19-04-2017 08:21 AM
بقلم : أحمد محمود سعيد
لا شكّ ان المأوى وما يحويه من الماء والخبز والكهرباء هي محاور العيش الكريم لأيِّ أسرة وإذا فقد السكن واختل مافيه من ماء وخبز وإنارة اصبح العيش في ذلك الحيِّز من الكون لا يُطاق وصعب ان تتكيّف به النفس البشريّة لتعيش حياة كريمة في وسط يملؤه السرور والحبور وعندها يبدأ البحث عن بدائل للتكيُّف معها ومنها تنظيم وسائل الحمل وتباعد الأحمال اواجراءات طبيّة لمنع الحمل وإذازادت حالة الياس والإحباط قد يلجأ البعض لقتل النفس او الغير او الإنتحار الفردي او الجماعي لا سمح الله او تتجه اعينها لخارج ذلك الحيِّز علّه يجد تلك المقوِّمات ليستعيد كرامة العيش .
ان مستلزمات الحياة الأساسيّة للمواطنين من واجب الحكومات , عليها ان تؤمِّنها لشعوبها إذ يفترض ان يشتمل الفريق الوزاري على فرق تهتم بمحاور التنمية المستدامة للوطن لا ان يكون همُّ البعض حمل المعاول لهدم إنجازات تحققت بسواعد اردنيّة هاشميّة لمدّة مائة عام في وسط تكاد تلتهمه النيران من كلِّ جانب وفي كثير من الأوقات .
وقد ارتأت الحكومة الاردنية أن هنالك حاجة لمجلس أعلى للسكان فأنشأ المجلس عام 2007 برئاسة رئيس الوزراء وبعدها وعندما أصبح هنالك إعادة هيكلية للمؤسسات المختلفة كان من ضمنها إعادة النظر في المجلس بأن يكون وزير التخطيط هو الذي يترأس المجلس الأعلى للسكان.
الشغل الشاغل للمجلس الأعلى للسكان هو طبعاً رفاه المواطن الاردني من خلال سياسات وبرامج ومشاريع تساعده في الوصول الى هذا الرفاه من خلال النشاطات التي تتحدث عن القضايا السكانية فجزء منها لكسب التأييد وجزء منها لرفع وعي المواطن الاردني وصانع القرار بالقضايا السكانية فالنسبة للخصائص السكانية في الأردن عددهم 6.3 مليون لكن عدد اللاجئين السوريين يزيد عن 1.3 مليون سوري وهناك أرقام متغايرة بالنسبة للاجئين العراقيين , وفيما يتعلق بموضوع العمالة الوافدة فأكدت الدراسات أن المسجلين في العمل حسب وزارة العمل يتراوح عددهم بحدود 300 ألف عامل لكن التكهنات تدل على أن لدينا من 700 الى مليون عامل في الاردن هذه المجموعة من الأفراد أثرت على الوضع السكاني في الأردن وبدل من أن نتكلم عن سكان عدهم 6.3 مليون نسمة أصبحنا نتحدث عن ما يزيد عن تسعة ملايين نسمة .
بالنسبة للمجتمع الاردني فهو مجتمع فتي ، نسبة ما دون سن 15 هي 50% من السكان الآن انخفضوا الى نسبة 30% بالمقابل الأفراد الذين في سن العمل ارتفعوا الى نسبة 59% وهم الذين تتراوح أعمارهم بين 15-64سنة أما الفئة الثالثة الذين فوق سن سنة64 فنسبتهم 3% , هذا المجتمع الفتي يدل على نسبة إعالة عالية فكل شخص عامل في الأردن يعيل خمس أفراد وهذه نسبة عالية جداً , النمو السكاني في الأردن حوالي 2.2% وهو نتيجة الفرق بين الوفيات والمواليد بالإضافة الى اننا نعاني من مشكلة الإنجاب حيث أنها باتت مرتفعة جداً فمعدل الإنجاب لكل إمراءة اردنية هو 3.5 طفل وهذا المعدل ثابت منذ آخر عشر سنوات فكان معدل الإنجاب مرتفع خلال السبعينات بحدود 7 أطفال لكل إمراءة أردنية قادرة على الإنجاب , وانخفض بعد ذلك واستقر على نسبة 3.5 وهذا يشكل أيضاً مشكلة لدينا لأنه بهذه الحالة سيبقى المجتمع فتي مع تزايد لنمو السكاني مع قلة الموارد الطبيعية.
