23-09-2017 03:09 PM
بقلم : أ.د رشيد عبّاس
ذات يوم نقلت لي إحدى الأمهات كولية أمر لإحدى طالبات الصف الخامس, نقلت لي معلومة في غاية الأهمية حول سلوك طيب لواحدة من المعلمات اسمها «اعتدال» في إحدى المدارس الأردنية, لتبدأ القول واصفة تلك المعلمة أنها معلمة متميزة بحق إنها المعلمة اعتدال,..تقول هذه الأم أن المعلمة اعتدال تقف أمام جميع الطالبات في غرفة الصف, وتوزع النظرات بعدل ومساواة على جميع الطالبات, تسأل الجميع وتستمع للجميع, تبتسم بوجه جميع الطالبات, تكتب على السبورة ليرى الجميع, وتتكلم ليسمعها الجميع, تنحني أمام الجميع, تهتم بالجميع, تعزز الجميع وتنصح الجميع, تعيد بعض الأفكار الصعبة في الدرس للجميع, تعطي الدرجات(العلامات) بحق وأحقية لجميع طالبات الصف,..في نهاية الحصة وقبل الانصراف تودع الجميع بعد إعطاء الواجب ألبيتي أيضا للجميع, نعم إنها المعلمة اعتدال, وأكثر من ذلك بكثير تقول هذه الأم بحق هذه المعلمة: اعتدال المعلمة أنموذج يجب أن يعمم.
في المقابل, يقال أن كل ما في هذا الكون العظيم آية من آيات الله سبحانه وتعالى, وعلينا تقليب صفحات هذا الكون لنرى روعة هذه الآيات, ومن هذه الآيات الجميلة اعتدال الفصول الأربعة, كاعتدال الخريف الذي يصادف يوم الجمعة الموافق 22/9/2017 وهو تاريخ محدد بالساعة والدقيقة والثانية والذي ننتقل فيه من فصل الصيف إلى فصل الخريف,..ما أجمل هذا اليوم والذي يسمى اعتدال, الذي يتكرر أربعة مرات خلال العام والذي تتقلب فيه الفصول الأربعة, من صيف إلى خريف إلى شتاء إلى ربيع, وهكذا.., اعتدال تتساوي فيه ساعات النهار مع ساعات الليل, في هذه اللحظات تصل جميع الكائنات الحية التي أوجدها الخالق من نباتات (كائنات حية دون روح), وأحياء (كائنات حية بروح) على هذه الأرض تصل إلى حالة من التوازن الطبيعي دون تدخل البشر, أو بلغة أخرى التكيف لما هو قادم وجديد عليها,..وعلينا هنا فقط أن نقول لا اله إلا هو خالق الكون ومبدعه.
هناك أشخاص(سبحان الله) بالفطرة لديهم اعتدال بشري على مدار الساعة, هؤلاء يعرفون ما لهم وما عليهم, يميزون بين الصحيح والخطأ, يميزون بين الحلال والحرام, يميزون بين الممكن وبين الغير ممكن, هؤلاء يعرفون حدودهم إلى أين تصل, نعم هم أشخاص بالفطرة متوازنين, لديهم اعلي درجات التكيف, هذا الاعتدال الفطري الفردي البشري ينسحب أيضا على أية جماعة أو أية فريق(مجموعة من البشر), فنجد أن هناك جماعة من البشر لديهم اعتدال في طرح المشاكل والقضايا والتحديات واعتدال في تناول مثل هذه القضايا وحلها والتغلب عليها بطريقة موضوعية ومنصفة ومتساوية,..وابعد من ذلك يمكن بالضبط التحدث والحديث عن ما يسمى باعتدال الدولة من منطلق النظر إلى توزيع جميع الثروات والموارد الطبيعية بطريقة عادلة ومتساوية لجميع مناطق الدولة دون تحيز, آخذين بعين الاعتبار حجم السكان والحاجات الحقيقة لهم في تلك المناطق كي نحقق مفهوم «العدل» و«المساواة » في هذا الجانب, حيث أننا نحتاج أحيانا إلى العدل وأحيانا أخرى نحتاج إلى المساواة وربما يتطلب الأمر إلى حاجتنا إلى العدل والمساواة في آن واحد.
اعتقد جازما أننا في الأردن وصلنا إلى ما يسمى بــ(اعتدال الدولة), فقد تحقق نسبة جيدة من العدل والمساواة في جميع محافظات المملكة, والشواهد على الأرض كثيرة جدا ولا يستطيع احد إنكارها, فعلى سبيل المثال لا الحصر, نجد أن توزيع المدارس والجامعات والمستشفيات ومؤسسات أخري على جميع المحافظات يحقق مبدأ العدل والمساواة بين المحافظات, ثم أن هناك نسبة جيدة من المشاريع التنموية تنتشر في مثل هذه المحافظات, ناهيك عن شبكة الطرق التي تربط جميع محافظات المملكة بعضها ببعض بطرقة هندسية قل نظيرها في المنطقة,..إن توزيع الدولة للأموال لكافة المحافظات وفق معيار العدل والمساواة, لتقوم بعد ذلك مجالس المحافظات ومجالس اللامركزية المنتخبة فيها بإعداد موازناتها وفق مناقشات مطوّلة آخذين بعين الاعتبار أولويات المحافظة ما هو إلا صورة من صور (اعتدال الدولة) التي ينشدها كل مواطن, والتي دعا لها جلالة الملك عبد الله الثاني المعظم.
بقي أن نقول تجربة رائدة تلك التي تسمى «اللامركزية», وتجربة أروع حين يقوم أبناء المحافظة المنتخبين كفريق عمل بصياغة موازنة المحافظة وترتيب أولوياتها وإقرارها, كل ذلك بمباركة أصحاب العطوفة المحافظين ومدراء الإدارات والدوائر في المحافظات,..نعم هذا اعتدال دولة بأم عينه, وإصلاحات دولة بأم عينه, وعمل شراكات مجتمعية بأم عينه, لقد قدّم الأردن ويقدّم أجمل النماذج في مشاركة المجتمع في صياغة القرارات واتخاذها, وأجمل النماذج في تحّمل المسؤولية والمحافظة على ممتلكات الوطن ومقدّراته,..نبارك للأردن من قلوبنا اعتداله تجاه شعبه ومواطنيه ونقول إلى الأمام إلى الأمام, فالمظلة هاشمية واسعة تستوعب كل المخلصين والغيورين على وطنهم المعطاء, وبمناسبة إعلان سلوك اعتدال المعلمة داخل الغرفة الصفية, واعتدال الخريف هذه الأيام, نعلن أيضا اعتدال الدولة(الأردن) من خلال اللامركزية التي طرحها قائد الوطن جلالة الملك عبد الله الثاني المعظم أدام الله ظله.