09-04-2017 08:59 AM
بقلم : سعيد ذياب سليم
جلس كل منا في مكانه المفضل ، وانطلقنا في مشوارنا بعد أخذ لوازم الرحلة من أكل و شرب و وسائل راحة وأشياء ضرورية
أخرى. إنه يوم العائلة، بعد أسبوع حافل بالعمل لم نجد فيه فرصة كي نلتقط أنفاسنا، أدْرَكَنا الخميس أخيرا رقصت له قلوبنا لهفة،
غادَرْنا أماكن أعمالنا مهرولين سعداء تزدحم في رؤوسنا عشرات الخطط لتمضية الإجازة الأسبوعية، بعد سهرة طويلة مع أفراد
الاسرة و الأصدقاء، تبادلنا فيها الحديث و النقاش حول أبرز أحداث الأسبوع المنصرم وما تناقلته وسائل الإعلام، وضعنا خطة
لقضاء اليوم التالي، نزهة برية ترويحية نجدد فيها نشاطنا ونستمد القوة لمقارعة أحداث الأسبوع التالي.
يداعب الهواء وجوهنا، تذهلنا الطبيعة بمناظرها الخلابة، ننظر حولنا ينبه أحدنا الآخر للنظر في اتجاه ما، نغرق في الصمت وتأمل اللوحة التي يصنعها اللون و الحركة حولنا، تجري بنا المركبات تحت قبة زرقاء مخملية تتوزع فيها غيوم بيضاء نسيها الشتاء ، تجري مركباتنا جريان الحب في الشرايين ، تخرج من الطرق الجانبية، تنحدر على الجسور تسير باتجاه الطرق الرئيسية في أرجاء الوطن ،
اتجاهات مختلفة ومقصد واحد، الاستمتاع بجو الربيع في ربوع بلادي. الأرض سجادة خضراء متدرجة الألوان مزينة بزهور الربيع البرية، تغطي السفوح ألوان البهجة، قطعان الماشية يسوقها الرعاة وكلابهم تثير فرحة الأطفال ودهشتهم، فقد سلبتنا المدينة الكثير و حاصرتنا بمصطلحاتها، الفلاحون يقلبون التربة و يزرعون الأرض، نراهم يجمعون خيرات الأرض و يعرضونها بجوار مزارعهم طازجة تغريك بالوقوف لتسأل وتتذوق و تحمل منها ما تستطيع.
بعد التوقف في عدة أماكن اخترنا مكان تظلله الأشجار، وضعنا أغراضنا وانطلقنا نستكشف المكان، الصغار يختبرون مهاراتهم في تسلق الصخور و الأشجار، مهارة ورثناها من ماضي الإنسانية الأولى، والفتيات يجمعن الأزهار البرية ليصنعن أكاليل و أساور، زوجتي تحمل كاميرا التصوير الخاصة بها و تبدأ البحث عن كادر للصورة والزاوية و اللحظة المناسبة ، لقطات قريبة و " بانورامية" لتضيف لمدونتها جديد إنتاجها.
كل منا بدأ رحلة يكتشف فيها نفسه و المكان، زهور رقيقة متعددة الأشكال تجذبك بساطتها، هذه إبرة الراعي، أزهارها بنفسجية خماسية البتلات تحمل إبرا صغيرة تشبه عقارب الساعة، هناك أنواع متعددة من زهور الأور كيد البرية تشبه الحشرات ، شقائق النعمان بتيجانها الحمراء، الأقحوان نجوم بيضاء تزين الحقول ،زهور منوعة تغريك بالبحث عنها على صفحات الشبكة العنكبوتية لتكتشف تاريخها عبر العصور و أن كثيرا منها لا يوجد إلا في الأردن فلا عجب أن كانت السوسنة السوداء رمزنا الوطني.
عدنا لمركزنا لشرب الشاي و تناول وجبة خفيفة، جلسنا في الظل ليطل علينا من بين الأغصان طائر أسود اللون ذو منقار أصفر عزف مقطوعة جميلة عرفنا فيها تغريد البلبل، تشاركه عصافير الدوري و الحسون، في عزف مقاطع غزل تجلوا النفس، كأنك أمام جوقة موسيقية، فإذا أصخت السمع تبينت أصواتا مختلفة بين زقزقة و صفير تشكل خلفية طبيعية للمنظر.
يعتبر إيقاد النار طقس من طقوس الرحلة الرئيسية ،فإذا علت الشعلات واتّقد الحطب علا الهتاف و الاستحسان، يذكرنا ذلك بالحركات الإيقاعية للقبائل الإفريقية ، حتى إذا تحول الحطب إلى جمر توزعت المهام بين شواء اللحم و غلي القهوة و إعداد الأرجيلة.
لا تدري كيف ينقضي الوقت، تميل الشمس إلى الغرب و يحمر الأفق خجلا فنبدأ بجمع حاجياتنا، توضع النفايات في أماكن خاصة ثم ننطلق عائدين، لتجتمع مركباتنا مرة أخرى في الشوارع الرئيسية و حول الإشارات الضوئية في تظاهرة ربيعية سعيدة، ترى الأطفال في أحضان ذويهم نائمون وقد أنهكهم التعب و الإثارة، تزحف السيارات ببطء لتتوزع على أحياء المدينة، تعب في الأطراف و نعاس يداعب الجفون بعد يوم حافل بالمغامرة فتستسلم للنوم ليأخذك الحلم في مغامرة غريبة تغذيها رؤياك النهارية.