09-08-2017 12:25 PM
بقلم : المحامي ابراهيم أبو حماد
ارتبط الفن بالسلوك الإنساني ،وقد كان إشعال النار وتجمع الناس حولها حدث تحولي في حياة البشر بالاجتماع والاستمتاع بالقصص والحكاية ،ووفقا لنظرية المحاكاة الارسطية فإن الفن يطرد مشاعر الخوف والقلق ويثير مشاعر العطف والمحبة ،الا اذا تدخلت المصالح فيغدو الإنسان يمارس نوعا من اللامبالاة و السكوت عن الظلم.
ولقد عبر الشاعر الجاهلي عن حزنه ولوعته ورؤيته للحياة ،ورثا الانسان نفسه،وبهذا فإن اول من هلهل الشعر هو المهلهل بن ربيعة الذي باح بخلجات نفسه راثيا كليبا وقال:
تبكي عليك ولست لائم حرة تأسى عليك بعبرة وتنفس
فمقتل كليب اوجع قلبه واوغل صدره فكان الشعر متنفسا لبث همومه واحزانه ،وقد ينتقل الشاعر من موقفه في تلقي الصدمة والفجاءة الى الدهشة والتكذيب ثم التصديق ،فيكون بذلك معبرا عن تجربته الشعرية .
فلقد قال عمر بن الخطاب في رثاء الرسول صلى الله عليه وسلم
ليس البكاء وان اطيل بمقنعي فالخطب عظم قيمة من ادمعي
وان التراث الشعبي حافل بتعبير عن خلجات النفس ولوعتها، بحيث يمارسونه بعفويه وسلاسة .
فظريف الطول والميجانا وملاحم عنترة وتغريبة بني هلال كانت تشعل مهجات النفس ويصطبر المجاهدون بها على مقارعة الاستعمار .
ولقد عرف عبدالله بن رواحة الشعر بأنه ما تفيض به خلجات النفس فيتدفق شعرا على لسانه ،ويتوافق ذلك مع تعريف كوليردج و ورزوررث والمدرسة التعبيرية بأن الشعر تعبير عن الادراك الذاتي ،ولذا نجد الفاظ في الشعر الجاهلي تعبر عن الاكتئاب والحزن والاغتراب
وبناء عليه فإن العلاج بالشعر هو توظيف الفنون التعبيرية من شعر ولغة شعرية سردية للعلاج سواء اكانت مرئية او مسموعة بغرض الشفاء ،وتستخدم هذه الطريقة لدينا لغاية تعزيز الفهم اللغوي، وبالتالي يذكر فاروق شوشة في كتابه العلاج بالشعر بأن ذلك معروف بالغرب كالعلاج بالموسيقى ،حيث أن المرض يرافقه جانب نفسي معنوي ،وبالنتيجة يتلقى المرضى الادب، ويتم تشجيعهم على انتاجه ،وهذا ما يفسر ايضا وجود ادب السجون لإمتاع النفس وتمضية الايام في عتمات السجن .
ويؤرخ المعالجون الغربيين بأن العلاج الشعري ابتدأ في مصر منذ 4000 ق م ، ثم ساهم احد الصيادلة الشعراء عام 1928 بإرفاق قصائد مع الدواء،ولذا فإن الشعر وصفة علاجية ففي منشور خاص على صفحتي كتبت البيت الشعري التالي
لا تخف ما صنعت بك الأشواق واشكي هواك فكلنا عشاق
حيث علق أحد الاصدقاء طالبا الإكثار من هذه الوصفات مما يدلل على أن الشعر لا يقتصر على الحجة وإنما وصفة علاجية.
وفي عام 1980 تشكلت رابطة دولية غير ربحية للعلاج بالشعر وكونت برنامج تدريبي لذلك وكيفية اصدار ترخيص للمعالج المهني الذي يكون طبيب او معالج نفسي او معلم او امين مكتبة ،إذ ان العلاج بالشعر مهنة من حيث توفر تكوين علمي وخلقي للممارسته ،إذ انه لا يمارس بعفوية ،وهو جزء من العلاج المعرفي السلوكي او العلاج بالكلام ،فكيف اذا كان الكلام ينشد شعرا على غرار انشاد الأعشى الملقب بصناجة العرب
ويعمل هذا العلاج على معرفة دوافن النفس والعواطف في اللاوعي مما يساعد على اكتشاف الذات وتفسير العالم الخارجي وادراك الذات والأخر، وفتح افاق جديدة على الحياة ،ويتم تحديد القصائد التي تساعد بالعلاج مثل قصيدة ورزورث تجولت وحيدا كالسحابة ،وقصيدة الطريق الذي لم اسلكه لروبرت فروست ،وقصيدة رحلة لماري اوليفر ،وهذه الاشعار تقترب من المذهب الرومانسي العربي لدى ايليا ابوماضي وفدوى طوقان وابوالقاسم الشابي ،وبدايات محمود درويش وابراهيم ناجي ،ومي زيادة ،ولميعة عباس وبلند الحيدري .......ونزار قباني والتي عادة ما تزين عباراتهم الجميلة الفضاءات المكانية للمدن ،فتكتب بخط جمالي على الطرقات كالاذكار ومناجاة النفس للخالق الأكوان .
