02-01-2008 04:00 PM
كعادتهم في نهاية كل عام ، يطل المنجمون عبر أثير الفضائيات ليدلوا بتوقعات السنة المقبلة . أشياء كثيرة منها ما يهم ومنها ما لا يهم ، لكنهم مستمرون في عملهم .. بضاعتهم في رواج ومريدوهم في ازدياد . عند الإنسان ميل فطري لاستشراف المستقبل وإماطة اللثام عن غموضه ، يحركنا الخوف أحيانا والشغف أحيانا أخرى . لكن التوق إلى هذا الجانب وبهذه الطريقة يشي بتناقض عميق ، فهو من حيث كونه محاولة للتغلب على المجهول فأنه يسلب الحياة معناها الأجمل ويجردها من مفاجآتها وغموضها . نحن نتقلب في لهيب الحياة و نعيمها محاولين استخراج مكنوناتها ، كل بحسب طاقته وقدرته . بعضنا يتوقف عند ظواهر الأشياء ، وآخرون يغوصون في الأعماق ويمعنون في استنطاق التفاصيل . هناك من يشتغل بالماضي وهناك من يمد جسور المستقبل ، العلم يتحرك إلى الأمام والفلسفة تمهد له الطريق . واستهلاك الليالي والأيام هو الثمن الذي ندفعه بالمقابل . بمعنى آخر نحن نقدم الحاضر ثمنا للمستقبل ، والدورة لا ترحم أحدا . ويبرز هنا صنفان من الناس اختطا منهجين راسخين في التعامل مع المستقبل ، صنف يجعل العلم والتجربة طريقه ، وصنف آخر مستعجل يجري وراء المنجمين ويستنطق الأفلاك . انه صراع مرير بين العلم والخرافة ، والفكر والأسطورة . وفي الحالتين تبدو أسباب الحراك واضحة وتنحصر في سببين ، سبب ثانوي هو السعي من أجل السيطرة على الوجود وتحسين ظروف الإنسان المادية والمعيشية ، وسبب رئيسي هو الرغبة الحقيقية في أن نتفاجأ . المفاجأة بما تثيره في النفس من اندهاش وانبهار فتعطي لهذه الحياة معنى رائعا وتبث فينا الرغبة في مزيد ومزيد من الحياة . ألا ترون أن أجل أنواع العلم وأرقاها ما كان من أجل العلم فقط وفي محرابه . ربما من أجل السبب الأخير يتعلق الناس بسنواتهم الماضية ويكثرون الترحم على الأيام الفائتة ، وربما كذلك تكون أجمل أيام العمر عند الناس جميعهم هي أيام الطفولة . فهذه الصفحة البيضاء تكون أكثر قدرة على الاندهاش كلما ازداد بياضها . وتقل قدرتها على الاندهاش بتزايد ما يلطخها من خبرات وتجارب . فإذا ما هرم الإنسان وارتد إلى أرذل العمر ، امتلأت صفحته بتجارب الحياة فقلت قدرته على الاندهاش وتسرب الملل إلى نفسه وأصبح خيار الرحيل عنده أكثر قبولا . سئمتُ تكاليف الحياة ومن يعشْ ثمانين حولا لا أباً لك يسأمِ من هذا المنطلق أرى المنجمين والسائرين في ركبهم يقتلون الحياة ويفسدون علينا مباهجها . فهم قمة في التناقض ، إنهم يريدون معرفة المستقبل ليندهشوا ، لكنهم في المقابل – إن افترضنا جدلا قدرتهم على ذلك – يقللون من مساحة المجهول ويستلبون من الحياة قبل الأوان أهم شيء يجعلنا نحبها ونسعى وراءها . ما هذا التناقض أيها التناقض ، حتى أنت لا تستقر على حال ، فطورا أراك تعبر عن نزعة تدعم الوجود وتعطيه معنى جميلا ، وطورا آخر تبدو عاملا من عوامل الملل والموت والفناء . الخلاصة : ثقافة التوقعات الفلكية ثقافة انتحارية يمارسها الذين لا يفهمون الوجود
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
02-01-2008 04:00 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |