارغة وأنه لا يملك إلا تلك الورقة التي أعطاها سلفاً له... هذا إنْ كانت آخر ورقة نقدية في جيبه وإلا "راحت عليه!" وإن اكتشف المواطن بعد مغادرته، أنه لم يأخذ الباقي وعاد إلى المحطة انبرى عامل المضخة الدفاع بلغة سوقية، وسرعان ما يلتف حوله عمال المحطة للدفاع عنه وكيل التهم للطرف الآخر! ثمة ملاحظة، نوجهها إلى من يعنيهم الأمر في الدوائر الرسمية المختصة، بضرورة مراقبة عبوات الزيوت المستخدمة لمحركات السيارات، حيث أن هناك في بعض المحطّات من يقوم بجمع العبوات الفارغة، ونخص بالذكر البلاستيكية مرتفعة الثمن بأحجامها المختلفة ويعيد تعبئتها بأنواع ذات مستوى متدني ورخيص... ويغلف غطائها الداخلي بذكاء، حتى إذا حضر مواطن غير عارف بمثل هذه الألاعيب سُكِبَت في مُحركه... وألقِيَ الفارغ في قمامة مجاورة لحين مغادرته، ليُصار إلى تعبئتها مجدداً ووضعها على الرف لزبون جديد يريد تغيير زيت محرك مركبته! نـُعيدُ ولا نـَملُّ من تكرار ضرورةِ الحرصِ والحذر، وعدم فتح المجال لزُمرٍ ذهبَ الدهرُ بجميع حواسهم، ليتحايلوا على أناس بلدنا. مع قناعتنا أن أصحابَ محطاتِ بيع المحروقات الأوفياءْ وهم كثرٌ في بلدنا، ولله الحمد، والذين لا تسمح ظروفهم التواجد في محطاتهم باستمرار، يرفضون أية ممارسة تسيء إلى سمعة محطاتهم من بعض العمال -ولا نـُعَمِمْ في ما أتينا عليه- الذين جعلوا هذا العمل مطية لأطماعهم. آملين منهم فتح أعينهم على كل كبيرة وصغيرة تجري في محطاتهم، لمصلحتهم ومصلحة إنسان هذا الأردن العظيم. حنا ميخائيل سلامة كاتب وباحث
E-Mail: Hanna_Salameh@yahoo.com