حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,28 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 17460

حوارات العرب الاموات (4) الشهداء يتحدثون

حوارات العرب الاموات (4) الشهداء يتحدثون

حوارات العرب الاموات (4) الشهداء يتحدثون

09-02-2008 04:00 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم :

...ما ان انتصف نهار احد ايام البرزخ السرمدي ..حتى بدأت افواج وافواج من العرب الاموات بالتوافد الى ذات المقهى حيث تعودوا ان يجتمعوا يوميا ...كان الارتباك باديا على وجوه الجميع ..شيء ما قد حدث الليلة الفائتة ...شيء غير عادي وغير مألوف قد حدث مما تسبب بهذه الجلبة وبكل هذا الصخب والارتباك ...منذ الازل والعرب الاموات يتوافدون يوميا الى عالم البرزخ ..وقد تعود الاموات القدماء ان يستقبلوا يوميا الاموات الجدد بعشرات الآلاف ..اذن ..فما الجديد في الأمر ؟ منذ الصباح كانت قد سرت بعض الشائعات والأقاويل ...ان دفعة الاموات التي وصلت الليلة الفائتة كانت مختلفة اختلافا شديدا عن كل ما سواها من دفعات ...كانت المجموعة التي وصلت من بلد واحد ..يموت فيه العشرات يوميا ...بل والمئات في طاحونة لا ترحم ..ومنهم من قال انها طواحين وليست طاحونة واحدة ...طواحين متعددة ...ولكن صاحبها طرف واحد له مصلحة في تشغيلها بأقصى طاقتها ..لتحصد يوميا ما تحصده من ارواح تعد بالعشرات والمئات ..واحيانا بالآلاف ..طواحين نهمة ..لا تشبع ولا ترتوي من دماء ذلك الشعب العربي ...وقالوا ايضا فيما قالوا ان صاحب هذه الطواحين له وكلاء في ذات البلد ...يعملون لديه بمنتهى الاخلاص والتفاني ..ويتبارون فيما بينهم ..من يستطيع حصد اكبر عدد من ارواح ذلك الشعب العربي ...وجوم مريب كان قد ساد مجلس العرب الاموات في المقهى ..وجوم ليس له من تفسير ..الا تفسيرا واحدا ..وهو انهم ينتظرون وصول المجموعة الجديدة ..او البعض منهم ليستعلموا منهم عن احوال العرب الاحياء ممن تركوهم وراءهم ..وليستمعوا منهم ايضا الى قصصهم حول طريقة موت كل منهم كما تعودوا خلال الفترة الاخيرة ...كان الصمت المهيب هو سيد الموقف ..وجوه القوم متجهمة ..وقلوبهم تكاد تقفز من صدورهم ..اعناقهم مشرئبة تتطاول لترى من بين الزحام القادمين الجدد حين يصلون ..وما ان مالت شمس عصر ذلك اليوم ...حتى سمع الحاضرون اصوات جلبة تقترب من المقهى حيث يجلس القوم ...هنيهات قليلة مرت قبل ان ينجلي الموقف عن مجموعة من الناس يحثون الخطى نحو مجلس القوم ...كانوا من اعمار مختلفة ..ولكنهم جميعا كانوا متشابهين ..لهم نفس الطول ونفس تفاصيل الجسد والوجه ..منهم الذكر ومنهم الانثى ..منهم الصغير ومنهم الكبير ..متفاوتو الاعمار ولكنهم متشابهون ..حتى انه ليخيل لمن يشاهدهم انهم توائم من اب واحد وام واحدة ..رحب بهم الرجل الكبير الذي يقوم عادة بأدارة مثل هذه الحوارات ...كانوا ..ربما عشرة اشخاص ..او عشرين ..او اكثر ..لا احد يعلم عددهم بالضبط ..ذلك انهم وبمجرد جلوسهم تكونت حولهم هالة من نور شديد القوة لدرجة ان مامن احد استطاع ان يركز نظره عليهم ليعرف عددهم الصحيح ...وبعد كلمات الترحيب المعهودة في مثل هذه الواقف ..علم الحاضرون من احد القادمين الجدد الذي انتدبته المجموعة ليتحدث باسمها ..عرف الحاضرون منه ان من ضمن المجموعة من هو مسلم ومن هو مسيحي ومن هو من ديانات اخرى لم يسمع بها بعض الحاضرين من قبل ...كانت تنبعث من مكان جلوسهم روائح زكية لم يكن للجالسين عهدا بها من قبل ..اختلطت رائحة المسك بالعنبر بالبخور والصندل ..لتعزف سمفونية فريدة ..اضفت على المكان المزيد من الهيبة والوقار ...تابع الشخص المنتدب من طرفهم للحديث نيابة عنهم ... فقال : وكما ترون ايها الاخوة ..فها هو بلدنا يخسر يوميا المئات من الشهداء ..تتخاطف ارواحهم ايدي عصابات متعددة ...ولكننا في بلادنا نعلم جيدا ان هذه العصابات جميعا تعمل لصالح نفس المعلم ...هذا المعلم ...سفاك دماء الشعوب التواقة للحرية والانعتاق ..هذا المعلم القاتل الذي انفرد بالهيمنة على مقدرات العالم فظن ان من حقه ان يمارس ما يشاء له تفكيره الدموي ..فأخذ بالتحرش بكل شعوب وبلاد الارض ..ومنها بلادنا ...جاءها غازيا بعد ان حاصرها لسنوات عديدة حصارا شديدا مات بسببه عشرات الآلاف من الاطفال والعجزة ..دون ان يرف لهذا العالم (المتحضر)جفن ..غزا هذا العدو بلادنا بعد ان جيش الجيوش وبعد ان حشد لفعلته هذه الحشود من مختلف الدول التي تأتمر بأمره وتدور في فلكه ..وشن على بلادنا حربا طاحنة ذهب ضحيتها الآلاف من ابناء شعبنا ...ساعده في حربه الظالمة تلك البعض ممن تربطنا بهم رابطة الدم والقربى وممن اعتقدنا انهم لنا ..فكانوا علينا ..فقد وضعوا تحت تصرف الغزاة الكثير من الامكانيات التي ساعدتهم في حربهم ضدنا اشد المساعدة ..جماعات متعددة من ابناء وطننا كانت مع الغزاة ..جاءوا معهم يمتطون دباباتهم ويتلقون منهم التعليمات والأوامر ..جاءوا تحت مختلف المسميات ..وها هي مليشياتهم تنكل بأبناء شعبنا ليلا ونهارا وفي كل لحظة ..قصف هنا وتفجيرات هناك واغتيالات هنالك ...قتلوا العديد من العلماء وهتكوا الاعراض وهدموا المنازل والقرى ..دمروا الصناعة والزراعة واعادوا البلاد عشرات السنين الى الوراء ...قاطعه الرجل الكبير سائلا اياه : السؤال الاهم ..قل لنا كيف متم ؟ انفعل المتحدث قليلا قبل ان يجيب : لا ..ليس هذا هو الأهم ايها الشيخ ..شعبنا يموت كل يوم يا سيدي ...بل كل دقيقة وكل لحظة ...ليس هناك من طريقة معروفة او غير معروفة للموت الا وجربها شعبنا الصابر ..تقتلنا كل العصابات المعروفة وغير المعروفة ...يقتلوننا باسم الدين وباسم القومية وباسم المذهب والطائفة ...يقتلوننا باسم الله احيانا وباسم الشيطان احيانا اخرى ..يقتلوننا على الهوية ..والمحتل الاجنبي تراه يقتل هنا وهناك بآلة تدميره الهائلة ..هذا المحتل الذي يدعي المدنية والتحضر ومحاربة الدكتاتورية ..هذا العدو لكل ما هو انساني تراه يقتلنا في الملاجيء والبيوت والمزارع والمعسكرات والشوارع ...انه يقتلنا في كل مكان يطالنا فيه ..نحن انفسنا الذين وصلنا ليلة امس ..قتلنا بالف طريقة ..لم تقتلنا يد واحدة ..بل ايادي مختلفة ولكنها تأتمر بأمر معلمهم الكبير ..المحتل الأجنبي ...وتابع الرجل : تسألوننا ..نقاوم ؟ نعم ..نقاوم ..وسنبقى نقاوم الى ان يرحل المحتل الاجنبي بكل الخزي والعار ..وها نحن نكبده يوميا الخسائر تلو الخسائر ..نحن واثقون ان الفجر قريب ..وان الشعوب ستنتصر في النهاية ..وان الاحتلال الى زوال...سيهزم هذا المحتل واعوانه وسيرحلون الى الجحيم وسنبقى نحن ووطننا لنبنيه من جديد ذلك البناء الوطني الديمقراطي المتين والراسخ والذي سيكون كما كان دائما عصيا على الاعداء ...اغرورقت عينا الرجل الكبير بدمعة حارة على ما يجري في ذلك البلد العربي ...نظر في ساغته كعادته عندما يريد فض المجلس ...استأذن بالأنصراف على امل اللقاء عصر يوم آخر في ذات المكان ....








طباعة
  • المشاهدات: 17460
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
09-02-2008 04:00 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل اقتربت "إسرائيل" ولبنان من التوصل لاتفاق إنهاء الحرب؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم