28-08-2017 08:35 AM
بقلم : أحمد محمود سعيد
منذ حوالي الف وخمسمائة عام نزلت الرسالة على سيدنا محمد عليه افضل الصلاة والسلام وكان كتّاب الوحي يدوِّنون ما ينزل على الرسول الكريم على ما توفّر من صحائف مختلفة .
و كتّاب الوحي، هم الكتبة الذين كان يطلبهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم حينما ينزل عليه آيات من القرآن الكريم في حياته، ويأمرهم بكتابة ما أوحي إليه عند نزوله ويبلغها أصحابه، وبذلك فقد كان القرآن الكريم كلّه مكتوباً على اللّحاف، والرقع، والأقتاب، والأكتاف، والعسب عند وفاته. وقد اختلف كتّاب السيرة في تحديد أسماء كتّاب الوحي وأعدادهم، فمنهم من عدّهم ثلاثة عشر كاتباً، ومنهم من زادهم إلى العشرين، ومنهم من عدّهم ثلاثة وعشرين كاتباً كابن كثير مثلاً، ومنهم من عدّهم اثنين وأربعين كاتباً للوحي.
من أهمّ كتّاب الوحي الذين ذكروا في الكثير من الكتب,الخلفاء الراشدون وهم أبو بكر الصدّيق,و عمر بن الخطّاب,و عثمان بن عفّان,و علي بن أبي طالب, وكذلك الصحابة الأجلاء , أبيّ بن كعب,وزيد بن ثابت,و معاذ بن جبل,و الأرقم بن أبي الأرقم,و ثابت بن قيس,و حنظلة بن الربيع,وخالد بن سعيد بن العاص,و سيف الله المسلول خالد بن الوليد, و الزبير بن العوّام.
وفي بعض المراجع يتم تصنيف كتّاب الوحي إلى كتّاب مكّة، و كتّاب المدينة، و كتّاب ما بعد الحديبية .
ممّا يجدر ذكره، أنّ الرسول ًصلّى الله عليه وسلّم عندما توفيّ كان القرآن الكريم مكتوباً على مختلف وسائل الكتابة التي توفرّت لهم آنذاك، إلّا ّأنّه لم يكن مرتباً أو مجمّعاً في عهده, وقد شهد عهد خلافة أبي بكر الصديق تجميع القرآن الكريم بنصيحة من الفاروق عمر بن الخطّاب رضي الله عنهم خوفاً عليه من الضياع، وقد أمر عثمان بن عفان بعمل سبع نسخ من القرآن الكريم وتوزيعها في أقطار المسلمين، وتنقيطها خوفاُ عليه من التحريف والضياع بعد دخول الكثير من الأعاجم إلى الإسلام في عصر الفتوحات.
"والاجتهاد في الإسلام هو بذل الجهد لإدراك حكم شرعي من أدلته الشرعية ، وهو واجب على من كان قادراً عليه ؛ لأن الله عز وجل يقول : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) صدق الله العظيم ، والقادر على الاجتهاد يمكنه معرفة الحق بنفسه ، ولكن لابد أن يكون ذا سعة في العلم واطلاع على النصوص الشرعية ، وعلى الأصول المرعية ، وعلى أقوال أهل العلم ؛ لئلا يقع فيما يخالف ذلك ، فإن من الناس طلبة علم ، الذين لم يدركوا من العلوم إلا الشيء اليسير من ينصب نفسه مجتهداً ، فتجده يعمل بأحاديث عامة لها ما يخصصها ، أو يعمل بأحاديث منسوخة لا يعلم ناسخها ، أو يعمل بأحاديث أجمع العلماء على أنها على خلاف ظاهرها ، ولا يدري عن إجماع العلماء , ومثل هذا على خطر عظيم ، فالمجتهد لابد أن يكون عنده علم بالأدلة الشرعية ، وعنده علم بالأصول التي إذا عرفها استطاع أن يستنبط الأحكام من أدلتها ، وعلم بما عليه العلماء ، بأن لا يخالف الإجماع وهو لا يدري ؛ فإذا كانت هذه الشروط في حقه موجودة متوافرة فإنه يجتهد .
ويمكن أن يتجزأ الاجتهاد بأن يجتهد الإنسان في مسألة من مسائل العلم فيبحثها ويحققها ويكون مجتهداً فيها ، أو في باب من أبواب العلم كأبواب الطهارة مثلاً يبحثه ويحققه ويكون مجتهداً فيه وقد قال تعالى
إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا صدق الله العظيم
يعتبر علماء الدين الإسلامي الاجتهاد من أهم الوسائل التي يتمكن بها العالِم المختص من التوصل إلى الأحكام الشرعية في مسائل الحياة المتجددة, ففيها يتعرفون على أحكام الحياة كلها، وبها يسترشدون على سلامة سلوكهم وعملهم, ومع تجدد الحياة وكثرة المستجدات فيها، كان لابد من وجود فئة متخصصة في العلوم الشرعية وما يتصل بها، تتولى مهمة النظر في القضايا المستجدة وبيان الأحكام الشرعية المناسبة من كل منها بحيث يسهل الرجوع إليها، والاستئناس بها، وكان من المناسب أن يتولى علماء الأمة بمساعدة الدول الإسلامية مهمة توفير حاجة المجتمع من هذه الفئة ؛ بإنشاء التكتُّلات العلمية والكليات الشرعية والمجمعات الفقهية والهيئات العامة للإفتاء، وتنظيم لقاءات علمية بين المختصين الشرعيين.
وقد حدد الفقهاء والأصوليون مجال الاجتهاد وهو كل حكم شرعي ليس فيه دليل قطعي الثبوت، فخرج به مالا مجال للاجتهاد فيه مما اتفقت الأمة عليه من ظواهر وجليِّات الشرع كوجوب الصلوات الخمس والزكاة والصيام وتحريم الخمر والربا والزنا والسرقة إلى غير ذلك مما ورد فيه دليل صريح واضح لايقبل الجدل.
كما أن مجال الاجتهاد يكون في أمران الأول مالا نص فيه أصلاً أو مافيه نص غير قطعي, ولا يجري الاجتهاد في القطعيات ولا فيما يجب فيه الاعتقاد الجازم من اصول الدين إذ لا جواز للاجتهاد في مورد النص, وهذا الأصل جارٍ في القوانين الوضعية فمتى كان القانون صريحاً لا اجتهاد فيه ولو كان مغايراً لروح العدل, والقضاة مكلفون بتنفيذ أحكامه حسبما وردت لأن تفسيره يرجع إلى الواضع للقانون.
وبعد وفاة الرسول (ص) انشغل الكثير من العلماء بتفاصيل السيرة النبوية الشريفة وما يتعلّق برسول البشريّة من قول او فعل او إيماءة او غير ذلك وتعدُّ السيرة النبوية هي أعظم سيرة لإنسان على وجه الأرض، فهي السيرة المكتوبة التي حفظ الله جزءاً غير قليل منها في القرآن الكريم، إذن هي خالدة بخلوده ، وزادها عظمة جهود علماء المسلمين الأوائل من محدثين ومؤرخين في التبويب والتحقيق والشرح والتوثيق والحفظ.
وقد مرت السيرة النبوية بداية بعدة مراحل اولها المرحلة الشفوية في رواية السيرة، من خلال مرحلة التدوين المبكرة للسيرة النبوية وابتداء التأليف فيها وثم تطور كتابة السيرة النبوية عبر القرون الإسلامية.
وكانت المرحلة التي صاحبت مرحلة الرواية الشفوية للسيرة النبوية، وبها بدأت مرحلة التدوين المبكر للسيرة على يد بعض الصحابة واشهرهم عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنه حيث كان من أبرز الصحابة اهتماماً بتدوين أحاديث الرسول (ص) حتى أنه كان يكتب كل ما يسمع من رسول الله (ص) في حياته، ولم يمنعه النبي (ص).
وأملى البراء بن عازب، رضي الله عنه في مجلسه العلمي شيئاً كثيراً من غزوات رسول الله (ص)، وخاصة فيما يتعلق بالهجرة النبوية، وبعض الغزوات، كغزوة بدر وأحد، والخندق، والحديبية، وفتح مكة، وحنين.
وثم جاء دورالتابعين في تواتر روايات وأخبار السيرة النبي (ص),وتبدأ هذه المرحلة بأولاد الصحابة والتابعين الذين تلقوا روايات السيرة شفاهة من الصحابة، وحرص جيل كبار التابعين على تلقي السيرة بنفس الاهتمام الذي بَلَغَ به الصحابة هذا العلم.
وبعد ذلك كانت مرحلة التدوين المبكرة للسيرة النبوية وابتداء التأليف فيها في كتب مستقله، ومختصة بالسيرة النبوية حيث نجد الإتِّفاق على أن التأليف كان عبارة عن تدوين أجزاء معينة لأخبار معينة، ولم تكن شاملة أو متكاملة، فقد اقتصر الأمر لدى بعضهم على تدوين أخبار المغازي، وذهب آخرون فكتبوا عما لاقاه الرسول (ص) في مكة قبل الهجرة، وغيرهم كتبوا في تاريخ الهجرة , وقداستفاد الرواة والمحدثون في ضم المعلومات التي يتمم بعضها الآخر، الذي أدّى إلي رسم منهج التأليف في السيرة على نحو علمي سديد اقتفى أثره مصنفوا السيرة فيما بعد.
لقد حرص كتّاب السيرة ورواتها على ترتيب أحداث السيرة وفق الترتيب التاريخي وتتابعها ، وهذه الطبقة التي تميزت بمجهودها الوافر خلال القرن الثاني للهجرة، ولكن لم يصل لنا من كتبهم شيء، بل وصلنا الكثير من رواياتهم في السيرة, وهؤلاء جميعًا عاصروا الصحابة وأخذوا عنهم.
ومن مميزات السيرة العطرة أوّلا صحتهاحيث تعدّ السيرة النبوية أصح سيرة لتاريخ نبي مرسل عرفته البشرية حتى يومنا هذا حيث وصلت إلينا أحداثها الثابتة من أصح الطرق، وأقواها ثبوتاً، وذلك لأن القرآن الكريم ذكر جانباً كبيراً ومهماً من أحداثها، ووقائعها.
وثانيا وضوحها لكونها عرضت سيرته في جميع مراحلها، منذ زواج أبيه بأمه إلى وفاته (ص (بشكل مفصّل ودقيق مقرونة بسنوات حدوثها، دون انقطاع أو غموض، فهو كما قال بعض النقاد الغربيين: "إن محمداً (ص) هو الوحيد الذي ولد في ضوء الشمس".
وثالثا واقعيتها فبالرغم مما أكرم الله به نبيه )من المعجزات و الانتصارات والنجاحات ما لم يحققه لغيره من البشر ، فإن ذلك لم يخرجه عن بشريته وإنسانيته، أو تجعل حياته كالأساطير، ولم يحط بهالة من التقديس، تضفي عليه أوصاف الألوهية ، بل كانت سيرته متوازنة في عرضها لحياته ، فذكرت مواطن الثناء عليه ، وذكرت مواطن العتاب له من الله تعالى , واخيرا شمولها حيث تشمل سيرة النبي (ص) كل النواحي الإنسانية، الفردية والجماعية، فهي تحكي الجوانب الاجتماعية من حياته؛ كزواجه، وعلاقاته بزوجاته وأهله، كما تتحدث عن الجوانب الشخصية؛ كيتمه، وشبابه، واستقامته وتجارته، وتتحدث عن جوانب دعوته وما كابده في سبيل تبليغها، وتتحدث عن الجوانب السياسية والإدارية، في سياسة أمته ورعاية مصالحها، وعن الجوانب العسكريةوغيرها.
