06-05-2017 08:52 AM
بقلم : د.وجدان خليل الكركي
قال تعالى:" فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك"
امتاز الهاشميون بالرحمة والحكمة وبعد النظر، وقيادة شعوبهم نحو التميز والتقدم والعطاء الإنساني؛ فجدهم محمد صلى الله عليه وسلم أرسل رحمة للعالمين "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، وهو القدوة والمعلم الأول الملهم من الله تعالى ليرقى بالإنسانية جمعاء، وجاءت الرسالة الإلهية الأولى له آمرة بطلب العلم وجعله فريضة : "اقرأ باسم ربك الذي خلق"؛ فبالعلم والتعليم ترتقي البشرية وتبنى الحضارات .
وآمن الملك الباني الحسين بن طلال رحمه الله بأهمية الإنسان الأردني واعتبره الركيزة الأساسية للبناء الحضاري فهو من نادى بالاستثمار بالإنسان حيث قال: "الإنسان أغلى ما نملك"، مركزا على تعليم الأردنيين مؤسسا المدارس والجامعات مرتقيا بالأردني في كافة المجالات ليصبح الأردني المتعلم كنز الأردن الأهم الذي رفد الوطن العربي والعالم بطاقات بشرية شهد لها الجميع.
ويتابع المسيرة جلالة الملك المعزز عبد الله الثاني مركزا على الفئة الأهم في المجتمع؛ الشباب الأردني -فرسان التغيير-، فهم الطاقات التي آمن بها بحكمته ورؤيته الثاقبة؛ الفئة المميزة بعقولها الرقمية وعنفوانها وحبها لوطنها ومليكها وانتمائها لتاريخها وحضارتها العربية الإسلامية الخالدة، وهم الطامحون لتطوير ذواتهم وأوطانهم نحو الأفضل ويمثلون أغلبية الأردنيين في هذا المجتمع الفتي الذي يجلس معظم أبنائه على مقاعد الدراسة في المدارس والجامعات، مما يتطلب قيادات تربوية حكيمة تحول الرؤية الملكية الحكيمة إلى واقع ملموس وتقود طلبة العلم لتطوير ذواتهم ووطنهم بشكل بناء.
وجاءت الورقة النقاشية السابعة لجلالة الملك المعزز عبد الله الثاني لتركز على بناء القدرات البشرية وتطوير العملية التعليمية لأن ذلك يمثل جوهر تطوير الأمة، وتضمنت الورقة النقاشية العديد من الأبعاد النفسية : المعرفية والسلوكية والتحليلية والإنسانية، المنطلقة من أسس علم النفس الإيجابي المؤمن بقدرات أبناء الشعب بشكل يهدف إلى بناء الشخصية السوية، الخالية من العقد النفسية، الواثقة بذاتها، المطورة لقدراتها، المرتبطة بواقعها استنادا إلى فهم عمل الدماغ كأساس لتطوير الجانب المعرفي والقدرة على التعلم في عصر يمتاز بامتلاك أبنائه لعقول رقمية تتفاعل مع عصر له أدواته المعرفية الجديدة ووسائله التقنية المتطورة سعيا للرقي بالإنسان الأردني.
وتظهر الحكمة والمنهج الإنساني المستند إلى علم النفس الإيجابي في الورقة النقاشية؛ حيث أكدت على الإيمان بأن كل أردني يستحق الفرصة التي تمكنّه من أن يتعلم ويبدع وأن ينجح ويتفوق ويبلغ أسمى المراتب ، كما أكدت على تمتع أبناء هذا الشعب وبناته بطاقات هائلة وقدرات كبيرة ومواهب متنوعة، وضرورة اكتشاف هذه الطاقات وتنمية تلك القدرات وصقل تلك المواهب، مما ينسجم مع نظرية الذكاءات المتعددة التي تؤمن باختلاف قدرات البشر وأهمية احترام هذا الاختلاف وتوجيهه نحو البناء الحضاري، فكل إنسان قادر ولديه جانب من التميز والإبداع الذي يجب أن يحترم ويوجه، ويتجلى استخدام علم النفس الإيجابي بالدعوة لأن يكون للأردن تجربة تغري بنجاحها الآخرين، فيكون هو قائد مسيرة تحديث التعليم في العالم .
وتؤكد الورقة النقاشية على أهمية استخدام أحدث الأساليب التعليمية التي تشجع على الفهم والتفكير، والفهم لا التلقين، وتجمع بين العلم والعمل، والنظرية والتطبيق، والتحليل والتخطيط، مما ينسجم مع الاتجاه العالمي الداعي لتفعيل عادات العقل والتفكير الناقد في التعليم .
وتدعو الورقة النقاشية إلى تفعيل الذكاء الاجتماعي من خلال الانفتاح على كل الثقافات دون الذوبان فيها؛ فالحكمة ضالة المؤمن، والحقيقة مبتغاه، يطمح دوما إلى التميز والإنجاز، ويرنو إلى العلياء ، فلا بد من تعلم اللغات المختلفة كوسيلة للتواصل وتبادل المعرفة والخبرات مع الحضارات المختلفة والتعلم من الإنجازات التعليمية للدول التي فاقتنا في التطور والحضارة والتي جعلت الطالب وسواءه النفسي أولويتها الأولى فهو لبنة البناء والحضارة.