التقنيات العلاجية
تستخدم القصيدة في الخطة العلاجية على ثلاث مستويات :-
1-التلقي وتعبير المتلقي عن احاسيسة وعواطفه عن القصيدة وقراءة النص الادبي وتفسيرة وتأويله وذلك وفق نظريات النقد الادبي .
2-الكتابة الابداعية بالتعبير عن العواطف والمخاوف الدفينة في العقل الباطن مثل استخدام طريق التداعي الحر ،وكتابة السيرة الذاتية وهذا ما يحدث لبعض المرضى في تجربتهم المرضية مثل قصيدة صبر ايوب لبدر شاكر السياب
لك الحمد مهما استطال البلاء
ومهما استبدّ الألم،
لك الحمد، إن الرزايا عطاء
وان المصيبات بعض الكرم.
ألم تُعطني أنت هذا الظلام
وأعطيتني أنت هذا السّحر؟
فهل تشكر الأرض قطر المطر
وتغضب إن لم يجدها الغمام؟
شهور طوال وهذي الجراح
تمزّق جنبي مثل المدى
ولا يهدأ الداء عند الصباح
ولا يمسح اللّيل أو جاعه بالردى.
ولكنّ أيّوب إن صاح صاح
ولقد كتب امل دنقل وابوالقاسم الشابي عن تجربته المرضية شعرا فالمعاناة تخلق عمل فني على الرغم من مسوحاته الحزينة قادر بمنتهى الغرابة على امتاع النفس البشرية.
3- تعليم توظيف الاستعارات والرموز لمن يتلقى العلاج في كتاباته الابداعية وخاصة لمن يعاني من فقد عزيز او حالة مرضية مزمنة او حالة طلاق فهنا كان الرمز هو صبر ايوب وتم توظيف استعارات لدلالة على معنى ،فالقصيدة عبارة عن مناجاة حتى انه يحمد الله على المرض دون دعوة للشفاء فهي صلوات الحمد والامراض هي هدايا وعطاء مثل الظلام والسحر .
ويستخدم الشعر لعلاج حالات الاكتئاب والقلق والتفكير الانتحاري والاعراض العصابية والى حد ما الامراض الذهانية ومتعاطي المخدرات بحيث يحد من هذه الاعراض، ويعزز افاق ورؤى جديدة للحياة واحترام الذات
فاعلية العلاج
قد يكون لذلك تأثير سلبي ما لم يعززه جانب إيماني ،ولذا حتى بعض المبدعين قد تتسبب حساسيتهم المفرطه بمضاعفة المشكلة مثل الاديبة الفلسطينية مي زيادة والتي قتلها فراق جبران خليل جبران وايضا ابراهيم ناجي الذي كان يعذبه نقد طه حسين،وايضا عبد الرحمن شكري في معاركه الأدبية وزميليه في مدرسة الديوان العقاد وشكري وغيرهم ،الا ان ذلك يجب ان يرافقه نوع من سخرية اميل حبيبي في روايته المتشائل ،وقد يكون تأثيره بسيط لمن لا يتذوقه ويتلمس جمالياته .،الا انه علاج فعال وفق المستوى التعليمي للمتلقي وقد يوظف لغير المتعلم الفن الشعبي الموازي للادب الرسمي ،ولا يمكن إهمال ذلك في العلاقات الاسرية ،اذ أن الشعر والقص روح الحياة الاسرية ،فالعلاج بالعمل واللعب والأدوات الأخرى تسهم في نجاة شهرزاد من سيف شهريار وانجاب الأطفال وتعزيز وجود الأسرة ،إذ أن قصص شهرزاد كانت ديمومة واستمرار الحياة الزوجية كما يذكر الناقد بسام قطوس.
وقال تعالى في كتابه العزيز
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82) سورة الاسراء
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
09-08-2017 12:25 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |