14-09-2017 01:17 PM
بقلم : د. عادل محمد القطاونة
لندن – المملكة المتحدة – بين اصلاح مالي واصلاح ضريبي، واصلاح شامل وآخر كامل، وضريبة على الدخل وضريبة على الأصل، وفي خضم مصطلحات مالية متعددة وكلمات تفسيرية متناثرة، وفي ظل ابتعاد المشرع عن الواقع وتجاهل مقصود للمشتري والبائع، يجتهد المواطن في ملفات الاصلاح الضريبي حتى يغدو فيه العالم جاهلاً والجاهل عالماً ليدخل الحكومة في سلسلة من التناقضات ودرئ للاتهامات وموجة من التساؤلات!! وبعيداً عن المزايدات والمفارقات في كل ما يقال وقيل وسيقال وفي عبور لما يريده صندوق النقد الدولي يتساءل البعض عن ملف الاصلاح الضريبي! فمن هو المسؤول عن الاصلاح؟ وهل مؤسسات الدولة بشقيها الخاص والعام جزء من هذا الاصلاح؟ ولماذا كل هذا الاعتراض على هذا الاصلاح؟ وبعيداً عن الدلالات الضريبية الدقيقة من فجوة ضريبة عميقة وانعكاس ضريبي عقيم، تحصيل ضريبي مانع وتهرب ضريبي واسع، ازدواج ضريبي موجود وتخطيط ضريبي مفقود. يعتقد الكثيرون فيه أن الملف الضريبي ملف شامل يستدعي رؤية ثاقبة تحفز الاستثمار وتمهد الاستقرار وتؤكد الاستمرار، وليس ملفاً لزيادة الأصفار على الارقام والإضرار على الأعمال والإصرار على الأفكار.
الم يدرك ساسة الضريبة حتى الآن على أن الاصلاح الضريبي لم يكن في يوم من الايام عبر زيادة العبء الضريبي من خلال تخفيض الاعفاءات الضريبية الممنوحة او زيادة المعدلات الضريبية المفروضة! وأن الإصلاح الضريبي الإبداعي يبدء من خلال ثورة فكرية بيضاء تقوم على فكر استثنائي يقضي بتخفيض المعدلات الضريبية وتوسيع القاعدة الضريبية والتركيز على التوسع الأفقي وليس العامودي، وتفعيل اجراءات التحصيل الضريبي وتحديداً الالكتروني منها، وكبح جماح التهرب الضريبي وتحسين الادارة الضريبية واعادة الهيكلة لآلية التدقيق والتقدير الضريبي، وتحفيز التقدير الذاتي والتوسع في حجم العينات المقبولة، وإعادة النظر في صغار المكلفين ضريبياً، وزيادة الثقة ما بين المواطن والمستثمر والسلطات الضريبية، وتسهيل الاجراءات من تواقيع وأختام واعادة النظر في اجراءات الاقتطاع من المصدر والحصول على براءة الذمة ورفع الحجز والتقدير على الموظفين وحرية الحصول على المعلومات الخاصة بالمكلف الضريبي وغيرها من بيروقراطية العمل التي ارهقت المواطن ورفعة من تكلفة تحصيل الايراد الضريبي وهو ما يقودنا الى كفاءة التحصيل الضريبي، وغيرها من الأدوات التي يمكن أن تسهم في تحصيل مئات الملايين من الدنانير ودون اي زيادة في المعدل الضريبي او تخفيض في الاعفاء الشخصي!
بعد سلسلة من الضرائب المباشرة وغير المباشرة وتماشياً مع سياسة شد الأحزمة واعادة الهيكلة خلال السنوات العشر الأخيرة، فقد بينت ارقام الايرادات الضريبية في العام 2014 وصولها الى 4.037 مليار دينار أردني وارتفعت في العام 2015 الى ما يقارب من 4.096 مليار وبلغت في العام 2016 بالارقام التقديرية 4.597 مليار بينما بلغت العام 2014 في بريطانيا ما يقارب من 648 مليار جنيه استرليني، ولعل المتابع للواقع الضريبي في الأردن يلمس بأن التحصيل الضريبي للضرائب الغير مباشرة (ضريبة المبيعات) يفوق التحصيل الضريبي للضرائب المباشرة (ضريبة الدخل) بأكثر من ثلاث أضعاف، مما يعطي مؤشراً واضحاً على وجود فجوة في ادارة الملف الضريبي، وأن التعديل المتكرر للأنظمة والتعليمات المرافقة لقانوني الدخل والمبيعات خلال السنوات القليلة الأخيرة لم يسهم إلا في تأخير عجلة النمو الاقتصادي وتردد العديد من المستثمرين الخارجيين في الدخول الى السوق الأردني، ورحيل بعض المستثمرين المحليين الى دول مجاورة، وزيادة في الأعباء المعيشية والحياتية للمواطن الذي تآكل دخله المحدود مع مرور الزمن في ظل محدودية الزيادة في الرواتب والتي لم تكن في يوم من الأيام تتوافق مع معدلات التضخم وزيادة الأعباء الضريبية.
الم تدرك الحكومات المتعاقبة حتى الان على أن دولة كقطر لوحدها بلغت استثماراتها في بريطانيا لوحدها أكثر من 60 مليار جنيه استرليني خلال السنوات العشر الأخيرة، وأن مجموع ما يستثمره رجال الأعمال العرب لوحدهم في بريطانيا يفوق ال 300 مليار جنيه استرليني، بينما ينخفض هذا الرقم تقديرياً الى 5 مليار دولار في الاردن، والسؤال: لمــــاذا ؟ وهل كان للمزايا الضريبية والعمالية التي منحتها الحكومة البريطانية وغيرها من الدول الغربية دور في تشجيع العديد من المستثمرين للدخول الى السوق؟
الم تدرك الحكومات المتعاقبة على أن الضرائب تدخل ضمن دراسة الجدوى الاقتصادية لاي استثمار، وأن ربحية المنتج أو الخدمة تتأثر بالبعد الضريبي، وأن المستثمر الحصيف يدرس الخيارات الاستثمارية المتاحة في أكثر من دولة وصولاً للدولة التي تحقق له الربحية الاعلى، ألم يدرك البعض على أن ارتفاع معدل البطالة يعود في جزء منه الى المعدلات الضريبية المرتفعة لبعض القطاعات والتي لا تشجع على الاستثمار بها؟ الم يدرك الكثيرون على أن المنشآت الضخمة والتي توظف المئات من العاملين بحاجة الى تحفيز ضريبي يستدعي من الحكومة العمل على ربط الوزارات المختلفة من وزارات العمل، التخطيط، الصناعة والتجارة وغيرها من الوزارات ومديرياتها العاملة مع وزارة المالية ودوائرها وصولاً لجسم حكومي رشيق يتمكن الجميع فيه من تبادل المعلومات الصحيحة والإحصائيات الدقيقة وصولاً لإصلاح اقتصادي واعد قادر على جلب الاستثمار وتحقيق الإزدهار.
أخيراً وليس آخراً فان التعديل المستمر في القوانين، الأنظمة والتعليمات الاقتصادية وخصوصاً الضريبي ورفع المعدلات الضريبية لم يكن في يوم من الأيام مخرجاً صحيحاً للواقع الاقتصادي الصعب لأي دولة من الدول، فالجسم المريض لا يشفيه زيادة الأدوية بالقدر الذي يشفيه تحديد الدواء الصحيح القائم على التشخيص الدقيق لأصل المشكلة، وبعيداً عن المغامرات والمزايدات التي قد تؤدي في بعض حالاتها الى موت المريض لا شفاءه، ان ما يطلبه المواطن البسيط والمستثمر النشيط يقوم على نظام ضريبي بسيط نشيط واضح المواد القانونية، لا يقبل الاجتهاد والانتقاد، لا الفساد والحياد، غير قابل للتعديل المتكرر، نظام ضريبي شامل يراعي الطبقة الوسطى والدنيا ويحفز الطبقة العليا، يشجع الاستثمارويدفع الأعمال للاستمرار والإزدهار وصولاً لاصلاح ضريبي شامل.