27-05-2017 12:41 PM
بقلم : أ.د رشيد عبّاس
من أجمل وأروع الكلمات والألحان والغناء, أغنية خاصة بشهر رمضان المبارك هي أغنية (أهلا رمضان) هذه الأغنية القديمة جدا من كلمات حسين طنطاوي, والحان محمود الشريف, وغناء محمد عبد المطلب,..تُذكرنا هذه الأغنية برمضان أيام زمان, أيام الإباء والأمهات والأجداد عليهم رحمة من الله, لقد تعلمنا من كل هؤلاء منظومة قيم رمضانية لها واقع خاص لا يمكن أن يتصورها بأي شكل من الأشكال جيل اليوم, هذه المنظومة متعلقة بطقوس رمضانية داخل بيوتنا البسيطة وفي مطابخنا المزودة ببوابير الكاز, منظومة متعلقة بطقوس رمضانية في شوارعنا العتيقة الضيقة, وأسواقنا القديمة برائحة العطارة, منظومة متعلقة بطقوس رمضانية في سهراتنا وتعاليلنا على قناديل المساء, منظومة متعلقة بطقوس رمضانية برائحة خبز الساج, ورائحة الغنم والماعز, طقوس رمضانية تُذكرنا برائحة الباميا والبندورة الناشفة, تُذكرنا برائحة الزبيب والقطين.
لقد طربنا صغارا لصوت المسحّر ليلا حين يضرب بعصاه على السطل المربوط بكتفيه قائلا (يا نائم وحّد الدائم), وكنا نتمنى أن نعرف من هو هذا المسحّر, كنا نستيقظ ونسرع نحو برداية الشباك ونحركها قليلا لنرى بعض ملامح المسحّر خائفين منه لارتباط صوته وصوت السطل بالليل المظلم, كان يمر المسحّر من شوارعنا مسرعا, متوقفا عند بعض البيوت المتأخرة عن الاستيقاظ,..أرجوك أن تعود لنا أيها المسحّر كي نتذكر أمهاتنا وهي تمرس لنا ألواح قمر الدين, وتقطّع أمامنا الجبنة الصفراء, وتغلي لنا شاي الفراشة بإبريق الشاي الصيني, أرجوك أن تعود لنا أيها المسحّر كي نتذكر كيف كانت أمهاتنا ترفع ضوء القنديل كي نرى وجه أبينا الدافئ حين كان يتفقدنا واحدا واحد عند السحور, ويوزع بالعدل علينا ابتسامات الرضا والعطف والحنان.
نقول من قلوبنا )أهلا رمضان) لكي تعود ذاكرة التفافنا حول مائدة الإفطار المتواضعة, وعلى رأسها الآباء والأمهات رحمة الله عليهم جميعا, وكنا نتزاحم صغارا لنكون الأقرب من الآباء والأمهات في الجلوس, كنا ننتظر آذن المغرب من إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية بفارغ الصبر, وكانت عيوننا ترحل مع حبات القطايف المغموسة بقطر والدتي العسلي,..لقد رحلت عنا بوابير الكاز, وقناديل المساء, واختفت عن المشهد الشوارع العتيقة الضيقة, وألاسواق القديمة برائحة العطارة, رحلت عنا السهرات والتعاليل الرمضانية, رحلت عنا روائح خبز الساج المدخن, وروائح الغنم والماعز العطري, وروائح الباميا والبندورة المنشفة بضوء الشمس الذهبية , وروائح القطين والزبيب العجلوني.
نعم رحل عنا صوت المسحّر, ورحل عنا الآباء والأمهات والأجداد, ورحلت عنا أغنية (أهلا رمضان)الجميلة, وبقينا للأسف الشديد رهائن النت والواتس, رهائن الوجبات السريعة, ورهائن كاسات وفناجين وصحون وجاطات وسدور الكرتون المقوى في مطابخنا الحديثة, لنريح منها الجلايات الأوتوماتيكية كي تبقى مناظر فقط في مطابخنا,..رحم الله أمهاتنا فقد كانت تمضي وقتا طويلا تجلي الأواني المعدنية بقطع الخريس المزعج, هنيئا لبنات اليوم بحربهن وقتالهن في المطبخ بسكاكين وشوك ومعالق بلاستيكية, كيف لا وقد أصبحت سكاكين وشوك ومعالق البلاستيكية ملحق للوجبات التي تُشترى من المطاعم قبل الإفطار بربع ساعة.
(أهلا رمضان), يعني لنا جميعا أن نتصالح مع الآخرين, وان يرحم بعضا بعضا, في البيع والشراء, وان نعطف على الفقراء والمساكين, (أهلا رمضان) يعني شهر عبادة, والقرب من الله, وقراءة القرآن, والجد والاجتهاد, (أهلا رمضان) يعني حفظ اللسان من القال والقيل, (أهلا رمضان), يعني أن نقرأ الفاتحة على أرواح آباءنا وأمهاتنا مع الدعاء لهم بالرحمة والمغفرة في هذا الشهر الكريم, قائلين: وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا, بقي أن نقول: الهم بلغنا رمضان لا فاقدين ولا مفقودين يارب العالمين الهم اجعلنا في شهرك الكريم من المصلين والصائمين والمستغفرين وبلغنا رمضان أعوام مديدة يا رب العالمين.