22-08-2017 03:48 PM
بقلم : ديما الرجبي
نقرأ عن أبطالٍ في روايات عابرة ويعلقون في أذهاننا وربما نجسدهم
" قدوة" في هذه الحياة الإفتراضية التي فقدت خصوصيتها منذ أن إعتلينا منبراً مجاله مغناطيسي يجذب الأطياف والمذاهب والأفكار والأيدلوجيات وكل ما نمقت ونشتهي ...
وعند مغادرة " ابطالنا" في آخر صفحة من رواية أو قصة نذرف الدموع فجعاً على نهايتهم التي ربما أفقدتنا " عزيز" دون أن نشعر ؟!
وقد يصل عمق الإحساس بهم بأن ندعو ونحن نقرأ حكايتهم أن ينجيهم الله من سوء العاقبة وساعة الغفلة ؟!
ولأن مشاعرنا إفتراضية وحجمها لا يتعدى " تعليق" ندرجه على صفحات نقلبها هرباً وضجراً من واقعٍ نخشى التعمق فيه ، فكانت غنيمتنا من هذه الحياة الالكترونية " البلهاء" التي زرعت في قلوبنا الفارغة سرعة التقلب في مشاعرنا وقسوة التنمر على معارضينا أن أصبحنا لا نفرق بين الألم والمواكبة ...
عندما نشر خبر موت مسعفين في سوريا و_للدقة_ مقتل سبعة من رجال الدفاع المدني في بلاد الحرب والقهر ومنهم " ابو كفاح " ... أصبت بغصة كادت ان تأخذني إلى قوقعةٍ أتمنى أن أهرب اليها دائماً من شدة الظلم الذي يجوب في هذه المعمورة البائسة، لكن لم أفعل .. سألت نفسي من يعرفه حق المعرفة ؟!
لمن لا يعرف أبو كفاح ربما يختلط عليكم إسمه، فتخالوه رجلاً طاعناً بالسن أو في خريف الأربعين من عمره ...
في الحقيقة أبوكفاح وهو _محمد ديب أبو كفاح_ شاب ثلاثيني التحق بركب الإسعاف المدني في بلاد القهر والهلاك _سوريا الجريحة_ ليؤدي الأمانة التي لا نستطيع حملها ولا إتقان اداء تفاصيلها الإنسانية البحتة .
هذا الشاب خرج علينا بفيديو مصور في أثناء بث الإعلام لمجازر النظام السوري في المدنيين وهو ينقذ طفلة رضيعة كان قد إنتشلها من تحت الأنقاض ويبكي بحرقة ويقول " يا الله ، يا الله " فرحاً لأن الحياة كتبت لها عمراً جديداً على يديه وحرقةً على تفاصيل هذه الحياة التي ستعيشها ..
هذا الرجل صاحب القبعة البيضاء غادر حقيقةً وليس افتراضياً بالفعل توفاه الله هو وزملائه وإنتهت جولات إسعاف المدنيين وصولات الألم والقهر في قلبه ...
كانت الجنازة حاشدة بالتغريدات والأوسمة والإعجابات والتعليقات وثقلى بالحزن الإفتراضي وعناوين الأخبار لم تتوانى عن تقديم واجب العزاء به وأصدقاءه، بل خصصت له ومن معه وثائقياً يعرضون به حقيقة أنه كيان من لحم ودم وليس مخلوق ممنتج ...
هذا الرجل وغيره من ضحايا الحروب وشهداء بطش الإنسانية وفجورها ما زال _ والحمد لله _ يوقظ مشاعر حقيقية في داخلي فما زلت أفرق بين طعم الألم ومواكبته وشعور الغيظ وإدعاءه وما زلت أستطيع أن أنظر لنفسي في المرآة وأتعرف عليها من خلالي وليس من خلال هذا الفضاء الأبله ..
وأستطيع أن أدخل في موجة إكتئاب تعتبر " سخيفة" لسكان العالم الإفتراضي وما زال عقلي يحتفظ بذاكرة "الخسارة العربية" ولم أرضخ لمعايير السرعة التي قتلت فينا الحياء والحياة ...
أنا لا أعرف أبو كفاح ولكن أعرف طعم الخسائر ...
الله المستعان