03-08-2017 03:51 PM
بقلم : محمود رياض عبيدات
إن قرار الحكومة الاردنية بالسماح للمجرم الصهيوني بمغادرة البلاد دون محاكمته أمام القضاء متذرعيين بتمتعه بالحصانة القضائية امام القضاء الجزائي الاردني بموجب اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961 ، قد شكل خروقات دستورية كبرى وتفريطا بالسيادة الاردنية وبحقوق عديدة لمواطنيين أردنيين ، بالاضافة الى هدم أهم مبدا من لمبادئ الدستورية الاساسية الا وهو مبدأ الفصل بين السلطات . ولا يشكل هذا الرأي وجهة نظر قانونية صرفة بعيدة عن الاخذ بالاعتبارات السياسية والدبلوماسية . او بطريقة مجردة عن الحسابات المتعلقة بموازين القوى الدولية والمصالح القومية والوطنية للدولة الاردنية ، وإنما جاء هذا الرأي القانوني عاما وشموليا يأخذ بعين الاعتبار جميع الحسابات السياسية والدبلوماسية ذات الاثر الجوهري التي لابد من الارتكاز عليها والانطلاق منها في التعامل مع الشؤون والمسائل الدولية .
1. هدم المبدأ الدستوري الاساسي القاضي بالفصل بين السلطات الثلاث في الدولة .
إن تعامل الحكومة الاردنية بصفتها تمثل السلطة التنفيذية في النظام القانوني والسياسي الاردني مع جريمة وقعت على الارضي الاردنية بالصورة التي جرت قد بين مدى تغول السلطة التنفيذية على السلطات الاخرى في الدولة وخصوصا على السلطة القضائية التي هي صاحبة الولاية والاختصاص في التعامل مع هذه الجريمة ، وأن السطلة التنفيذية انتزعت اختصاصات السلطة القضائية دون أدنى مراعاة للقواعد الدستورية متجاهلة دورها واختصاصها الدستوري في هذا الشأن وأنها لا تملك الا تنفيذ ما تقرره السلطة القضائية بشأن هذه الجريمة وبشأن تمتع المجرم بالحصانة القضائية من عدمه . مع ضرورة أن نعلم أن هذا لتغول على السلطات الاخرى من جانب السلطة التنفيذية في الدولة وعدم احترامها لمبدأ الفصل بين السلطات ليس حادثا عابرا ، وإنما هو نهجا عاما اتخذته الحكومات الاردنية المتعاقبة وإن التعامل مع واقعة السفارة الصهوينية جاءت كاشفة لهذا النهج وليس منشاة له .
2. التفريط بالسيادة الاردنية وحقوق المواطن الاردني .
قرار الحكومة الاردنية بالسماح للمجرم بمغادرة البلاد يعد تفريطا صارخا بالسيادة الاردنية والصلاحية الاقليمية لمحاكمة المجرم أمام القضاء الاردني ، وحرمان فاضح للمواطن الاردني من حقه بالحياة وحقه بالتقاضي امام القضاء الوطني والتي تشكل اهم الحقوق الاساسية للانسان التي كفلها الدستور الاردني للمواطنين والمقيمين على اراضيه .
3. تقصير الحكومة الاردنية في اتخاذ الاجراءات الدبلوماسية اللازمة حيال هذه الازمة .
هناك العديد من الوسائل والادوات الدبلوماسية كان على الحكومة الاردنية ان تتبعها للحفاظ على هيبة الدولة الاردنية وإظهار الحد الادنى من الجدية في التعامل مع الحادثة ، الا انها لم تستخدم اي من هذا الوسائل او الادوات التي سنذكرها تاليا .
الادوات الدبلوماسية .
