09-11-2008 04:00 PM
أكثر من مناسبة تدفعنا لذكر هذا القول، ولعل أهمها ،هو طرح "خيار صهيوني" للتخلص من "العريس" بل وتزويجه من عروس،هي في الواقع زوجة لعريس أردني شيمته التعقل والحكمة والصبر،لكن لحدود لا ننصح باختبار أو تجاوز مداها..
انني أقتنع تماما بأن الشعب الفلسطيني احترف الصمود، في وجه أقذر القوى وأكثرها انحطاطا أخلاقيا، وأن هذا الشعب يدفع ثمنا كبيرا للحفاظ على شرف أمة ومقدساتها وصفحات كرامتها، لكنني في الوقت ذاته أرى وألمس بكل جوارحي أن في صفوفه من لا يتوانى عن بيع كل شيء لقاء منصب هنا أو هناك،وحفنة من دولارات مغموسة في دم طفل فلسطيني أو عربي .. وهؤلاء هم الأشد خطرا من المحتل الغاصب، ومثلهم يجدون في بيئة الفوضى مكانا ملائما "للتفقيس" والتكاثر اعتمادا على قانون المصالح والتحصيل، ومثلهم من تسبب في أحداث (أيلول المشؤومة) التي كانت معبرة عن مقدار الفوضى التي يفتعلها أهوج بيده سلاح، وهنا تحديدا أجد نفسي مرغما على ذكر حادثة شخصية كنت شاهد عيان عليها،وأورثتني ما أورثت من قناعات..
ففي أيلول 1970 كنت في الرابعة و5 شهور من عمري، وفي قريتنا (الربه في محافظة الكرك) حيث كنت برفقة والدي رحمه الله في جولة تفقدية للـ(هوايش : جمع هايشه،وهي ما ملكت يد فلاح من دابة يستخدمها لأغراض الزراعة والفلاحة)،وكانت تلك الهوايش مربوطة بالقرب من بئر قريبة من بيتنا،وعند وصولنا الى البئر وكان الوقت عصرا، ظهر شاب لم يبلغ العشرين آنذاك، قائلا لوالدي : ( ارفع ايدك)، فاستشاط رحمه الله غضبا،وأجابه بشتائم لا حصر لها،وهي ربما المرة الوحيدة التي أسمع فيها المرحوم يقول لأحدهم (يا هامل)،وكلمات أخرى فهمت منها أن هذه ليست فلسطين وليس فيها يهود، بل انهم "غرب" في فلسطين.. ورأيت الذي نعته والدي بالهامل (يزرق) في خيمة كانوا قد نصبوها على درب تلك البئر..
وفي الحقيقة مضت سنوات لأفهم سورة الغضب الفائضة، التي دعت (فلاح أعزل من البواريد) أن يواجه شابا فاقدا لكل العناوين بمثل تلك الكلمات، وفهمت أنه – والدي رحمه الله- كان يعاني في تلك الأيام من فجيعة فقدان ابن عمه في تلك الأحداث، حيث كان الشهيد عبدالحافظ عبيد القيسي شرطيا آنذاك،وتم غدره في منزله الكائن حتى الآن في جبل المريخ في عمان، وهو الشهيد السادس من عائلتنا الذي قدم دمه من أجل رفعة الوطن ودوام قيادته المباركة.. ومازال قبره ماثلا أمام بوابات بيوتنا في منطقة السامك، قلنا السادس ولم نقل الأخير،فأرواحنا رخيصة في سبيل الأردن والملك والأهل.
"الخيار الأردني" هو اسم حركي لطرح سياسي يقدمه الصهاينة،كحل ملائم لابتلاع فلسطين وترحيل "ترانسفير" أهلها من داخل فلسطين ومن الشتات الى المملكة الأردنية الهاشمية، وقلنا (كحل ملائم) لكنه ليس بالضرورة حل نهائي،فالحلم الصهيوني لا يقتصر فقط على اغتصاب فلسطين،بل يتعداها بعيدا،وهو الأمر الذي يعتمد على الظرف الدولي،واكتمال "الترانسفير الصهيوني" الى ما تم اغتصابه من أرض..
قصة "الخيار الأردني" معروفة،وجرت حولها أحاديث كثيرة،ولست بصدد إعادة اجترارها ولفظها في وجه من يقرأ هذه المقالة،لكنني أود أن ألفت عناية القاريء المحترم بأن هنالك ما يمكن تسميته "الفقوس" الذي انبثق عن مثل هذا "الخيار"، حيث يوجد دوما "عقليات وهمم وذمم" سياسية تنهل من معين وطني لكن على أساس نظرية "نسبية"،يتم فيها تقزيم الأوطان والولاءات والانتماءات الى حدود الدولارات والمصالح الشخصية، وأهم سمات هذا "الفقوس"،أنه كائن غريب خرج من رحم "قلة الحول والطول" التي برعت الصهيونية في الحاقها في جسد الهمّة العربية، فوضعت "بيوضا" من الاستعداد للتفاوض على كل شيء،ثم "فقست" هذه البيوض على ضفاف الاستسلام، وفي بيئة الهزيمة وضعف الانتماء والولاء وقوة الانتهازية والتراجع عن كل شيء،مقابل بضعة دولارات أو مقعد قيادي في أي صف ولو كان تحت بسطار المحتل ..
دوما هناك من يمكنه التفاوض على تضييع الحقوق وهدرها،وليس التفاوض هنا يعني الجلوس على طاولة في مواجهة الآخر،بل يمكن أن يكون بالرفض لطرح الآخر،لكنه في الحقيقة ترويج لهذا الآخر ولرأيه ،وهو ترويج حافل بدلالات لا نهائية،عن حدود قدرة الآخر وقوته.. هؤلاء يقولون وباختصار "كل الخيارات بيد اسرائيل ومشفوعة بالدعم الأمريكي"،وهنا تتسابق النظريات والعبقريات السياسية المتناسبه مع مثل تلك الحقيقة، فهم؛ أعني "الفقوس" يعتبرون أن تحقيق "الخيار الأردني" تحصيل حاصل لا محالة،وعلى هذا الأساس أشغلوا أنفسهم بمجابهة هذه الحالة كما يليق بذهنياتهم وولائهم لقضايا أمتهم وترابهم،فأصبحت المشكلة لديهم محصورة في شأن "شخصي"،وهو : ماذا يتبقى لنا من "الكعكة الأردنية في حال تم ترحيل الفلسطينيين الى الأردن"؟!،فمن سيكون وزيرا ومديرا ونائبا ...الخ ؟!!(حديث ممجوج بالمحاصصة والفدرلة ومرادفاتها)، وعلى أساس من هذا التفكير نقرأ رفضا ظاهريا للخيار الأردني أو الصهيوني، لكنه في الحقيقة قبول له وتقديم تسهيلات لابتلاع فلسطين،ومسح لخارطة الأردن من ذهن أهلها ،وهنا يظهر مدى استيعابهم لقضية اغتصاب فلسطين وقتل وتشريد أهلها.. وتسليمها الى الصهاينة.
هذا "الفقوس" الأردني يقابله كذلك "فقوس غريب اليد والوجه واللسان" وهو الذي نبت من رحم "الثورة الفلسطينية"،فهناك دوما مساحة للإنتهازية في كل ثورة،وهناك دوما طفيليات تنمو على ضفاف مسارح الثورة وفي ظل حراب المحتل،ولعل هذا المفهوم يظهر واضحا بكل جلاء،عند مشاهدتنا لبرنامج وثائقي سياسي،تبثه فضائية الجزيرة عن "حكاية الثورة الفلسطينية"،والتي تقدم لنا "شهادات" سياسية حول فتنة "أيلول 1970"،ولم يستوقفني من كل تلك القصة السيئة،إلا أمران،الأول هو ما قدمه أحد الشهود حول "أن أمريكا تنتظر نهاية الاقتتال،ولا تراهن الا على الحصان الرابح"، في إشارة الى أن بعض "ثوار الغفلة" يسعون لتغيير النظام الأردني،أي أن هناك تفكير قديم لديهم في ما نسميه الآن بـ"الخيار الأردني"،فهي نية مبيته لدى "الفقوس" وحاضنيه، والأمر الآخر الذي استوقفني بل أثر في نفسي،هو شهادة لمجرم من منفذي عملية اغتيال الشهيد "وصفي التل" رحمه الله،والذي تحدث وبكل برودة أعصاب عن" اغتياله بحوالي 14 طلقة ..!!".. يوجد هنا "لامراعاة لمشاعرنا" وهي مقصودة، من خلال بث مثل هذه الشهادات لقاتل مأجور.. هذان الأمران دفعاني للتساؤل عن "الهدف" من بث مثل هذا الوثائقي في مثل هذا الظرف؟ .. هل الموضوع ذو صلة تمهيدية لزوبعة سياسية أخرى؟ .. لا أتمنى ذلك.
"إرفع إيدك" كلمة تقال لكل"الفقوس" ولكل من تسول له نفسه أن يعبث بالأردن، وهذه أول جملة عرفتها في حياتي، ومثلي كل أبناء الأردن الأوفياء اللذين(ما عندهم خيار وفقوس)،وهم شريحة من جيل عربي لن يتنازل لمحتل غاصب عن ذرة تراب واحدة من ثرى الأردن أو أي ثرى عربي،وهم ذاتهم يقفون صفا واحدا خلف دروع هذا الوطن وحماته، للذود عن أكرم وطن وأشرف قيادة وأعز مكان في الكون.. لن يرفعوا أيديهم يوما عن قبضة من ترابه،ولن يبرحوا مكانهم في مدرسة الولاء والانتماء لهذه الأرض وهذه القيادة الهاشمية وهذه الأمة العزيزة، وعندما تضمحل وطنية من "فقس" عن بويضات وبائية ستكون أرواحنا هي الوصفة الوقائية.. وسلمت يا وطني بدرة تاجك الهاشمية.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
09-11-2008 04:00 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |