03-10-2017 12:37 PM
بقلم : سعيد ذياب سليم
لماذا يذكّرنا الخريف بالنهايات و الرحيل ؟ ألا نظلمه بذلك و هو الموسم الذي تهدأ فيه العواطف، فلا صيف يركض القلب على شواطئه، ولا شتاء يحاصر الأبواب والنوافذ وتحبسنا مقاهيه تحت سحابة من دخان.
هو استراحة بين فصلين جريئين، متطرفين في الحب، أحدهما تجلدنا سياط حرارته، و الآخر يهزمنا برده، فيأتي الخريف يسير كهدوء العجائز ، يهدهدنا ، تغرقنا نسماته الباردة، يطفئ بها حريق أعصابنا، و مثلما يصبغ الربيع أجواءنا بألوان زهوره، يعطف علينا الخريف بجماله الهادئ، يلقي علينا أوراقه الملونة، تتقاذفها أقدام الريح، فإذا حطت وُريّقة على أكفنا، سمعنا موسيقى ملائكية تودع الحياة ،وتسرق منا دمعة.
رحلة الشمس تبدأ به باتجاه الجنوب، و الليل يزداد عمقا، يزورنا في ميعاده، يطيل مكوثه كل مرة، لتحملنا خيول السهر إلى شعاب الذاكرة تتجول بنا بين أشجار غابتها، ننتظر أمطار الشتاء معا، كأنه شخص انطوائي، نخطئ في الحكم عليه، فإذا اقتربنا منه و سمعنا قصته، تعاطفنا معه و أصبح الخريف صديقنا المقرّب.
يحملنا قطاره من محطة الصيف، من بين موجات البحر، وعبث الشطآن، من نهاراته الناصعة، ضحكاته وصخبه، ويترك على رصيف المحطة أصدقاء الصيف وحماقاتهم، نراهم يبتعدون، ليصبحوا أشباح ذكرى، وفي المحطة القادمة، ينتظرنا زمهرير الشتاء، عواصفه، و أمطاره، نهاراته الكئيبة، و ليله المبلول.
تختلط فيه المشاعر لوعة و لهفة، تتنوع فيه الأجواء، وتنحدر باتجاه الشتاء، لكنه الفصل الأقل حظا بين العشاق، فإذا سألت القلب، يقف حائرا بين مغامرات الصيف اللذيذة، و حكايات الشتاء المشحونة بالدفء الآسر حول مواقده، فيقف الخريف خجولا بين هذين الفارسين، تصفر أوراقه، وتتزين أشجاره باللون الذهبي، تأخذ من العيون لونها البني، من أخبرها أن أيلول شارف على نهايته و أن تشرين يطرق الأبواب؟ رغم ذلك، ترى بعضهن يتمسّكن بخضرتهن و كأنهن يعاندن القدر، حتى يهجم عليهن الشتاء، فينزع عنهن دثارهن، ويتركهن، مثل عروق باطن الكف، عطشى للحياة.
أيها الخريف، لا ترحل سريعا، فقد أحببناك ، كم قصة عشق نسجتها أكفك بخيوط ذهبية ، لكننا في الشرق لا نجهر بالحب، ولا نعترف به بسهولة، تنكسر عواطفنا أمام عنادنا، فيعيش في الظل، يبتعد عن أنوار الشوارع ويسير في الظلمة، كم نشبهك عندما تعرينا الحقيقة، فلا نعرف صورنا في المرآة، وننتظر الربيع، ليهب لنا قناعا آخر، نخفي فيه حقيقتنا.