كما ركزت الورقة النقاشية على أهمية فهم الآخر وفهم اختلاف وجهات النظر سعيا للتقارب الفكري الذي يخدم مصلحة الوطن والإنسانية منطلقة من أسس الفهم لأهمية امتلاك الذكاء الانفعالي القائم على فهم الآخرين واستيعاب جوانب الاختلاف بحكمة.
وتركز الورقة النقاشية بمنهج واقعي معرفي على التحديات الكبيرة التي يواجهها قطاع التعليم لبذل الجهود لمواجهتها داعية لرفع تأثير الضغوط التعليمية غير المنطقية وتحري تبعاتها النفسية والحضارية على الطالب والمجتمع ومعالجة القوانين لتأخذ بعدا مستقبليا يتلاءم مع روح العصر، مما ينسجم مع المدرسة المعرفية في علم النفس التي تركز على إعمال العقل وتفعيل صوت المنطق والاعتراف بنقاط الضعف تمهيدا لإيجاد الحلول الواقعية القابلة للتنفيذ بشكل عملي إجرائي.
ويتبنى سيدنا الملك الأب في الورقة النقاشية المنهج الإنساني مؤكدا على مساعدة أبنائه-أبناء الأردن- على تحقيق طموحهم و ذواتهم من خلال التعليم، مراعيا الجوانب النفسية والتربوية لتوجيه الطلبة بشكل علمي مدروس نحو مستقبل مشرق واضح ليصبح التعليم قائدا لفرسان التغيير يوجههم نحو المستقبل بوضوح وثقة لأن الإنسان المتعلم هو ثروة الوطن الحقيقية القادرة على الاستثمار، حيث تؤمن المدرسة الإنسانية في علم النفس أن تحقيق الذات هدف يسمو به الإنسان وأنه أسمى الأهداف والغايات فمن خلاله يرضا الإنسان وترقى الحضارات.
وتظهر الورقة النقاشية أن الطالب الأردني هو هم الدولة الأول ولا بد من وقايته من مسببات العقد والاضطرابات النفسية؛ فتركز على تعليمه والرقي به وتعزيز عنفوانه ومفهوم الذات لديه وترسيخ ثقته بنفسه حماية له من الشعور بالنقص والدونية - أهم أسباب العنف المجتمعي كما يرى إدلر أحد علماء مدرسة التحليل النفسي في علم النفس-، وحماية له من التوجه نحو العنف والإدمان والفكر المتطرف الناتج عن العجز عن تحقيق الأمنيات، مما ينسجم مع مدرسة التحليل النفسي والتي تدعو إلى معالجة مصادر الكبت والإخفاق وحل الضغوط النفسية أولا بأول قبل أن تتحول لاضطرابات نفسية ومن ثم لأمراض نفسية تعيق تقدم أبناء المجتمع وتعيق عجلة البناء والتقدم بل قد تدفعها أيضا باتجاه هادم.
وتركز الورقة النقاشية على أهمية مساعدة الطلبة على تحقيق السيطرة في مراحل التعليم الأولى من خلال مناهج منطقية تراعي الفروق الفردية وتسمح بالتقدم المعرفي دون تعجيز ودون تحميل الطلبة ما لا طاقة لهم به، لحمايتهم من الشعور بالنقص والدونية _أحد أهم أسباب العقد النفسية_، داعية إلى عدم استنزاف قدرات الطلبة بشكل غير مفيد من خلال المناهج التقليدية في عصر يحمل أبناؤه عقولا رقمية تتطلب تطوير المناهج لتلائم متطلبات العصر ولغته، وهذا ما تؤكد عليه نظرية أريكسون في النمو النفس اجتماعي فيما يعرف بمرحلة السيطرة مقابل تجنب الإحساس بالنقص.
كما تركز الورقة النقاشية على أهمية مساعدة الطلبة على تحقيق هويتهم والرضا عن أدائهم في سن المراهقة الموازي لمرحلة الثانوية العامة والدراسة الجامعية حيث تمثل مساعدة الطلبة فيها على الإنجاز والنجاح والعمل وسيلة لتحقيق هوية سوية خالية من الضغوط النفسية ليكونوا أفرادا صالحين في المجتمع حماية للطلبة -الحلقة الأضعف والأهم في المجتمع- من الانحراف وممارسة السلوك المعادي للمجتمع الذي قد يتشكل عند الإخفاق في تحقيق الهوية تبعا لنظرية أريكسون في النمو النفس اجتماعي.
لقد تضمنت الورقة النقاشية بشكل واضح أسس حماية الأطفال والشباب من الإصابة بالعقد النفسية المسببة للاضطرابات والأمراض النفسية الناجمة عن ممارسة أخطاء تربوية وتعليمية آن الأوان لمواجهتها ووضع الخطط الكفيلة بتطويرها ضمن منهجية علمية تربوية نفسية سليمة تعنى بتنمية الإنسان أساس تطور الحضارة وجوهرها.
ولا بد لنا وقد من الله علينا بقيادة هاشمية حكيمة رحيمة، أن نهتدي بنور حكمتها وعلمها وإنسانيتها، لتقودنا نحو مستقبل مشرق بإذن الله، وما أحوجنا اليوم لمن يفهم لغة سيدي صاحب الجلالة ويترجمها لواقع تطبيقي ناهضا بجيل الشباب حاملا للرسالة الأولى والأهم "اقرأ" مطورا لها في ضوء احتياجات العصر ليحقق الرقي والتقدم الحضاري للإنسانية جمعاء.