10-04-2017 09:15 AM
بقلم : د. فيصل الغويين
ثمة أيام في حياة أمتنا والعالم لا تنسى ، وتبقى ذكراها محزنة وسوداء، ولعل احتلال بغداد في التاسع من نيسان 2003 هو أحد هذه الأيام التي لا تزال تلقي بظلالها الكئيبة على هذا الزمن العربي الرديء..
إن سقوط عاصمة الرشيد، عاصمة الحضارة والفكر والثقافة والصمود، كان بمثابة استباحة للوجدان العربي وكرامة الأمة، ولعاصمة الحضارة العربية والإنسانية، بفعل الحرب العدوانية التي شنتها عصابة المحافظين الجدد المتصهينين في واشنطن، والتي اعتقدوا أنها ستكون بداية سيطرتهم على العالم، وتنفيذ مشروعهم الإمبراطوري. لقد كان يوم 9 نيسان أحلك الأيام وأكثرها حزناً وألماً، عندما اخترقت الدبابات الأمريكية قلب بغداد، لتقع تحت احتلال مغول العصر..
في 19 آذار 2003 كشفت الولايات المتحدة الأمريكية النقاب عن وجهها الحقيقي المتمثل في أبشع صورة لها عرفها التاريخ، وذلك من خلال غزو العراق، والقيام بقتل آلاف العراقيين، وتشريد الملايين منهم والقضاء على البنية التحتية، وتفكيك مؤسسات الدولة، وإشعال الفتنة الطائفية، واغتيال مئات الأساتذة والعلماء وضباط الجيش والطيارين..
ولقد أثبتت الأيام والأدلة أن هذه الحرب هي من ضمن إستراتيجية أمريكية كانت قد وضعت قبل غزو العراق للكويت، فبعد انتهاء الحرب الباردة لم تعد القوة العسكرية هي المعيار الرئيسي لتحديد من هي القوة الكبرى في العالم، فقد بدأ العامل الاقتصادي يأخذ أهمية متزايدة ، وبنظرة مستقبلية رأت الولايات المتحدة أنه بازدياد أهمية العامل الاقتصادي لن تستطيع أن تكون قوة كبرى وحيدة بعد اليوم ، أمام قوى جديدة كالصين وروسيا والصين والهند، والتي كانت كل المؤشرات تدل على أنها ستكون القوى المؤثرة عما قريب. ولذلك كانت أمريكا بحاجة إلى ورقة اقتصادية تتعامل بها مع الغرب ومع الشرق، ومن هنا جاءت فكرة السيطرة على النفط لاستعماله كورقة ضغط في علاقة أمريكا مع القوى الاقتصادية الرئيسة الأخرى، ومن خلاله تستطيع أن تتحكم في توريده وأسعاره، وبالتالي تكون هذه الدول مرتهنة له..
ومن ناحية ثانية فان بروز دور العراق في المجال العربي بعد حربه مع إيران، وثقلها في الدفاع عن القضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، جعل من واشنطن والغرب والكيان الصهيوني يشعرون بأن العراق أصبح يشكل خطراً على أمنها وأمن الكيان الصهيوني، ومن ثم يجب محاولة تدمير قوته العسكرية والاقتصادية، ونفوذه السياسي في محيطه العربي تمهيداً لاستباحة المنطقة بأكملها لفرض تسوية على الشعب الفلسطيني بشروط صهيونية أمريكية. وعلى هذا الأساس بدأ الكلام عام 1990 وقبل دخول العراق إلى الكويت عن امتلاك العراق لرابع أكبر جيش في العالم، والمدفع العملاق، وعن برنامج لأسلحة الدمار الشامل، وكل ذلك كان تمهيداً لإيجاد ذرائع لضرب العراق. وفي هذا الوقت كان العراق بحاجة لتسديد ديونه، ولإعادة إعمار البلاد بعد خروجه للتو من حربه مع إيران، وكانت الولايات المتحدة وبعض الدول العربية تضغط على العراق لتسديد ديونه، حين ساهمت هذه الدول بزيادة إنتاج النفط مما أدى إلى انخفاض حاد لأسعاره، وأدى بالتالي إلى انخفاض إيراد العراق من نفطه المصدر، وعلى هذا الأساس قامت الحكومة العراقية باتخاذ قرارها الخاطئ بغزو الكويت ليقع في المصيدة.
استطاعت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة (تحرير) الكويت وتدمير العراق، ثم إخضاعه لنظام التفتيش والعقوبات الاقتصادية، وإعلان منطقة حظر جوي في الشمال والجنوب، وادعت الولايات المتحدة أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل دون أن تقدم دليلاً على ذلك. ولتثبت الأحداث كذب هذه الادعاءات.
لقد كان الكيان الصهيوني من أكثر المستفيدين من الاحتلال الأمريكي للعراق، فتلك الحرب شنت لمصلحة هذا الكيان الذي ظل لعقود من الزمن يملك رؤية إستراتيجية واضحة المعالم حيال العراق والقوى العربية الرئيسة ودورها المحوري في الصراع العربي الصهيوني، نظرا لإمكاناتها الاقتصادية والعسكرية الكبيرة (العراق، مصر ، سوريا)
كما كان هذا الاحتلال جزءا من إستراتيجية أمريكية لإعادة هيكلة الشرق الأوسط لا يزال يجري العمل على تطبيقها بعد عملية الربيع العربي المزعوم والذي أنتج حالة من الصراعات الداخلية والتدمير الذاتي تحت عناوين مذهبية وطائفية ستطيح بالجميع إذا لم يم يتم تدارك الخطر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. فهل من متعض؟