وإعتبارا لكل هذه الأمور عمل المجلس الأعلى للسكان على مايسمى بالفرصة السكانية التي مرت بها الدول الأوروبية وأميركا الشمالية والنمور السبعة ( تايلند ، اندونيسيا ماليزيا ، سنغافورة ) والآن الدول العربية بدأت تمر بها أمثال الخليج العربي كما يتوقع أن تمر الدول الإفريقية بها بين (2020-2030) بينما الأردن متوقع أن يمر بها بين (2020-2050) .
وتعني الفرصة السكانية التغيير الديموغرافي بحيث يكون الناس الذين في سن العمل تفوق أعدادهم أعداد من يعولوهم بمعنى أن الذين تتراوح أعمارهم بين 15-64 سيكون نسبتهم 62% من السكان مقابل الذين اعمارهم مادون ال 15 وفوق 65 وهذا ما سيحدث لأول مرة في الأردن , وهذا يعني تزايد الفئة القادرة على العمل في الأردن وتم تسميتها فرصة لأنها فرصة يجب أن تستغل وإن لم يحدث هذا فتنقلب الموازين وستصبح نقمة على الأردن لا سمح الله وسوف تسبب مشاكل كبيرة لأنه سيصبح عدد العاطلين عن العمل بدلا من 250 ألف قد يصلوا الى نصف مليون المطلوب الآن هو أن مخرجات التعليم تتناسب مع سوق العمل وهذا الموضوع يجب على الجميع أن يتناولوه ويجب أن تكون مناسبة للإستثمار وللمشاريع التنموية .
وعلى الصعيد الآخر يجب أن نزيد من نسبة النساء العاملات لأنه في الأردن نعاني من تدني في هذا الجزء حتى بالنسبة للعالم العربي فقط 14% من النساء في سوق العمل لكن المرأة لتدخل سوق العمل فهي بحاجة الى بيئة مناسبة تتضمن ساعات عمل مرنة مريحة مع ضرورة توفير حضانات ومواصلات بالإضافة الى الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي الشامل كل هذا يعمل على تشجيع المرأة لدخول سوق العمل .
فنحن الآن بحاجة على التركيز على مخرجات التعليم والتركيز على التدريب المهني فيتوفر لدينا بيئة استثمارية مع ضرورة على تصعيد حجم الأسرة لأنه في الوضع الحالي لن نستطيع المرأة دخول سوق العمل نتيجة الأستثمار فهي تنسحب منه مبكراً بسبب الإنجاب فبدل من ان تنجب المرأة الأردنية بمعدل 3.5 طفل يجب أن ينخفض المعدل الى 2 طفل حتى يتمكن الشعب من أن يعوض نفسه لكن ليس بالتسارع الموجود حالياً وهذا يعني أن نوفر خدمات صحية انجابية مع توفير تنظيم الأسرة بسبل حديثة ومتنوعة ليستطيعوا المباعدة بين الأحمال بطرق صحيحة ومتنوعة لتحقيق الفرصة السكانية هذا يتطلب منا تفاعل وتركيز من قبل المؤسسات والحكومة لأنه سيأثر على أمور متعددة من ضمنها الطاقة فمن الطبيعي زيادة الاستهلاك مع زيادة النمو السكاني , كذلك ايضاً المياه فنحن ثالث أفقر دولة في العالم وحاجاتنا الى المياه في تزايد مستمر وهذا ما يشكل أزمة حقيقية تقع على عاتق الأردن ولا يمكن تجاهل مسألة القمح فبعدما كنا مكتفيين ذاتياً الآن أصبحنا نستورد حاجاتنا من القمح من الخارج بالإضافة الى ما سيخلقه التزايد المستمر من مشكلة المساكن فنحن بحاجة الى تبني سياسات تدعم كل هذه الأمور في سبيل تحقيق الفرصة السكانية لكن للأسف الشديد نتيجة وجود هجرات قصرية ووجود عمالة وافدة خُلخلت التركيبة السكانية عندنا وفرضت ضغط على البنية التحتية بالإضافة الى زيادة الضغط على الشواغر فيتواجد الآن من 60-70 ألف سوري يعمل في السوق الاردني فأصبحوا ينافسون العمالة الاردنية ومؤخراً ظهرت تصريحات بالسماح للعمالة الوافدة بالعمل في بعض الأماكن بنسبة 30% وفي أماكن أخرى بنسبة 60% فهذا سيشكل عبأ كبير على المجتمع الأردني .
أيضاً الدراسات تؤكد أن هؤلاء اللاجئين سوف يبقون في الاراضي التي لجأوا إليها, ومن المتوقع أن تزيد نسبة اللاجئين السوريين وأن تصل الزيادة 800 ألف قريبا وهذا عدد كبير جداً لا يمكن التهاون فيه فالطالب السوري يكلف الخزينة ألف ومائة دولار ناهيك عن الخدمات التي تكلف 100 دولار للفرد الواحد فهذا كله فاتورة مفتوحة ومستمرة وهناك حوالي 85 مدرسة تعمل على دورتين لإستيعاب العدد الهائل من الطلبة السوريّين , كما ان الصفوف باتت تستوعب من 50-60 طالب وهذا ما يزيد عبأ على وزارة التربية والتعليم كما أن الضغط لم يقتصر على التعليم بل طرق باب وزارة الصحة أيضاً , حيث ولّد احتياجات زائدة عن المقدرة الاردنية و بات يتطلب حديث شامل وبصوت عالي موسع عن تلك الأثارالمادية على الموارد الطبيعية (المياه -الطاقة –الأراضي- الاسكانات – البنية التحتية )والخدماتيّة , والأمر لا يخلوا من أثار اجتماعية مترتبة على مجيء اللاجئين من سوريين وعراقيين وغيرهم فأصبح هنالك تغيرات في السلوكيات الاجتماعية وهذه كلها أمور لم يتم دراستها وأخذها بعين الاعتبار رغم أثارها السلبيّة التي تعود على مجتمعنا باضرار .
ونظرا للظروف المعيشية والنفسية الصعبة التي يحياها الشاب الأردني وهو يرى عائلته ليس لها حول ولا قوّة بعد ان صرف اهله تحويشة العمر على تعليمه لكي يجلس بلا عمل مهما كان مبدعا ويقضي الوقت باحثا عن عمل في سوق يخلوا من الفرص او يجلس على المقاهي ليصرف المزيد لتضييع الوقت ونسيان الهم وتشمله رعاية الله من يحفظ نفسه من شرور الآخرين .
وباتت الغربة وابوابها هي الأمل الوحيد امام هؤلاء الشباب لكي تنتزعهم من براثن المجهول لتستقرّ بهم على شواطئ النجاة .
ومن الآثار السلبية التي تواجه الشباب والصبايا في الأردن كما هو في العالم العربي هو تأخُّر سن الزواج ممّا يزيد في سن العونسة بين الفتيات وتأخُّر قدوم اول مولود كما يتسبب في زيادة حالات الطلاق قبل حصول الزواج وهذا يؤثِّر على بعض العادات والقيم المتوارثة في المجتمع مثل الترابط الأسري والميراث وتفتيت الرقع الزراعية والهجرة من الريف للمدن وغيرها .
وإن المحظوظ من الشباب العربي خاصّة من تلك الشريحة الفقيرة في المجتمع العربي هو من يجد فرصة جيّدة للعمل في دنيا الغربة والإغتراب قبل ان يسبقه اليها اللاجئ الذي هو بالداخل او على الباب والذي يقع واجب تشغيله على الدول التي عاثت دمارا في وطنه , ويجب على المواطن المغترب ان يعمل بجد واجتهاد ويبرز تميُّزه وابداعاته في مجال عمله بحيث يستقر لفترة اطول ويحصل على امتيازات افضل .
حمى الله الوطن الأردن ارضا وشعبا وجيشا وقيادة والهمه المزيد من السؤدد ورفع رايته على الدوام
ambanr@hotmail.com