ولقد عصم الله الأمة أن تجتمع على ضلالة ولكنه لم يعصم أي جماعة منها أن تخطئ أو تضل خصوصًا في القضايا الاجتهادية التي تتعدد فيها وجهات النظر.
ولذلك فإن بعض المخلصين يخافون من فتح باب النقد وولوجه ممّن يحسنه ومن لا يحسنه، وهذا هو العذر نفسه الذي جعل بعض العلماء يوصون بسد باب الاجتهاد, ولكن من المفيد أن يُفتح الباب لأهله، ولا يبقى في النهاية إلا النافع للمسلمين وتسهيلا لحياتهم,
كما ان السيرة لا تنكر تعدد الجماعات العاملة للإسلام، ولا يرى مانعًا من التعدد إذا كان التعدد فيه تنوّع وتخصص كجماعة تختص بتحرير العقيدة من الخرافة والشرك، وأخرى تختص بمشكلات الأسرة، واخرى تعنى بالعمل السياسي.
كما أن على علماء المسلمون أن ينتقلوا من مرحلة الكلام إلى مرحلة العمل على مستوى الإسلام وتغيرات العصر.
كما ان بعض العاملين في ألإسلام يحرموا أنفسهم من العمل لخير النّاس أو مساعدتهم منتظرين الدولة لكي تقوم بذلك, ويجب ان يُراعى التخطيط القائم على الإحصاء ودراسة الواقع، ومن الآفات المعاصرة كغلبة الناحية العاطفية على الاتجاه العقلي والعلمي.
كما يُأخذ على بعض العلماء والعاملين للإسلام النفور من الأفكار الحرّة والنزعات التجديدية التي تخالف المألوف والمستقر من الأفكار، بل واحيانا ضيقهم ببعض المفكرين ورغبتهم بإقصائهم , حيث أن الاستبداد السياسي هو مفسد للإدارة والاقتصاد والأخلاق والدين و للحياة كلها.
وكما أن اليقظة الإسلامية تتفق في حبها للإسلام، واعتزازها برسالته، وإيمانها بضرورة الرجعة إليه، والدعوة إلى تحكيم شريعته ، وتحرير أوطانه، وتوحيد أمته, وحيث ان اهم تيارات تلك اليقظة هو "تيار الوسطية الإسلامية" ومنه جائت رسالة عمّان, وتعمل الوسطية على الموازنة بين الثوابت والمتغيرات, وكذلك تحذِّر من التجميد والتجزئة للإسلام ,وتشجِّع الفهم الشمولي للإسلام,
وتعمل على ترشيد اليقظة، وتمنع الغير من احتواءها أو السيطرة عليها، فمن الخير أن تبقى اليقظة حرّة غير مسيّسة او متحزِّبة.
وما سمعنا عنه من آراء ومقترحات للرئيس التونسي اخيرا من إقتسام الميراث بالتساوي بين الذكر والأنثى وكذلك من تعديل القانون المدني ليُسمح للمسلمة ان تقترن بزوج غير مسلم لهو دليل على تقصيرعلماء المسلمين وعلى الغياب الصارخ للإجتهاد في الإسلام ممّا يؤثِّر في حياة المسلمين وسلوكيّاتهم بل ويعكس ذلك نظرة الشعوب المتحضِّرة للإسلام والمسلمين وقد يكون ذلك من اسباب اختلاط مفاهيم عديدة لدى بعض من يقصدون الإساءة للإسلام والمسلمين عن قصد او عن جهالة كما يدل على غياب باب الإفتاء .
اللهم ارشد علمائنا لما هو خير ديننا وخير حياتنا وكن معنا لننتصر على داخلنا ونغيِّر ما بانفسنا ونفوز برضاك وجنّتك يا ارحم الراحمين .
ambanr@hotmail.com