هناك العديد من الاجراءات الدبلوماسية القانونية بيد الدولة الاردنية من الممكن أن تستخدمها للضغط على الكيان الصهيوني لتنفيذ التزاماته ، وكان على الدبلوماسية الاردنية اللجوء الى بعضها سلفا بالحد الادنى لحفظ هيبة الدولة الاردنية واقلها اعتبار المجرم شخصا غير مرغوب فيه حتى بعد السماح له بمغادرة الاردن ، ومن أهم الادوات الدبلوماسية التي مازالت بيد الحكومة الاردنية حتى اللحظة ، اعتبار جميع الممثلين الدبلوماسيين وأهمهم السفير واعضاء البعثة الدبلوماسية اشخاص غير مرغوب بهم في الاردن ، استدعاء السفير الاردني لدى دولة الكيان الصهيوني ، تنزيل مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين .لكن مع الاسف لم تستخدم الدولة الاردنية هذه الوسائل حتى اللحظة مع اعتقادنا أن هذا عائد لسوء ادارة الازمة من جانب الحكومة أكثر من الاعتبارات السياسية والجيواسترتيجية واخذ موازين القوى السياسية بالاعتبار ، حيث أن هناك مصالح اقتصادية وسياسية عديدة بيد الاردن واوراق سياسية تمتلكها الاخيرة للضغط على الكيان الصهيوني .
الادوات القانونية الدولية .
جاءت الفقرة 4 من المادة 31 من اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية تنص على ((4 ان حصانة الممثل الدبلوماسي بالنسبة الى قضاء الدولة المستقبلة لا تعفيه من الخضوع لقضاء الدولة الموفدة .)) ، وتشكل هذه المادة سندا قانونيا واضحا لالتزام دولة الكيان الصهيوني بمحاكمة المجرم أمام قضائها . وقد طالبت الحكومة الاردنية دولة الكيان الصهيوني بذلك وفاءا بالتزاماتها الدولية وتنفيذا لاتفاقية فينا ، لكن السؤال الهام الذي يثور ما هي الادوات القانوني التي تملكها الدولة الاردنية لتجبر دولة الكيان على تنفيذ التزامها هذا واجراء محاكمة نزيهة للقاتل ؟
من الجدير بالذكر ان الادوات القانونية بيد الاردن محدودة جدا ومعقدة جدا ولا نعتقد ان الاردن سيلجأ للسير بهذا الاتجاه لاسباب كثير منها السياسية ومنها القانونية والاقتصادية ، مع الاخذ بعين الاعتبار أنه لم يلجأ ابتداءا للوسائل والادوات الدلبوماسية المتاحة له التي تشكل تعد الحد الادنى لتشكيل موقف صارم وجدي ازاء الحادثة ، إضافة الى أن الوسائل والادوات الدبلوماسية تعتبر احد وسائل الضغط لتنفيذ الاحكام القانونية الدولية التي قد تصدر لصالح الاردن في حال لجوئها للمسار القانوني والذي هو محصور في اللجوء لمحكمة العدل الدولية في لاهاي للمطالبة بأمرين وفقا للمادة (36) من النظام الاساسي لمحكمة العدل الدولية ، والطلب الاول يتعلق بطلب تحقيق واقعة تشكل خرقا لالتزام دولي فيما يتعلق بارتكاب الممثل الدبلوماسي لدولة الكيان الصهيوني بجريمة جنائية شكلت اعتداءا على حقوق الانسان الاساسية واقرارها لهذا الجرم وعدم محاكمته ، وبتمسكها بالحصانة القضائية الجزائية لاحد اعضاء بعثتها الدبلوماسية الذي شكل اخلالا بالتزاماتها الدولية بموجب ميثاق الامم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الانسان ، أما الطلب الثاني يتعلق بالمطالبة بالتعويض عن الاخلال بالتزام دولي .
علما أن المسار القانوني تحكمه العديد من الاعتبارات وهو مسار شائك وينطوي على الكثير من العقبات القانونية المتعلقة باختصاص محكمة العدل الدولية ابتداءا انتهاءا بالمسائل المتعلقة بانفاذ احكام هذه المحكمة وانعدام الوسائل القانونية لتنفيذه من الناحية الواقعية .