26-10-2008 04:00 PM
لم أتفاجأ كثيراً بأقوال أستاذنا الكبير الدكتور محمد عدنان البخيت والتي محورها أن الجامعات تلفظ أنفاسها الأخيرة، وتحتضر، وأنها دخلت في غيبوبة الموت الأكاديمي والنزع الأخير من الروح التعليمية.. لكن أن تصدر هذه الأقوال من شخصية علمية وأكاديمية مرموقة ويشهد لها القاصي والداني بعلوّ الشأن والرفعة العلمية، هنا يجب التوقّف ملياً ومطولاً لملاحقة المشهد الجامعي الباهت.. نعم هناك انحدار واضح على كافة المستويات الجامعية.. هناك تدنّي في الروح المعنوية والدافعية للعمل الأكاديمي لدى أساتذة الجامعات.. هناك تدنّي لمكانة وهيبة الأستاذ الجامعي.. هناك رؤساء جامعات ليسوا جديرين بمواقعهم وتنقصهم الكفاءة.. هناك محسوبيات وتعيينات فاسدة وشللية وجهوية في مختلف الجامعات.. هناك تدنّي للوعي الفكري والسياسي لدى طلبة الجامعات.. هناك جامعات رسمية تكاد تصبح جامعات عائلية محصورة بأسماء عدد من العشائر.. هناك قبول عشوائي واستثناءات تكاد تعصف بالبقية الباقية من التعليم الجامعي المرموق.. هناك تعيينات ( لدكاترة) لا يحملون من الدرجة إلا اسمها، تماماً كما سمعتها ذات وجع أكاديمي بأن هناك من يحمل درجة الدكتوراه، وهناك من تحمله درجة أو شهادة الدكتوراه.. ويبدو أن الكثير ممن تحملهم الشهادة أصبحوا يصولون ويجولون داخل أروقة القاعات، ووجدان وعقول الطلبة، هناك ظاهرة أن التعليم الجامعي أصبح مجرّد امتداد للتعليم المدرسي، فالطالب الجامعي يحمل في شخصيته وداخل عقله ذات السلوكيات والممارسات التي دأب عليها أثناء دراسته في التعليم المدرسي.. ذلك التعليم الذي بات يشكّل مجرّد مؤسسة تحتفظ بالطلبة عدداً من الساعات يومياً، ثم تعيدهم لأهاليهم.. أي أنها تمارس دور الحضانة الممتدة التي وصلت إلى ما بعد المرحلة الأساسية، بل ها هي تدخل بكلّ صلافة إلى كواليس الجامعات لتشكّل في جزءٍ منها حضانة أكبر من المدرسة لذات الطلبة.. إن التعليم العالي والمدرسي في خطر.. وربما حان الوقت جديّاً لإطلاق صرخة ( التعليم في خطر) والدعوة ليس لعقد مؤتمر يتربع على منصته وزير التربية أو وزير التعليم العالي.. بل إنها دعوة للرجوع إلى شيوخنا في التربية والتعليم والإدارة التربوية.. هنا ينبغي أن نستذكر ذلك الشيخ الجليل في علمه ورصانته ووعيه العميق للتربية والتعليم.. إنه المرحوم الأستاذ الدكتور عمر الشيخ، الذي فقد التعليم والعلم بموته مساحةً لا يمكن تعويضها.. لقد قالها أحدهم: " إن التربية من الخطورة بمكان لأن تترك للتربويين لوحدهم".. فكيف بتركها لغير التربويين لوحدهم.. إننا بحاجة لنستمع جيداً لأمثال الدكتور عدنان البخيت، هاني الطويل، سامي خصاونة، أنمار الكيلاني، محمود السمرة، سعيد التل، عبد الله عويدات، سلامة طناش، وأمثالهم الذين لا زال العقل والوجدان يفيض بالمعرفة والوعي الذي تعلمناه منهم.. إن أخطر ما في التربية والتعليم العالي هو أن يتقافز أنصاف المتعلمين والذين هم أخطر من الجهلة للاستحواذ على المواقع الإدارية التربوية والتي تعتبر ذات مساس بالمصير والقرار التربوي للمجتمع.. فقرار غبّي يتخذ الآن في التربية والتعليم.. سيؤثر على جيلٍ أو أجيالٍ قد تغيّر التاريخ أو ربما تعيد التاريخ والمجتمع للوراء آلاف السنين.. التعليم في خطر.. المدارس تنحدر.. الجامعات تحتضر.. والموت السريري ينتظر.. هناك الآن الكثير من رؤساء الجامعات والمسؤولين الذين يعتقدون أنه ( بشرائهم) لبعض الأقلام المادحة والناعقة بإنجازاتهم، تكون الأمور تمام التمام.. فيما الحقيقة كلّ الحقيقة أن الواقع موحل وموحش وكئيب.. إن صرخة أستاذنا البخيت ينبغي أن لا تذهب كالصدى، بل علينا أن نتأملها ونبدأ من عندها العمل الجاد والمتفاني لعل القادم يكون أفضل..
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
26-10-2008 04:00 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |